حب النبي ﷺ للأطفال: رحمة تتجاوز الزمن

Cover Image for حب النبي ﷺ للأطفال: رحمة تتجاوز الزمن
نشر بتاريخ

مقدمة

كانت محبة النبي محمد ﷺ للأطفال نهجا تربويًا رائدًا يسبق زمانه. كان ﷺ دائما يعبر عن محبته الخاصة للأطفال، إذ لم يكن فقط مدرسًا أو قائدًا، بل كاد أن يكون والدهم الروحي المفضل. ولم يقتصر هذا الحب على التفاعلات الشخصية فقط، بل امتد إلى تكوين رؤية واسعة لإقامة جيل قادر على نشر الأخلاق السامية.

1.      النبي ﷺ والأطفال: علاقة مبنية على الحب والتقدير

كان قلب النبي ﷺ مفعمًا بالرحمة والرأفة للأطفال، سواء كانوا من أسرته أو من ذرية المسلمين؛ عندما يرى طفلاً، يبتسم له ويحضنه بلطف، يمسح على رأسه ويخاطبه باحترام. كان النبي ﷺ لا يعتبر الأطفال مجرد صغار يحتاجون إلى التعليم أو التأديب، بل كان يدرك تمامًا حاجاتهم النفسية والعاطفية، وكان يستمع إليهم بتواضع تام وكأنهم نظائره. ينحني ليصل ﷺ لمستواهم الجسدي والمعنوي، مفتحًا قلبه لإظهار رقّة حنانه حتى في أوقات اللعب والمرح، كان ينخرط فيها بدون أية تأثيرات من عاملي السن والمكانة، مشاركاً إياهم لعبهم ومرحهم. هذا الاهتمام العميق والحب الصادق جعل الأطفال يشعرون بالأمان والدفء، وتعلّموا أن المحبة والرحمة هما الأساس لبناء علاقات إنسانية متينة، كما جسّد ذلك النبي ﷺ في قوله: “من لا يرحم لا يُرحم” 1.

2.      صبر النبي ﷺ وتفهمه لبراءة الأطفال

كان النبي ﷺ يتحلى بصبر وتفهم عند التعامل مع الأطفال، إذ كان يدرك جيدًا طبيعتهم البريئة والحية. لم يعتبر تصرفاتهم العفوية إزعاجًا أو فوضى، بل نظر إليها بنظرة حنو وتفهم عميق لنفسياتهم. عوضًا عن ذلك، كان يحتفظ بصوته هادئًا ولا يقدم لهم أي انتقاد عند تصرفاتهم الطفولية، فقد كان يعلم أن تصرفاتهم هذه هي جزء من تكوينهم ونموهم.

من أجمل القصص التي تبين صبره وحلمه ﷺ، قصة تسلق أحد حفيديه الحسن أو الحسين ظهره الشريف وهو في سجوده 2 أثناء صلاته لم يتحرك النبي ﷺ بسرعة ولم يظهر أي استنكار، بل بقي ساجدا لفترة أطول من المألوف حتى أنهى الطفل لعبه و بعد أن انتهى من الصلاة، شرح النبي ﷺ أنه استمر في السجود لفترة طويلة حفاظًا على راحة الطفل.

 هذا الموقف لا يتناول صبر النبي ﷺ فحسب، بل يُظهر أيضًا مدى تمكُّنه من فهم احتياجات الأطفال مدركا أن اللعب يشكل جزءاً مهما من عالمهم وأنه وسيلة مهمة في تربيتم وأن التفاعل معهم برقة وصبر يُسهِّل ثقتهم في أنفسهم. بهذا الأسلوب، كان ﷺ يُعلم الكبار أن التصرف بالحنان والتفهم هو ما يحتاج إليه الأطفال وليس العقاب أو الغضب، فكان بهذا قدوة يحتذى بها.

3.      تعليم النبي ﷺ للأطفال: توجيه باللطف والمحبة

كان النبي ﷺ يستخدم الطف والمحبة كأساس لتعليم الأطفال، دون أية شدة أو توبيخ. كان يعي أن الأطفال بحاجة إلى توجيه، ولكن بطرق تلامس قلوبهم ولا تستخدم الخوف أو الضغط. كان ﷺ يستغل كل فرصة لزرع القيم والأخلاق بطريقة تجعل الطفل يشعر بالاحتِرام والتَّقديْر مما يجعل العملية التعليمية التعلمية ممتعة و مشوقة.

 وأفضل مثال يوضح هذا الأسلوب هو ما حدث عند رؤية النبي ﷺ طفلاً يتناول أكله بطريقة عشوائية، فبدلاً من أن يعاتبه أو يوبخه، توجه إليه بلطف وابتسامة قائلاً: “يا غلام، سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك” 3. هذه الكلمات البسيطة ليست مجرد توجيه، بل هي تعبير عن محبة النبي ﷺ واهتمامه بصلاح الطفل.

تحمل الطفل هذه النصيحة بارتياح، من دون أي شعور بالخطأ أو الخجل. قوبل الأطفال بمحبة وهم يستفيدون من تعليمات النبي ﷺ دون ضغوط، مما ساهم في إرساء علاقة بين التعليم والمحبة. كان ﷺ يعتقد أن التربية الفعالة تأتي نتيجة لوجود بيئة تحيط الطفل بالحب والتفهم، ما يسهّل على الطفل قبول النصائح وتطبيقها بدون شعور بأن العملية التعليمية عبء أو إجبار.

4.      النبي ﷺ كقدوة للأطفال: تجسيد للأخلاق الحميدة

كان النبي ﷺ مثالاً حيّاً للأطفال، فهو يعكس القيم النبيلة في كافة أوقات حياته. كانت إرادته القوية في تطبيق الأوامر والنصائح ليست مجرد أوامر ونصائح، بل كان يعبر عنها من خلال سلوكه اليومي. لم يكن تعليمه ﷺ مجرد كلام، بل عاش الأطفال تجارب حقيقية وواقعية معه ﷺ في كل مناسبة.

عندما كانوا يرونه وهو يتفاعل مع الأشخاص، بغض النظر عن طبقاتهم الاجتماعية أو أعمارهم، كان دائمًا يبرز احترامه وتواضعه. كان يعامل الجميع بنفس الطريقة، ولا يفضل أحد على آخر. وقد كان الأطفال يلاحظون ويستمدون العبر من تصرفاته قبل أقواله، حيث إنه لم يكن هناك تعارض بين علمه وعمله، فقد كانت أفعاله مجسدة للقيم التي يؤمن بها.

وبهذا اكتسب الأطفال تلك القيم بشكل عفوي من خلال التفاعل المستمر مع النبي ﷺ، وهم يتابعون كيف يطبق ﷺ الصدق والأمانة في حياته اليومية ومع أصحابه ومحيطه، فتحولت تلك القيم جزءا من شخصياتهم، يطبقونها في حياتهم الخاصة و العامة. باستخدام هذا النهج استطاع النبي ﷺ تأسيس جيل ذي أخلاق مشرقة، يمتلك قدرة على نشر قيم المحبة والرحمة في المجتمع.

خاتمة

 يتجلى من تعامل النبي ﷺ مع الأطفال أنّ للرحمة والحب والصبر دورا أساسا في تربية أجيال المستقبل، فقد كان النبي ﷺ يشعر بأن الأطفال هم أمانة من عند الله فيتعامل معهم بكل احترامٍ صونا لهذه الأمانة المقدسة.


[1] صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه
[2] أورد البخاري هذه القصة في كتاب الأدب، وهي مروية عن الصحابي عبد الله بن شداد عن أبيه.
[3] رواه البخاري