يعتبر حق المرأة في التعليم بصفة عامة من حقوق الإنسان في حد ذاته، وهو في نفس الوقت وسيلة لا غنى عنها لإعمال حقوق الإنسان الأخرى. والحق في التعليم بوصفه حق تمكيني هو الأداة الرئيسية التي يمكن بها للكبار والصغار والمهمشين اقتصاديا واجتماعيا أن ينهضوا بأنفسهم من الفقر وأن يحصلوا على وسيلة للمشاركة كليا في مجتمعاتهم، حيث يحتل التعليم الدور الحيوي في تمكين المرأة وحمايتها من جميع أشكال الاستغلال.
وقد أولت مجموعة من المواثيق الدولية أهمية كبيرة للتعليم حيث تعتبره من الحقوق الأساسية والملزم احترامها من كافة الدول المصادقة عليها، كما تنص هذه المواثيق على عدم التمييز ضد المرأة أو العرق أو كافة أنواع التمييز، إذ يجب أن يتمتع بذلك كل إنسان على حد سواء.
وقد نص الدستور المغربي على المساواة بين الرجل والمرأة في التمتع بالحق في التعليم، وهذا ما ترجمه الميثاق الوطني للتربية والتكوين، حيث أعلن على مبدأ المساواة بين المواطنين وتكافؤ الفرص أمامهم وحق الجميع في التعليم إناثا وذكورا، سواء في البوادي أو الحواضر.
غير أن التقدم الذي أحرزه المغرب في مجال تعميم التعليم والتكافؤ بين الجنسين لم يحل دون استمرار التعثرات والاختلالات البنيوية والوظيفية التي يعاني منها النظام التعليمي في المغرب، خصوصا بالنسبة لتعليم المرأة في المجال القروي؛ حيث نجد مجموعة من الإرهاصات كالفقر والزواج المبكر والجهل إضافة لبعض الضوابط الاقتصادية والاجتماعية المبنية على نوع الجنس. وهذا يحيلنا على عدة تساؤلات من بينها: ما أهمية التعليم بالنسبة للمرأة القروية؟ وما هي انتهاكات حقها في التعليم؟ وما الذي يضمن التعليم كحق للجميع؟
يمنح التعليم للمرأة القدرة على الوقوف بجانب الرجل ومشاركته في الحياة، حيث يؤدي إلى حياة تكافلية تكاملية، الأمر الذي من شأنه أن يعود بالنفع والفائدة الكبيرة على الأسرة والمجتمع، وللتعليم دور كبير في تأهيل المرأة وتمكينها من المشاركة في الحياة العامة، حيث يكون له أثر في جميع النواحي، فمن الناحية النفسية يكسبها الثقة في نفسها ويحقق لها مكانة اجتماعية راقية، ويجعلها تشعر بأن لها أهمية في المجتمع، كما يمكنها من معرفة حقوقها والمطالبة بها دون تردد أو خوف، ويجعلها تنطلق بالعمل في مختلف المجالات المتاحة في المجتمع كالتعليم والطب والهندسة والتجارة والسياسة، ويساعدها على تنمية الذات، وهذا من شأنه أن يرفع قدرتها على طريقة تعاملها مع أطفالها مستقبلا وتربيتهم وتنشئتهم تنشئة صحيحة وسليمة مبنية على أسس تربوية.. هذه بعض مظاهر أهمية التعليم، حيث لا يمكن إحصائها ولا حصرها، ولذلك قال تعالى في محكم كتابه هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (الزمر، من الآية 8).
غير أنه قد تحدث عدة انتهاكات للحق في تعليم المرأة القروية، ففي الوقت الذي صادقت الغالبية العظمى من الدول على المعاهدات الدولية التي تعترف بالحق في التعليم، لا يزال الملايين في جميع أنحاء العالم محرومين منه، وتأخذ المرأة الحيز الأكبر، ذلك إما نظرا لنقص الموارد أو القدرة والإرادة السياسية، ولعدم توفر تشريع يضمن إعمال الحق في التعليم وتطبيقه في الواقع العملي. كما يمكن أن ينتهك هذا الحق أيضا من طرف المجتمع نظرا لتفشي الجهل في بعض الأحيان، فهناك بعض الأسر التي ترى بأن التعليم ليس من الضروريات، خاصة إذا كان لا يوفر موردا للعيش، ويربطونه دائما بمشكلة البطالة، وبالتالي يجدون أنه ليس من الضروري وأنه فقط مضيعة للوقت، خاصة للفتاة التي يرون أنها خلقت من أجل الزواج ورعاية الأبناء وليس للخروج ومخالطة الرجال ومزاحمتهم، وهو الفكر المتفشي في القرى التي تحتاج توعية بدور التعليم، وبأن المرأة لا يتسنى لها أن تكون زوجة صالحة وأما مثالية وأن تبني أسرة فاعلة في المجتمع دون أن يكون لها حظ من التعليم.
عندما نتحدث عن التعليم كحق للمرأة كما هو للرجل فهو حق مضمون من خلال مجموعة من المواثيق الدولية التي تلزم الدول الموافقة عليها باحترامها ومنها المغرب، الذي جعل الحق في التعليم والمساواة فيه حقا دستوريا، لكن ما هي ضمانات تفعيل هذا الحق؟ هنا يكمن الإشكال، فليست هناك قوة إلزامية لحماية الحق في التعليم، حيث لا نجد أي ضمانات تشريعية وقانونية تضمن عدم منع الآباء والأمهات الفتيات من الذهاب إلى المدرسة، وعليه يجب اتخاذ التدابير الملائمة من أجل الإعمال الكامل للحق في التعليم. أما على مستوى المجتمع المدني، فيجب رفع مستوى الوعي حول الحق في التعليم خاصة بالنسبة للنساء في القرى، وكذا مراقبة إعمال الحق في التعليم وتقديم تقارير عن الحرمان منه والانتهاكات المرصودة، والتماس سبل الانتصاف عندما يتم انتهاك للحق في التعليم، خاصة تعليم المرأة القروية والذي يعد أبرز أوجه الانتهاكات.
وفي الأخير أقول إن مسألة تعليم الفتاة القروية يلزمها تضافر جهود كل من الدولة والمجتمع المدني، لتوعية المجتمع بالدور الريادي للمرأة، وأن تعليمها أصبح ضرورة ملحة، فجل الدول التي تهتم بالتنمية البشرية تجعل تعليم المرأة ضمن أولوياتها.