حقوقيون: المسار “الأرعن” لتمرير قانون المسطرة الجنائية مرتبط بسياق تراجعي في الحقوق والحريات

Cover Image for حقوقيون: المسار “الأرعن” لتمرير قانون المسطرة الجنائية مرتبط بسياق تراجعي في الحقوق والحريات
نشر بتاريخ

نظم الفضاء المغربي لحقوق الإنسان يوم أمس الأربعاء، 09 يوليوز 2025، ندوة حقوقية لتسليط الضوء على أهم مضامين قانون المسطرة الجنائية الجديد تحت عنوان: “قانون المسطرة الجنائية تشريع يحمي الحقوق ويصون الحريات” بحضور شخصيات حقوقية بارزة يتقدمهم الرئيس السابق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان الدكتور عزيز غالي، ورئيس الفضاء المغربي لحقوق الإنسان الأستاذ محمد النويني، ونائب رئيس جمعية عدالة الأستاذ محمد اشماعو، والأستاذة خديجة الركاني عن تحالف ربيع الكرامة من أجل تشريع جنائي يحمي حقوق وحريات النساء ويناهض التمييز بسبب الجنس.

وفي إدارته لهذه الندوة لم يُخف الأستاذ الحسن السني، تخوفاته في ظل هذا المشروع الجديد بالمغرب من إقصاء مشاركة منظمات المجتمع المدني والسياسي وفي مناقشة التعديلات المقترحة لضمان تمثيل كل وجهات النظر خاصة فيما يتعلق بصلاحيات النيابة العامة والشرطة القضائية بما قد يؤثر على حقوق الدفاع والحياد القضائي. لافتا إلى أن هذا القانون يثير جدلا سياسيا وحقوقيا واسعا وتخوفات من بعض جوانبه المتعلقة بضمانات المحاكمة العادلة وتوازن السلط.

الركاني: الدولة لا تملك سياسة جنائية واضحة قائمة على المبادئ الدستورية

الأستاذة خديجة الركاني اعتبرت أن قانون المسطرة الجنائية هو أحد الأعمدة المعول عليها لضمان العدالة الجنائية للنساء، التي يفترض أنها تستند إلى خلفية تحكمها سياسة الدولة في هذا المجال، لافتة بكل أسف إلى أن الدولة لا تملك سياسة جنائية واضحة قائمة على مبادئ دستور 2011 الذي نص على الاختيار الديموقراطي ودولة القانون وضمانات المحاكمة العادلة وغيرها، وأكدت أن مسار تعديل مشروع قانون المسطرة الجنائية شكل فرصة لبلورة قانون يعكس على الأقل الحد الأدنى لما هو موجود في الدستور فيما يتعلق بضمانات المحاكمة العادلة للنساء.

وأرجعت الركاني سبب ضياع هذه الفرصة إلى غياب الإرادة السياسية الحقيقية لتحديث المنظومة الجنائية، وتحدثت عن إقصاء أدوار المجتمع المدني رغم أدواره الدستورية الواضحة، وعن إقصاء الحركة النسائية على وجه الخصوص. موضحة أن المنهجية المعتمدة تجاوزت عدم الإشراك وتجاوزت اللقاءات القبلية للتشاور إلى أمر أخطر، وهي أنه حتى بعد بلورة هذا المشروع كان هناك رفض متسلسل لجميع المقترحات التي قدمت خلال النقاش وسط لجنة العدل والتشريع.

غالي: انتقلنا من مرحلة محاربة الفساد إلى مأسسة الفساد

من جانبه ركز الحقوقي عزيز غالي حديثه عن أهمية وضرورة القانون الجنائي باعتباره قانون الحقوق والحريات، موضحا أن سياق العام الذي جاء فيه القانون الجنائي يمكن ضبطه من خلال نقاط أساسية؛ الأولى هي قاعدة وملاحظة يجمع عليها الجميع وهي أننا في المغرب “انتقلنا من مرحلة محاربة الفساد إلى مأسسة الفساد”، والحكومة تسعى إلى إنشاء بيئة صالحة لانتشار الفساد، وذلك من خلال سحب قانون الأثراء غير المشروع، وقانون تضارب المصالح الذي اختفى بعد الحديث عنه ولم يخرج إلى العلن، ثم الهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة ومحاربة الفساد، التي أفاد مسؤولها السابق الراشدي بأن المغرب يخسر 50 مليار درهم سنويا نتيجة الفساد وأعفي بعد ذلك، ومعنى ذلك ليست هناك أي إرادة سياسية لمحاربة الفساد.

وفي نقطة أخرى استحضر غالي التصريحات المتكررة للوزير فيما يتعلق بدور الجمعيات على أنها دائما تبتز المسؤولين والمؤسسات، مشددا على ان مثل هاته المبررات لا تخدم المجتمع ولا يمكن الاختباء وراءها. وقال إننا لم نر الوزير يوما يفعل القانون تجاه هذه الجمعيات، إذ ليس هناك ما يمنع أي مسؤول يتعرض للابتزاز من اللجوء إلى القضاء. وبينما لم ينزه غالي كل الجمعيات أكد أن تفعيل القانون ضد الجميع لا يخدم إلا المجتمع.

