حرية الجسد وسمو الروح

Cover Image for حرية الجسد وسمو الروح
نشر بتاريخ

لقد كرم الله تعالى الإنسان، وخلقه في أحسن تقويم، وميزه سبحانه على باقي مخلوقاته بالعقل والفكر، يقول عز وجل ” ولقد كرمنا بني آدم ” ويقول جل وعلا ” الذي خلقك وسواك فعدلك ” بل نفخ في الإنسان من روحه عز وجل ليضفي عليه نفحة السمو والعلو، ويبقى الوجود الإنساني متصلا بالوجود الإلهي دون حلول أو اتحاد.
لكن تتجاذب الإنسان طينية الجسد وسمو الروح، فكلما غلبت كفة على أخرى كلما كان لهذه الغلبة ظواهر ومظاهر، فحين ترجح كفة طينية الجسد التي تتجسد في ميول هذا الكائن البشري إلى الارتباط بما هو مادي صرف، وبما هو مشترك بين باقي الكائنات الحية، فيكثر الحديث عن حرية الجسد، ورغباته، وطموح الإنسان إلى إشباع غرائزه الحيوانية دون قيد أو شرط، أو رقيب أو حسيب، لأن الإنسان في نظر من يراه جسدا بلا روح يتوقف وجوده على الوجود الفيزيائي في عالم مادي مقطوع عن التعالي والتسامي، بل لا يرى أية وظيفة للإنسان سوى وظيفة وجوده الطبيعي الغريزي. فيصبح ” مادة خالية من الغرض والهدف والغاية”
أما إذا سمت الروح وارتفعت، وحق لها أن تسمو وهي سر من أسراره سبحانه إذ يقول:” ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي” ارتقى الإنسان من الدوابية إلى الكرامة والعزة، ووعى أن الجسد بلا روح هو آنية فارغة، أو هو كما قال الدكتور إدريس مقبول:” فخارة … تعكس الفراغ والهشاشة وسرعة التكسر إلى جانب ما تعكسه من جمال صنعتها وشكلها” هذه الفخارة الطينية يقول الدكتور مقبول: ” هي حقيقة الإنسان إن لم يمتلئ بالإيمان الذي يعطيه المعنى ويمنحه الجمال الحقيقي ”
من هنا تأتي هذه الصيحات الشاذة والمتناثرة هنا وهناك، داعية إلى حرية هذا الجسد، الذي حول قسرا إلى مجرد سلعة أو بضاعة يمكن عرضها في سوق الإشهار والمسرح مقابل دراهم معدودات، و داعية إلى مخالفة الفطرة السليمة في ارتباط المثليين، ضاربة عرض الحائط بكل الأحكام والقوانين والأعراف، متناسية أن من حقوق الإنسان- الجسد والروح- أن ينتقل من بهيميته إلى إنسانيته، وأن يعيش في مجتمع فاضل يسوده الحب والتعاون والتراحم.
إن الجسد والروح يمثلان وحدة متجانسة، ينفصلان مؤقتا بالانتقال من دار فانية إلى دار البقاء الأبدي، ليجتمعا من جديد في الملكوت الأعلى، من هنا لا يمكن أن نتحدث عن حرية الجسد إلا بسمو الروح.