د. الدحمني: “صناعة الحرية” يُعدّ بحق لَبِنَة في اتجاه العناية بالرموز الوطنية والإسلامية

Cover Image for د. الدحمني: “صناعة الحرية” يُعدّ بحق لَبِنَة في اتجاه العناية بالرموز الوطنية والإسلامية
نشر بتاريخ

لفت الدكتور عبد القادر الدحمني الروائي المغربي إلى أن عنوان الكتاب الذي تناولته ندوة اليوم 07 يناير 2022 “صناعة الحرية: في التجربة السجنية للأستاذ عبد السلام ياسين”، يستحق أن يكون عنوانا لهذه المرحلة بامتياز، لأنه عنوان للنضال المستميت “من أجل صناعة الحرية في هذا البلد الأمين، ما دام السجن أيضا والقمع هو الجواب الوحيد الذي يقدمه النظام إزاء توق الشعب إلى الحرية”.

وأشار إلى أن المؤلف اعتمد في مقاربته للتجربة السجنية مدخلا زمنيا ذا بعد كرونولوجي واضح، حيث رصد سياق الاعتقالات وقدّم قراءات تشخيصية للأوضاع العامة قبيل كل اعتقال، بالإضافة إلى السياق الخاص بكل اعتقال، وهو ما جعله يقسم الكتاب تبعا لفترات الاعتقال، الفترة الأولى تتعلق بالسجن على خلفية رسالة “الإسلام أو الطوفان”، والثانية، تتعلق بالسجن عقب رسالة “قول وفعل: رسالة القرن الملكية في ميزان الإسلام”، والثالثة تتعلق بما اشتهر باسم الحصار أو الإقامة الجبرية، وهي نوع سجني أيضا، له خصوصياته، خاصة وأنه جرى خارج أي قرار قضائي، بينما اختار موضوع التأليف داخل السجن لتكون فصلا أيضا، تلاه فصل بمجمل الملاحق والوثائق التي تعزز وتوثق الأحداث والوقائع التي أثارها في الكتاب

ورأى الدحمني في مداخلته بخصوص الكتاب، أن الكاتب عانى من تحدي تعدد أهداف الكتاب ومواضيعه، التي تستدعي كل واحدة منها، مقاربة خاصة، ومسلكا منسجما، ورغم ذلك فقد قرر ركوب التحدي وعمل على “إدماج كل تلك القضايا في مخطوط قد يفيد المؤرخ الذي تهمه أحداث المرحلة ودروسها، والباحث في سير العلماء والأعلام ومكانتهم في التاريخ، والسياسي الذي ينتصر لمبادئ الحق والعدالة، والحقوقي الذي يرابط في ثغر الدفاع عن كرامة الإنسان، والمناضل الذي يطلب قدوة لنضاله وتجلده، والمؤمن التقي الذي لا يبيع الدين بالتين، والمثقف النزيه الذي حيّرته مطامع الناس وألجمته مقامع السلطان، والقارئ الهاوي أيضا الذي تهمه النوادر بلا زيادات” كما ذكر صاحب الكتاب.

وذكر الدحمني تحديا آخر واجه الكاتب إضافة إلى تحديد هوية كتابه وتبيان نوعه، “وهو التحدي الأبرز الذي تعاني منه مختلف المقاربات خاصة في العلوم الإنسانية، ألا وهو تحدي الموضوعية، أين تقف الذات وأين يبدأ الموضوع”. وهنا قرر الفراك أن يذهب مع مواضيع الكتاب، مع ما قد يعاب عليه أحيانا شخصيته الإسلامية الفذة بشكل قوي، ولكن صعب جدا أن تبقى محايدا في هذا الأمر، وخاصة إذا كان الرجل محاصرا حتى بعد وفاته، وما زال فكره ودعوته وحركته محاصرة.

وأشار المتحدث إلى عدد من الملاحظات بشأن المنهج الذي اعتمده المؤلف في الكتابة، مؤكدا حضور النفس التوثيقي، فيما يشبه هاجس التأريخ، لكنه تأريخ ينفتح على فتح الأحداث على قراءات متعددة أحيانا، وجهد واضح للربط واستجماع الصورة الكاملة عبر آليتي التركيب والتفكيك، بحيث ظهر المؤلف أحيانا وكأنه بصدد التعاطي مع موضوع من مواضيع صحافة التحقيق.

وإلى جانب ذلك فالكتاب كتب بنفس بيداغوجي، يقول المتحدث، ثم يضيف، “وكان هاجس التلقي واضحا وحرص صاحبه على تقديم المعلومات منتظمة وفق منهجية سلسة يسهل وصولها إلى المتلقي”.

وتناول الدحمني مفهوم صناعة الحرية في حد ذاته، معتبرا أنه يتجاوز مجرد نضال مرير خاضه الإمام رحمه الله ضد الاستبداد وضد الحكم الفردي الوراثي، بغية تحقيق حريته الشخصية في التعبير والرأي، ويتجاوز أيضا أهدافا فئوية اقتصادية أو سياسية ظرفية لطائفة من الناس، يمكن توقيف المسيرة النضالية جراء تحقق بعضها مثلا، أو مجرد تلقي وعودا بذلك، كما حصل للكثيرين. مشددا على أنه رحمه الله جعل من سجنه سبيلا للحرية، وطلب بسجنه حرية الدعوة والأمة، كما ذكر صاحب الكتاب: “لقد كان سجنه رحمه الله صناعة حقيقية للحرية، ولم يكن السعي إلى تلك الحرية، طلبا للتحرر الفردي والخلاص الشخصي فقط، بل سلك بسجنه منهاجا يُعلم الأمة أن السجن ليس إلا تمحيصا لصدق الصادقين، ولحاملي لواء الحرية للناس أجمعين”.

ويرى الدحمني أن الكتاب فتح عددا من النوافذ على مجموعة من الموضوعات التي تستحق البحث، في إطار أكاديمي، أو في إطار سياسي وصحافي، منها مثلا “تحقيق عن محاولات الحوار بين المخزن والجماعة وأهم رهاناته وأهدافه وسياقاته، وأسباب فشله”، و”دراسات عن التقاطعات بين الفكر المنهاجي الذي أثّله الإمام عبد السلام ياسين وسائر أفكار الرموز الفكرية والوطنية المغربية”، من أمثال محمد عابد الجابري، عبد الوهاب المسيري، طه عبد الرحمن، عبد الله العروي، وغيرهم. وكذلك دور اجتهادات الإمام عبد السلام ياسين وحركيته في ترشيد الحركة الإسلامية وتعميق مشروعها نظريا وتجذيره عمليا.

وخلص الدحمني إلى أن الكتاب “يعد بحق لَبِنَة في اتجاه العناية بالرموز الوطنية والإسلامية، وتسليط الأضواء على مسارات التحرر في هذا البلد، والتفكير في المناطق المعتمة من تاريخنا الوطني، وإعادة الاعتبار للمهمش والمقصي والمحاصر، وتصحيح الرؤية إزاء جزء أصيل من تاريخنا الذي بُذلت جهود كبيرة لتحريفه وتزييفه وإبراز الصنائع الشائهة والدمى التافهة عوض الأركان المكينة والأصول المتينة أفكارا ورجالا ونساءً وجهودا ومواقف وخطى وآثار”.