حكاية السندباد وفقراء الثلج

Cover Image for حكاية السندباد وفقراء الثلج
نشر بتاريخ

وفي الليلة ………………………………………………..من

قالت شهرزاد:

بلغني أيها الوزير السعيد، أن السندباد البحري سمع ببلاد المغرب وما يحتوي عليه من خيرات كثيرة، وعن التجارة المزدهرة والغنى الذي يعيش فيه المغاربة وأبناؤهم. فقرر في أحد الأيام أن يقوم بزيارة له من أجل السياحة والمغامرة والتجارة. هيأ العدة المناسبة وودع الأهل والأصحاب، فركب سفينته فأقلته إلى بلاد المغرب، راودته فكرة السياحة أولا، تذكر أن له صديقا فاتصل به يشاوره في بعض الأمكنة الخلابة، فأشار عليه أن يذهب لمنطقة جبال الأطلس من أجل التزحلق على الثلوج والاستمتاع بجماله الأخاذ لأنه فصل الشتاء، استحسن وراقته الفكرة، وعزم على خوض غمار المتعة.

وصل إلى جبال الأطلس فشده سحر المكان وبياض الثلج، فجعل يلعب ويلهو ويمرح، واستهوته مناظره فأخذ لُبَّه كل مَطْرح، وفجأة استرعى انتباهه جبل من الجبال فأثاره الفضول في اكتشاف المكان. وصل إليه والدهشة بادية على وجهه، رأى بعض الأكواخ والبيوت المتقادمة المنتشرة هنا وهناك، حدث نفسه قائلا: يستحيل أن يعيش أحد هنا ربما هذه مآثر عمرانية، يأتيها السياح للاستمتاع بأطلالها التاريخية، بدأ يحث الخطى حتى اقترب من إحداها، ومن هول ما رأى بدأ يصفع وجهه ويقول: ربما أنا نائم ينبغي أن أستفيق، ولكنه وجد نفسه في عالم الحقيقة، يعيش في الواقع المحسوس لا في عالم الخيال؛ ليس في واد الحَيَّات الذي يصل فيه حجم الحية إلى طول النخلة، ولا أمام طائر الرُّخِّ العظيم الذي يزِقُّ أبناءه فِيَلَة… وإنما هو متواجد في إحدى مناطق المغرب؛ البلد الذي سمع عنه بلغ من التنمية البشرية والرفاه الاجتماعي كل مَبْلَغ، أذهله وجود أطفال صغار حفاة وشبه عراة يرمقونه بنظرات مقروءة وكأنهم يطلبون بأعينهم البريئة بيتا لائقا وطعاما يسد الرمق وكساء يقيهم البرد وتدفئة وكهرباء وصرفا صحية ومستشفيات و… ، سمع بكاء وعويل أم منتحبة فقدت رضيعها من شدة البرد وهي في كوخ ملتحفة بعض المرقعات بالكاد سترت عورتها، تابع المسير وهو لازال في صدمة كبرى إلى أعلى قمة الجبل، فوجد أطفالا في بيت خرب متآكل الجدران مكتوب عليه “جميعا من أجل مدرسة النجاح”؛ سقفه مثقوبة، وقطرات أمطار الثلوج تتساقط فوق الرؤوس، وطاولات مكسورة موضوعة على الأحجار يكتبون عليها بعزيمة وإصرار وهم ينتظرون معلمهم الذي لم يصل بعد بسبب صعوبة التنقل وغياب البنية التحتية وفظاعة الظروف التي تعيق عمله، فتساءل عن هذا التحدي والرغبة في التعلم رغم الجو القاسي والمسالك الجبلية الوعرة وفي غياب أدنى ظروف للتمدرس أو العيش، وفي المقابل تساءل عن اللامبالاة وغياب المسؤولية اتجاههم، تابع المشي فرأى فتيات صغيرات يحملن بعض أعواد الحطب على ظهورهن، وأخريات يرعين بعض الأغنام وقد غير البرد لون بشرة وجوههن، فرق لحالهن وفي نفس الوقت تأسف على سوء الحال، استرجعت ذاكرته قصة ساندريلا وبياض الثلج فقال: إذا كانت ساندريلا وجدت الحيوانات الناطقة والمرأة الساحرة الطيبة التي كانت سببا في تخليصها من عذاب زوجة الأب القاسية، والفتاة بياض الثلج وجدت الأقزام السبعة والأمير المغرم الذين خلصوها من سحر الساحرة الأنانية الشريرة، فمن يا ترى منقذ ومخلص هؤلاء الأمراء الصغار من هذا الفقر والبؤس والتعاسة والشقاء؟

عاد أدراجه إلى بلده دار السلام حزينا كئيبا، اجتمع به الأهل والأصدقاء يحمدون له السلامة وطلبوا منه، كعادتهم، أن يحكي لهم مغامراته الممتعة والمشوقة في بلد المغرب.

تلجًّم عن الكلام لبعض الوقت، ثم تنهد تنهيدة عميقة فقال: إيهǃǃǃ سأحكي لكم قصتي مع أمراء وأميرات الثلج في جبال الأطلس…

وأدرك شهرزاد الصباح فلم تسكت عن الكلام المباح فقالت: بلغني أيها الوزير السعيد أن العديد من النساء المغربيات الحوامل أثناء حالة الوضع يتعرض مولودهن للإعاقات الدائمة بسبب الإهمال الطبي…