حقوقيون: مسؤولية الدولة في قتل الشهيد عماري ثابتة ولن تُرفع إلا بكشف الحقيقة وجبر الضرر

Cover Image for حقوقيون: مسؤولية الدولة في قتل الشهيد عماري ثابتة ولن تُرفع إلا بكشف الحقيقة وجبر الضرر
نشر بتاريخ

أجمع فاعلون حقوقيون، أثناء مشاركتهم في ندوة “عنف السلطة والافلات من العقاب” مساء يومه الأربعاء، على أن مسؤولية الدولة ثابتة في قتل الشهيد كمال عماري، وأن هذه المسؤولية لا يمكن أن يطالها التقادم، ولا يمكن طي هذا الملف إلا بكشف الحقيقة وإنصاف العائلة وجبر الضرر.

 

 

الفاعلون، وهم المحامي والحقوقي عبد الحق بنقادى عن الفضاء المغربي لحقوق الإنسان، والمحامي والفاعل الحقوقي ميلود قنديل عن الفيدرالية المغربية لحقوق الإنسان، والحقوقي أحمد زهير عن الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، وأثناء تدخلاتهم في الندوة التي نظمتها “جمعية عائلة وأصدقاء الشهيد عماري كمال” وشارك فيها أيضا أب الشهيد عبد الرحمن عماري وأدار أشغالها الأستاذ جواد مليحة، استدلوا على صحة ما ذهبوا إليه بالعديد من التفاصيل الواقعية التي واكبت حدث الاعتداء الشنيع على كمال عماري رحمه الله يوم 29 ماي سنة 2011 وهو ما أفضى في النهاية إلى استشهاده، كما عززوا طروحاتهم بنصوص وتشريعات من الترسانة القانونية الدولية والمحلية.

إعدام بالشارع العام

وهكذا اعتبر الأستاذ أحمد زهير عن الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، أن واقعة الشهيد كمال عماري تتعدّى حالة “قتل بالشارع العام”، وإنما، استنادا إلى المقرر الصادر عن الأمم المتحدة والمتعلق بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفا، فإن التوصيف الدقيق لها هو “الإعدام بالشارع العام”. وأوضح المتحدثُ مقتضياتِ هذا المقرر قائلا: “إن الإعدام التعسفي هو قتل شخص على يد الدولة أو على يد شخص آخر يعمل تحت سلطة الحكومة أو بتواطئها معهم أو تغاضيها عن أفعالهم، أو قبولها ولكن بدون أي عملية قضائية”.

وتابع زهير موضحا في مداخلته التي خصصها لموضوع “مسؤولية الدولة عن العنف والتعذيب المؤدي إلى الوفاة”، أن ما حدث هو أنه تم إعدام الشهيد بالشارع العام عن طريق الترصد له، وبالتالي فهاته العملية تدخل ضمن الإعدام التعسفي وليست مسألة قتل عادية، حيث إن الشهيد كان مشاركا في وقفة احتجاجية سلمية.

وأشار إلى أن الوقفات الاحتجاجية السلمية تؤطرها المادة 21 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ورغم ذلك فقد ترصدوا له وأعدموه بالضرب والرفس، وقد وقام بهذه العملية 6 أو 7 أشخاص، يقول ثم يضيف: “ولا يقوم بهذه الجريمة إلا العصابات والميليشيات في الدول الدكتاتورية للأسف”.

جريمة دولة

من جهته، الأستاذ عبد الحق بنقادى، عضو المكتب التنفيذي للفضاء المغربي لحقوق الإنسان، أقر فيما يتعلق بكشف الحقيقة وبعنف السلطة والإفلات من العقاب، أن ملف الشهيد كمال عماري هو “ملف ضمن سلسلة من الملفات التي عرفها تاريخ المغرب، تاريخ المس بالسلامة الجسدية واغتيال المناضلين والزج بهم في السجون وإقبار حقيقتهم” معتبرا أن هذه المظاهر هي “السمة التي طبعت الممارسة السلطوية في المغرب”.

وأبدى المحامي والفاعل الحقوقي ملاحظات عدها في غاية الأهمية، نظرا لما تشتمل عليه من تفاصيل تؤكد اغتيال الشهيد عماري على يد عناصر الشرطة. فما وقع بالضبط هو أن الأمر في يوم (29 ماي 2011) ، وبشهادة وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بآسفي، كان يتعلق ببداية تجمع لتظاهرة، وكان المتظاهرون مشتتون بين الأزقة والدروب بعد تدخل السلطة وتفريقها لهاته المظاهرات، تم الاستفراد بالشهيد كمال عماري في منطقة معزولة بعيدا عن مكان التظاهر بعد تفريق التظاهرة بأزيد من ساعتين، لتنهال عليه مجموعة من عناصر الشرطة بالضرب على مستوى الرأس والظهر وأجزاء متفرقة من جسده، ويفارق الحياة بالضبط يوم 2 يونيو 2011.