اشماعو: المسار التشريعي لقانون المسطرة الجنائية “أرعن”

أما نائب رئيس جمعية عدالة الأستاذ محمد اشماعو، فقد أكد أن هناك عنوانا لهذه الاختلالات فيما يتعلق بالقوانين الضامنة للحريات، وقال إننا أمام “انتكاسة حقيقية وأمام نكوص وتراجع عن كل الطموحات، وأضعنا عشرين سنة من الزمن بدءا من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة التي مسحت مسحا دقيقا ما كان يجري سابقا من تجاوزات وخروقات واختفاء قسري، وقضاء التعليمات…”

ووصف اشماعو هذا المسار التشريعي بـ “الأرعن” حيث نكون أمام مؤسسات ثم يأتي وزير ويقسم أنه لن يتراجع عن مقتضى المادتين 3 و7 التي تحرم الجمعيات من حماية المال العام، واستحضر أيضا سحب قانون الإثراء غير المشروع ثم شدد على “أننا أمام مغرب لم ننتظر يوما أن نكون بهذا الوضع”. وقال إن هذه المبادرة التشريعية الحالية تراجعت عن كل ما وضع سابقا كأن المغرب ليس لديه أي ماض في مجال البحث وإعداد التصورات “وفوجئنا بمسطرة للأسف دبرت بشكل ممنهج، الثابت فيها هو إقصاء الدفاع بشكل كلي من المراحل الأساسية للمحاكمة، وتم تمريرها كما أريد لها”.

النويني: سرعة تمرير المشروع مرتبطة بسياق تراجعي في الحقوق والحريات

من جانبه الأستاذ محمد النويني، رئيس الفضاء المغربي لحقوق الإنسان، لم يغفل الحديث عن أهمية الموضوع المستمدة من أن قانون المسطرة الجنائية بصفة عامة في جل التشريعات المقارنة يعد من القوانين الحساسة والمهمة والتي تكتسي أهمية من قبل كل المتدخلين في العملية التشريعية، لأنه يرتبط بالحقوق والحريات، لأنه يرتبط بأسمى الحقوق وهو الحق في الحياة، مما يتعين عدم التساهل مع أي إخفاق أو ترد في هذا الاتجاه. وإذا كان الفقه الجنائي يسمي القانون الجنائي بقانون المجرمين، فإن نفس الفقه يعرف قانون المسطرة الجنائية بقانون الأبرياء، يقول النونيني. لذلك فأن العديد من الحقوقيين ورجال القانون وفضلاء القضاء دافعوا ونافحوا لمدة أكثر من أربع عشريات حتى يتحقق هذا الجزء المهم منه على مستوى التشريع وآخره ما جاء في ديباجة دستور 2011.

وأكد النويني أن سرعة تمرير هذا المشروع لا يمكن أن تعطي لنا أي مؤشر إيجابي يعكس متطلبات التشاور مع كل الفاعلين المجتمعيين في الإسهام في العملية التشريعية، موضحا أن العملية التشريعية برمتها في مجلس النواب استغرقت مدة أربعة أشهر، بينما هناك قوانين وتشريعات أخرى تبقى في الغرفة نفسها لسنوات دون أن تتحرك، ونذكر منها مثلا القانون الجنائي وقانون الصحافة والنشر، وتساءل عن الهدف من تسريع تمرير هذا القانون في مقابل ذلك تبطيء تمرير قانون مهم وهو القانون الجنائي رغم الارتباط الوثيق بين المشروعين، لافتا إلى أن هذه السرعة مرتبطة بالسياق التراجعي العام في موضوع الحقوق والحريات من تغول سلطوي وتحكم في القضاء وأمننة للنيابة العامة إلى غير ذلك، لذلك انتهزت الحكومة هذه الفرصة.

جدير بالذكر أن مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية، يُعد من أبرز النصوص التشريعية المؤطرة للعدالة الجنائية بالمغرب. وقد شمل المشروع مواد مثيرة للجدل، أبرزها المادة 3 التي تُقيد حق الجمعيات في تقديم الشكاوى ذات الصلة بالفساد والاختلاس والاعتداء على المال العام، والمادة 7 التي تمنع ضحايا بعض الانتهاكات من اللجوء المباشر إلى القضاء إلا عبر مساطر إدارية طويلة ومعقدة، وهو ما اعتبرته فعاليات حقوقية “تحجيما خطيرا لدور المجتمع المدني في حماية المال العام وتكريسا للإفلات من المحاسبة”.

وقد جرى تقديم المشروع في سياق تشهد فيه البلاد تراجعا مقلقا في مؤشرات الحقوق والحريات، مما دفع هيئات مدنية وقانونية إلى التعبير عن رفضها القاطع للصيغة الحالية، واعتبارها تهديدا لاستقلال القضاء ضربا لمبدأ الفصل بين السلط. وسبق أن دعت هيئات حقوقية وسياسية فضلا عن مبادرات مدنية إلى مراجعة شاملة للمشروع، وفتح نقاش عمومي حقيقي حول مضامينه، إلا أن تمريره داخل مجلس المستشارين بـ24 صوتا فقط يوم 8 يوليوز 2025، بعد تمريره في الغرفة الأولى قبل أقل من شهرين، يوضح حجم الاستخفاف بالمطالب المجتمعية ويؤشر على الانزلاق نحو تقييد الحقوق الدستورية ونحو التملص من الالتزامات الدولية في هذا الباب.