خطرات في موسم البركات

Cover Image for خطرات في موسم البركات
نشر بتاريخ

نعيش هذه الأيام أنوار الأشهر الحرم المباركة التي عظمها الله عز وجل وجعل من أنوارها الإلهية وعطاءاتها السنية موسم الحج الكريم، لا حرمنا الله من فضل أداء مناسكه والتجرد لله الكريم فيه وفي غيره من أيام الله تعالى.

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ؛ ليس أياما معلومات تبدأ من يوم التروية إلى اليوم الثاني عشر من ذي الحجة لمن تعجل، هو أشهر للاستعداد للقاء، ذاك اللقاء الذي يتجدد يوميا مع رب السماء عبر الوقوف بين يديه صلاة وتعبدا وتهجدا في كل بقاع أرضه. إلا أنه لقاء غير اللقاء، لقاء رب العباد والتجرد التام من أهواء النفس والملذات للوقوف بين يديه بخنوع وخضوع وخشوع وأدب وتعظيم لخلقه وسائر حرماته في بيته الكريم، في بكة التي جعلها الله قبلة ومثابة للناس وأمنا، لتنسلخ النفس من مشيمة الطباع اللئيمة وترتقي الروح في مدارج الرقي والمعرفة والرضوخ.

تلتقي البركات وتمتد ببركة دعاء أبينا ابراهيم عليه وعلى نبينا السلام الذي رجا ربه أن يجعل أفئدة الناس تهوي إلى البيت العتيق وتتشوق إلى احتضانه، حتى تهدأ الروح وتسكن الجوارح بنفحات عطر المكان وقدسيته وعبق أريجه.

تهوى الأفئدة ويزداد هيامها ويعلو الشوق ويشتد الحنين كلما اقترب الموعد وحلت الشهادة الكبرى لرب العباد لملائكته وضيوفه على صعيد عرفات: “اشهدوا أني قد غفرت لهم”. غفر الغفار وتاب وعفا على من آمن واهتدى ووقف بين يدي الله تعالى راجيا رحمته وخائفا عذابه. كيف يمكن أن يشك المخلوق في رحمة خالقه وعفوه؟ إنه أهل الكرم والرحمة، وأهل التقوى وأهل المغفرة.

وكيف يحلو المقام بعيدا عن حِب المحبوب وخليله، زيارة المقام الأعظم والروضة المشرفة حيث من كان سببا في كل خير وهداية وتقى. بأدب جم وسمت يليق بقدسية المكان وسكون وطمأنينة وغض للصوت. تسلك الباب وإن جعل بين الهائم وحبه الحواجز وإن علت الأصوات أن قد مات فلا تتبركوا ولا تدعوا في حضرته، تأبى القلوب الخانعة الخاشعة إلا أن تذوب عشقا وحبا فتصعد الروح وترقى عبر الحواجز الوهمية وعبر الزمان والمكان إلى صفاء معانقة المحبوب، وأي محبوب روحي له الفدا، فتذل له وتستغفر في حضرته عساها تكون من أهل القرب والقبول: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا.

أي جفاء عند من يعدونك بشرا وكفى. أنت بشر ولست ككل البشر، أنت المقرب، أنت المحبوب، أنت المصطفى.. حين نظر الله تعالى إلى القبائل اصطفاك من أحسنها، ونظر إلى القلوب فوجد قلبك أصفاها فبعثك رحمة للعالمين.

يا رسول الله، زادنا الله فيك حبا وقذف في قلوبنا فضل تعظيمك حتى تصير في قلوبنا أعظم حب، وحتى نعد من أحبابك وإخوانك، وحتى نلقى الله تعالى في حضرتك ومعيتك يقينا منا أن “المرء مع من أحب”.

فذلل اللهم لنا سبل هذا الفضل وسقنا إليه سوقا، بجودك وكرمك، فإنك تعلم أنا لا نرضى منك بسواه. يا رب جد بالعطاء فإنك له أهل، وانصر دينك وأعز المسلمين وأعتق رقابهم حتى لا تذل لسواك.