لعل هناك من يتساءل في نفسه أو مع غيره لماذا ندرس سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
وما الغاية المرجوة من دراستها وما المقصد من ذلك؟
وما هي المخرجات الكبرى التي نخرج بها عند دراستنا للسيرة النبوية الشريفة؟
ولماذا يا ترى توصف هذه السيرة بالشريفة والمطهرة والمباركة؟
وللإجابة عن هذه التساؤلات لا بد من كلمة تعريفية لماهية السيرة، وكلمة في حق من ندرس سيرته صلى الله عليه وسلم.
تعريف السيرة النبوية
(سير) السين والياء والراء أصل يدل على مضي وجريان، يقال: سار يسير سيراً، وذلك يكون ليلاً ونهاراً. والسيرة: الطريقة في الشيء، والسنة، لأنها تسير وتجري يقال: سارت وسرتها أنا. قال:
فلا تجزعَنْ من سنَّة أنتَ سِرْتَهٕا
فأوَّلُ راضٍ سُنَّةً منْ يَسِيرُهَا 1
والسيرة: هي الطريقة والحالة التي يكون عليها الإنسان وغيره، يقال: فلان له سيرة حسنة.
والسيرة: الهيئة، قال تعالى: سَنُعِيدُهَا سِيرَتَها الأولَى أي هيئتها.
واصطلاحا: “هي الترجمة المأثورة لحياة النبي صلى الله عليه وسلم. أو هي ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خِلقية أو خُلقية أو سيرة سواء كانت قبل البعثة أو بعدها.
“وإذا كانت السيرة في اللغة بمعنى الطريقة والسنة، فإنها يراد بها التعرف على حياة الرسول صلى الله عليه وسلم قرة العين وريحانة القلب، منذ ظهور الإرهاصات التي مهدت لرسالته، وما سبق مولده من ظواهر وأحداثٍ تلقي أضواءً رحمانيةً على طريقة الدعوة المحمدية، ثم مولده صلى الله عليه وسلم ونشأته حتى مبعثه، وما جاء بعد ذلك من دعوة الناس إلى الدين القيم، وما لقي صلى الله عليه وسلم في سبيل نشر هذا الدين من عنَتٍ ومعارضة، وما جرى بينه عليه الصلاة والسلام وبين من عارضه من صراع بالبيان والسنان، وذكر من استجاب له، حتى علت راية الحق، وأضاءت شعلة الإيمان” 2.
تاريخ التأليف في السيرة النبوية الشريفة
كان في مقدمة المؤلفين في السيرة النبوية أربعة:
1- عروة بن الزبير (المتوفي سنة ٩٣هـ) وكان فقيها محدثا عالما بالحديث معروفا بتدوينه العلم والحديث، أسلم وشهد الغزوات.
2- أبان بن عثمان بن عفان (المتوفي سنة ١٠٥ هـ) كان فقيها محدثا وقد كتب ما سمع من أخبار السيرة في مصنف.
3- وهب بن مُنبِّهْ (المتوفي سنة ١١٤ هـ) كان مؤرخا وكانت له معرفة بأخبار الأوائل، وأحوال الأمم السابقة، وقد أكثر من الإسرائيليات في مروياته.
4- شرحبيل بن سعد الخطمي المدني (المتوفي سنة ١٢٣هـ) كان عالما بالمغازي والبدريين.
وللأسف لم يصل إلينا من هذه شيء وبقي منها ما بقي محفوظا في صدور الرواة والرجال.
ثم جاء بعد هؤلاء طبقة أخرى عاشت في العصر الأموي اشتهر منها في كتابة السيرة النبوية ثلاثة:
1- عاصم بن عمر بن قتادة (المتوفي سنة ١٢٠ هـ) وهو عالم بالمغازي والسيرة، وقد أمره الخليفة عمر بن عبد العزيز أن يجلس في مسجد دمشق فيحدث الناس بالمغازي ومناقب الصحابة ففعل، وقد اعتمد ابن إسحاق والواقدي على مصنفاته.
2- محمد بن شهاب الزهري (المتوفي سنة ١٢٤ هـ) عالم محدث وهو أول من دوّن الحديث وقيل إن سيرته أول سيرة صنفت في الإسلام، وهي من أوثق السير وأفضلها وقد اعتمد ابن إسحاق عليها.
3- عبد الله بن أبي بكر الأنصاري (المتوفي سنة ١٢٥ هـ) وقد كان عالما محدثا ثبتا، نقلت عنه مرويات كثيرة اعتمدها ابن إسحاق وابن سعيد والطبري.