واسترسل بنقادى مستعرضا كرونولوجيا التطورات التي عرفها الملف منذ تاريخ وفاة الضحية إلى إصدار قرار عدم المتابعة “لعدم معرفة الجاني”، ليخلص إلى أن “إعدام الشهيد كمال عماري بتلك الطريقة الفجة التي شهدت عليها سواء التقارير الرسمية ممثلة خاصة في تقرير التشريح الطبي، والتقرير الذي أصدره المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومختلف البلاغات الرسمية لعدد من المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية. بعد هذا الإعدام الجسدي وهذا القتل الممنهج، هذه الجريمة نعتبرها جريمة دولة بامتياز”.

اغتيال مع سبق الإصرار

وممثلا عن الفيدرالية المغربية لحقوق الإنسان، تحدث الأستاذ ميلود قنديل عن بعض النصوص القانونية التي تثبت الخروقات التي عرفتها قضية الشهيد كمال عماري، وقد توقف أساسا عند بعض المواد التي ضُمنت في الإعلان العالمي لحقوق الانسان، باعتباره أسمى قانون على المستوى الدولي. ثم عرج على بعض الفصول المضمنة بالدستور المغربي، وخلص في النهاية إلى تقديم بعض القرائن التي تثبت أن الشهيد كمال عماري “قد تعرض للاغتيال مع سبق الإصرار”.

 واختار المحامي قنديل أن يخصص مداخلته لموضوع “مطلب المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب”، وبعد أن ذكر خمس مواد من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مثبتا الخروقات التي تعرضت لها كل هذه المواد، أكد أن السلطات المغربية للأسف الشديد، وكعادتها، خرقت “كل المواثيق والعهود الدولية”، ثم انتقل مباشرة إلى الترسانة التشريعية للقانون المغربي التي أكد أنها “منظومة يحتذى بها”، إلا أنه استدرك بالقول بأنه “للأسف تبقى حبرا على ورق” فالفصول والواقع لا يلتقيان.

وختم مداخلته بالعودة إلى قرائن تثبت الجريمة، مستدلا بشكل أساس بتقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو المؤسسة الرسمية التابعة للدولة، والتي أثبتت جريمة قتل عماري ومسؤولية الدولة الثابتة عن ذلك.

والد الشهيد: راه ما نتنازل على حق ولدي حتى لعند الله سبحانه وتعالى

وفي تعليقه على حادثة قتل ولده، وتنكر الدولة لذلك وهو ما شهد عليه المسار القضائي للملف، قال الحاج عبد الرحمان عماري، والد الشهيد كمال عماري وألم الفراق يعصر قلبه: “أنا لا زلت أطالب بحقوقي ما دمت حيا، لأن ما فُعل بابني لا ينسى”.  وحمَّل سلطات المخزن مسؤولية استشهاد ابنه ومسؤولية محاولة طمس الحقيقة الناصعة، مذكرا إياها بيوم القضاء الأكبر أمام القاضي الديّان يوم لا ينفع قضاة ولا محامو الدنيا الفانية. وأضاف أن لا خيار أمام هذه السلطات سوى الاعتراف بجرمها المشهود في قتل ابنه “عمدا متعمدا” على حد وصفه، ورد الحقوق للشهيد وذوي الشهيد.  

 ذاكرة الحاج عماري أبت إلا أن تسترجع مشهد الأيام الأربعة التي تلت إصابات الشهيد كمال رحمه الله بعد الاستهداف المخزني له يوم 29 ماي 2011، فحكى ظروف الاستهداف ووحشية التنكيل بالعصي والركل؛ وحشية وصفها أنها لا تمت لأفعال عامة المسلمين بصلة، بله بمن أنيط بهم حفظ أمن وسلامة المواطنين.

وقد خاطب والد الشهيد الضمائر الحية في أجهزة الدولة والقضاء داعيا إياهم إلى إنصاف الشهيد كمال عماري رحمه الله، بعد طول تماطل بين دهاليز المحاكم امتد لاثنتي عشر سنة. قاطعا أمل الآملين في أن يدب إليه اليأس ويتخلى عن حق ابنه، معبرا عن ذلك بكلمته العفوية الدارجة الحازمة الموقنة: “راه ما نتنازل على حق ولدي حتى لعند الله سبحانه وتعالى”.