ثم جاء بعد هؤلاء طبقة أخرى عاشت في العصر العباسي الأول وكان أشهرهم أربعة:
1- موسى بن عقبة (المتوفي سنة ١٤١ هـ) كان عالما بالسيرة وقد صنف كتابا في المغازي، اعتمد عليه ابن سعيد والطبري في كتبهم ولم يصل كتابه إلينا.
2- محمد بن إسحاق المُطلبي (المتوفي سنة ١٥١ هـ) وهو من أصل فارسي، صنف كتابه “المغازي” بناء على طلب الخليفة المنصور، جمع فيه تاريخ الخليقة من آدم عليه السلام إلى زمنه، وقد أطال فيه فلم يرضه المنصور وأمره باختصاره فاختصره، وهو أول كتاب وصل إلينا.
وقد عرف من رواة سيرة ابن إسحاق راويان ثقتان:
الأول: يونس بكير (المتوفي سنة ١٩٩هـ).
والثاني: زياد بن عبد الله البكائي، وقد وصف بأنه أثبت الناس في سيرة ابن إسحاق.
وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب: أنه باع داره وخرج يدور مع ابن إسحاق حتى سمع منه الكتاب، وزياد هذا هو الذي أخذ عنه ابن هشام سيرة ابن إسحاق لأن ابن هشام لم يدرك ابن إسحاق.
3- معمر بن راشد (المتوفي سنة ١٥٠هـ) فقيه حافظ متقن صنف كتابا في المغازي ولكنه لم يصل إلينا ما خلا نقولا أوردها الواقدي وابن سعد.
4- محمد بن عمر الواقدي (المتوفي سنة ٢٠٧ هـ) وقد كان عالما بالمغازي واختلاف الناس وأحاديثهم، صنف كتاب المغازي ونهج فيه منهجا تاريخيا علميا جغرافيا، وقد كان هذا الكتاب الأساس الذي بنى عليه المؤلفون في السيرة كتبهم.
ثم جاء بعدهم طبقة أخرى من أشهرهم:
محمد عبد الملك بن هشام (المتوفي سنة ٢١٨ هـ) كان مؤرخا عالما بالسير والأنساب واللغة وأخبار العرب، روى لنا سيرة ابن إسحاق بعد أن هذبها، وحذف منها الكثير مما ليس فيه صلة بسيرته صلى الله عليه وسلم، فجاء على نحو مختلف تماما لما وضعه ابن إسحاق، لكن دون أن يغير منه كلمة واحدة، ولهذا فقد نسي ابن إسحاق، وذكر ابن هشام واشتهرت باسمه ولله في خلقه شؤون.
سيرة سيد الخلق
إننا عندما ندرس سيرة نبي ورسول اصطفاه الله تعالى وجعله خاتم رسله وأنبيائه وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، يكون لهذه السيرة معنى آخر من الإجلال والتعظيم.
إنك يا أخي بإزاء سيرة أطهر الناس وأجل الناس وأفضل الناس وأحكم وأحلم الناس بالاتفاق والإطباق. نبي هدى الله به الأمة وسدد به الملة وهزم به الشرك والكفر وأحيا به الحق وأنار به القلوب والأبصار وأرشد به الحيارى والغافلين.
نحن لسنا بصدد سيرة قائد أو مفكر أو فاعل في التاريخ، ولكننا أمام رسول جعله الله هداية ورحمة للعالمين؛ دعا إلى الله وأحيا القلوب والنفوس وبنى الأمة والدين.
إذن هي سيرة نبي وسيرة شريعة وملة وأمة، وسيرة جيل مؤمن نشأ وتربى وترعرع وصال وجال ودعا إلى الله تعالى .
قال تعالى: لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب، 21].
وقال تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [يوسف، 111].
لقد حكى الله سبحانه وتعالى لنا في كتابه سير وقصص كثير من الأنبياء والمرسلين، فمنهم من جاء ذكره تفصيلا كموسى ويوسف وإبراهيم ونوح وعيسى وداود وسليمان عليهم السلام. ومنهم من جاء ذكرهم إجمالا وذكرت بعض جوانب من سيرتهم للاعتبار والتذكر.
وجاءت سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم موزعة في كل القرآن الكريم فقد تناولها القرآن الكريم بالتفصيل والإجمال على حسب الوقائع والأحداث. فوصف الله حياته وعبادته وأخلاقه ومعاملته وحربه وسلمه وغزواته، وذكر خصومه وأعداءه وكل من جاوره.
ذكر القرآن توجيهاته التربوية والإيمانية لأصحابه ومن معه، وهكذا لم يستثن القرآن من سيرته شيئا إلا ذكره إما تفصيلا أو إجمالا أو إشارة وتلميحاً.
خصائص السيرة النبوية
تمتاز سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخصائص ومقاصد لا تجدها في غيرها وهي:
1- أنها صحيحة، وتعد أصح سيرة عرفتها البشرية حيث وصلت إلينا عبر القرآن الكريم وكذلك عبر الأحاديث النبوية الصحيحة والمنضبطة بقواعد الحديث فتنفي ما تعلق بها من المرويات الضعيفة والدخيلة والتي لا سند لها.
وكانت السيرة النبوية أرضية خصبة لتنزيل المنهج الحديثي في ضبط صحة الحديث والمرويات، ولأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته هما المفتاح الأول لفهم كتاب الله تعالى، وإن أي إخلال فيهما يضر بعملية الفهم.
ذكر الشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله تعالى مصادر السيرة في كتابه “فقه السيرة”:
أولا: كتاب الله تعالى.
ثانيا: كتب السنة النبوية.
ثالثا: الرواة الذين اهتموا بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وحياته عموما.
2- واضحة: حيث تناولت سيرته صلى الله عليه وسلم جميع مراحله من ولادته ونشأته وشبابه وزواجه وبعثته ودعوته وهجرته وجهاده إلى وفاته بشكل مفصل مؤرخ بتواريخ مضبوطة دون انقطاع أو غموض .
3- عملية وواقعية: هي سيرة عملية معاشة على أرض واقع ويمكن تحقيقها وليس فيها من الأساطير ما يمكن أن يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من إنسانيته، وإنما هو رسول دعا إلى الله وربى الرجال وحرر الإنسان من الاستعباد وحارب الظلم والاستكبار وبنى دولة الإسلام وحقق العدل ونصر المظلوم، فكل ذلك مارسه وأنزل تعاليم الله على أرض الواقع.
4- الشمولية: وهي شاملة تشمل جميع جوانب الحياة الإنسانية فردا وجماعة، فتشمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجانب الشخصي، وكذلك المجتمع على الجانب الجماعي.
“وقصارى القول: إن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم شاملة لجميع النواحي الإنسانية في المجتمع، مما يجعله القدوة الصالحة لكل داعية، وكل قائد، وكل أب، وكل زوج، وكل صديق، وكل مربي، وكل سياسي، وكل رئيس دولة، وهكذا.. ونحن لا نجد مثل هذا الشمول ولا قريبا منه فيما بقي لنا من سير الرسل السابقين ومؤسسي الديانات والفلاسفة المتقدمين والمتأخرين” 3.
5- الوسطيّة واليُسر، فقد جاء النبي عليه الصلاة والسلام بالإسلام الذي يدعو إلى الوسطيّة، واليُسر، والتّبشير وعدم التّنفير، والبُعد عن الغُلوّ والتطرُف، كقوله عليه الصلاة والسلام: (يَسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا، وبَشِّرُوا، ولا تُنَفِّرُوا) وقد كان يتمثّل هذا في حياته كلها. وسيرته العطرة كانت خير مثال وتجسيدا عمليا لهذا المبدأ وهذه الرحمة.
المقاصد الكبرى من السيرة النبوية
1- فهم ومعرفة شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال حياته ودعوته وجهاده وكل أحواله لنأخذ منها الدروس والعبر، وكلما عرفت عنه أكثر زدت أكثر من حبه والارتباط به.
2- السيرة النبوية هي النموذج العلمي العملي التطبيقي للقرآن الكريم وللشريعة الإسلامية، ومن خلال دراستك للسيرة تتعرف على الدين والإسلام كيف بدأ وكيف ترعرع وكيف اشتد عوده وقويت شوكته.
3- تقديم القدوة الحسنة والنموذج الكامل وهو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب، 21]. قال الإمام السعدي: “فالأسوة نوعان: أسوة حسنة، وأسوة سيئة. فالأسوة الحسنة، في الرسول صلى اللّه عليه وسلم، فإن المتأسِّي به، سالك الطريق الموصل إلى كرامة اللّه، وهو الصراط المستقيم. وأما الأسوة بغيره، إذا خالفه، فهو الأسوة السيئة، كقول الكفار حين دعتهم الرسل للتأسِّي بهم إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ.
وهذه الأسوة الحسنة، إنما يسلكها ويوفق لها، من كان يرجو اللّه واليوم الآخر، فإن ما معه من الإيمان، وخوف اللّه، ورجاء ثوابه، وخوف عقابه، يحثه على التأسي بالرسول صلى اللّه عليه وسلم.
4- الاطلاع على مآثر جيل الصحابة وكيف تحققت لهم السيادة والريادة، قال تعالى: مُحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ ۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَىٰهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنًا ۖ سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِى ٱلتَّوْرَىٰةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِى ٱلْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْـَٔهُۥ فَـَٔازَرَهُۥ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًۢا [الفتح، 29].
5- أن تتجمع لدى المسلم من خلال دراسته سيرته صلى الله عليه وسلم أكبر قدر من الثقافة والمعارف الإسلامية الصحيحة، سواء منها ما يتعلق بالعقيدة أو الأحكام أو الأخلاق؛ إذ لا ريب أن حياته عليه الصلاة والسلام صورة مجسدة نيرة لمجموع مبادئ الإسلام وأحكامه.
6- أن يكون لدى المعلم والداعية الإسلامي نموذج حي عن طرائق التربية والتعليم والتوجيه والترشيد في كل المجالات، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان قدوة علمية وعملية وتربوية ودعوية وجهادية.
أهداف السيرة النبوية الشريفة
1- معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم معرفة شاملة.
2- معرفة هديه عليه السلام في الأمور كلها.
3- أخذ الدروس والعبر من المواقف والأحداث التي وقعت له في حياته.
4- الوقوف على التطبيق العملي لتنزيل الشريعة ومعرفة أسباب النزول ودواعيه، والإجابات القرآنية على تساؤلات المسلمين أو مناكفات الأعداء.
5- التعرف على معجزاته صلى الله عليه وسلم وكراماته وما حباه الله من عطاء وما وهبه من قدر ورفعة.
6- معرفة الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقا وتربية ودعوة وجهادا.
7- الاستعانة بالسيرة في فهم القرآن الكريم والسنة المطهرة.
8- معرفة موقف الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم من التعامل مع الناس على اختلاف مشاربهم، وكيف تعامل مع المنافقين والأعراب واليهود والمشركين وغيرهم.
“السيرة النبوية الشريفة توضح للمسلم حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بدقائقها وتفاصيلها منذ ولادته وحتى وموته مرورا بطفولته ونشأته ودعوته وجهاده وانتصاره على عدوه، وتظهر أنه كان زوجا وأبا وقائدا ومحاربا وحاكما وسياسيا ومربيا وداعية وزاهدا وقاضيا” علي محمد الصلابي، السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث..
والسيرة النبوية مصدر من مصادر التشريع ومنهج لحياة كل مسلم، ولابد أن يدرك القارئ للسيرة أن أهميتها التربوية والتشريعية والاجتماعية والإدارية والسياسية لأنها تطبيق عملي لنصوص الوحي في كافة مناحي الحياة الإنسانية، وعليه أن يعي ذلك وعيا كاملا حتى يستخرج كنوزها ويستفيد من عبرها.
قال علي بن الحسن زين العابدين رضي الله عنه: “كنا نعلَّم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلَّم السورة من القرآن”.
وكان إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص يحفظ أبناءه مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعدها عليهم ويقول: “هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوا ذكرها”.
قال سفيان بن عيينة: “إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الميزان الأكبر فعليه تعرض الأشياء، على خُلُقه وسيرته وهديه، فما وافقها فهو الحق وما خالفها فهو الباطل.
قال الخطيب البغدادي في “الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع”: “تتعلق بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم أحكام كثيرة، فيجب كتابتها والحفظ لها”.
وقال ابن الجوزي: “رأيت الاشتغال بالفقه وسماع الحديث لا يكاد يكفي في صلاح القلب إلا أن يمزج بالرقائق والنظر في سيرة السلف الصالح، وأصلح سيرةٍ سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم”. وقال أيضا: “وأصل الأصول العلم، وأنفع العلوم النظر في سير الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال الله تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ (الأنعام: 90).
وكان الزهري يقول: “علم المغازي والسرايا علم الدنيا والآخرة”.
قال آرنولد توينبي الإنجليزي: “لقد أخذت سيرة الرسول العربي صلى الله عليه وسلم بألباب أتباعه وسمت
شخصيته لديهم إلى أعلى عليين؛ فآمنوا برسالته إيمانا جعلهم يتقبلون ما أوحي به إليه وأفعاله كما سجّلتها السُنة مصدراً للقانون، لا يقتصر على تنظيم حياة الجماعة الإسلامية وحدها، بل يرتب كذلك علاقات المسلمين الفاتحين برعاياهم غير المسلمين الذين كانوا في بداية الأمر يفوقونهم عددا”.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.