في هذا الحوار يحدثنا الدكتور المهدي اليونسي، باحث في العلوم الشرعية، عن العشر الأواخر؛ فضلها والأعمال المستحبة فيها.. وليلة القدر وعلاماتها ووقتها، والاعتكاف ومشروعيته وأعماله وآدابه.
هذه العشر الأواخر من شهر رمضان الفضيل، هل لها من فضل على بقية أيام رمضان المبارك؟ وما فضل ليلة القدر؟
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه وحزبه، تقبل الله منا جميعا الصيام والقيام وختم لنا رمضان بالمغفرة والرحمة والعتق من النار، فيما يخص السؤال، فقد روى الطبراني في الأوسط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إِنَّ لِرَبِّكُمْ عزَّ وجلَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا”؛ هذه النفحات هي ساعات استثنائية في أيام استثنائية يجب التعامل معها باستعدادات استثنائية أيضا، فقد فضل الله عز وجل رمضان على سائر الأشهر وفضل العشر الأواخر على غيرها، وجعل ليلة القدر خيرا من ألف شهر، هذه الخيرية ترجمها النبي صلى الله عليه وسلم عمليا وسلوكيا، فقد كان رمضان عنده شهر القرآن والإيمان، شهر الصيام والقيام، والجود والكرم، لكن إذا دخلت العشر الأواخر شمر صلى الله عليه وسلم عن ساعد الجد والاجتهاد، ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: “كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ”، فإن كان شد المئزر كناية عن اعتزال النساء، ففيه أيضا لمّة لجوارح الجسد وباطنه للتوجه نحو هذه العشر للتفيؤ من خيرها وثوابها، وإحياء الليل، التماسا لفضل ليلة القدر التي جعل الله فضلها أثقل من ثلاث وثمانين سنة ونيف من العبادة، فلو وفقك الله لأن تشهدها فاعلم أنك فزت بصفقة مربحة مع الله، قد تموت ولا زال ربحها يأتيك، خصوصا إذا شهدت ليلتي قدر أو ثلاث أو أكثر، وإيقاظ الأهل دليل على رحمته صلى الله عليه وسلم بأن يشمل فضل هذه العشر أهله، وهي تذكير لنا ولأمته صلى الله عليه وسلم بالاستعداد جميعا لهذه العطايا والمنن.
ما هي الأعمال المستحبة في هذه الأيام العظيمة؟
ما دام الإنسان صائما في هذه العشر الأواخر فليزكي صيامه بصيام الجوارح أيضا، فتصوم عيناه عن الملذات، وينقطع لسانه لذكر الله، وينصرف سمعه لتراتيل القراء، وتجود يداه بالكرم، فقد كان صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان، ويلهج لسانه وقلبه بالدعاء تضرعا وخفية وخاصة في ليلة القدر، فعندما سألت السيدة عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم عما تقول في ليلة القدر، قال لها: “قولي اللهم إنك عفوٌ كريمٌ تُحبُ العفوَ فاعفُ عني”، وفي هذا الدعاء إشارة ضمنية إلى كل الناس للعفو عن الناس ومسح القلوب من كل حقد وحسد تقربا إلى الله تعالى وتشربا لصفة العفو التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم لازمة ليلة القدر.
كما يجب جعل قراءة القرآن ديدن هذه العشر، فلم يشرف شهر رمضان بين الشهور، إلا لشرف نزول القرآن فيه، ولم تشرف ليلة القدر بين الليالي إلا لشرف نزول القرآن فيها.
هل لكم أستاذ المهدي أن تطلعونا على بعض أحوال الصحابة وصالحي الأمة في هذه العشر، تحفيزا للهمم وشحذا للعزائم؟
عن عائشة رضي الله عنها تقول: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها”، وقد كان فهم الصحابة أيضا ومن تبعهم للسنة القولية والعملية للرسول صلى الله عليه وسلم عاليا، إذ كانوا يجعلون من رمضان موسما للطاعات والخيرات، وكانوا يعطون للعشر الأواخر حقها من التبتل والتعبد والاجتهاد، فقد كانت أمنا عائشة رضي الله عنها فيما روى الترمذي تسأل النبي صلى الله عليه وسلم قائلة: يا رسولَ الله، أرأيت إن علمْتُ أي ليلةٍ هيَ ليلة القدر، ما أقولُ فيها؟ قال: “قولي: اللهمَّ إنَّك عفوٌّ تُحبُّ العفو فاعفُ عنِّي”، وكان سيدنا عمر رضي الله عنه يصلِّي من اللَّيل ما شاء الله، حتَّى إذا كان نصف اللَّيل، أيْقظ أهله للصلاة، ثم يقول لهم: الصَّلاةَ الصَّلاة، ويتلو: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى، وقد كان للصالحين من سلف الأمة أحوال أخرى مع هذه العشر ، فقد ذكر الطبري أنهم كانوا يغتسلون في كل ليلة من لياليها، فكان يفعل ذلك أيوب السختياني، وكان يفعله الإمام مالك، فيما يرجح عنده أنه ليلة القدر، فيغتسل ويتطيب ويلبس حلة لا يلبسها إلى العام القادم من شهر رمضان.
دأب المغاربة على إفراد ليلة السابع والعشرين من رمضان بمزيد من القيام والدعاء، ترجيحا لفرضية أنها تصادف ليلة القدر، ما قول الشرع في ذلك؟ وما الحكمة من إخفائها؟ وما هي علاماتها؟
أولا ينشرح صدرك ولله الحمد وأنت تتجول في مساجد المغرب، فترى هذا الإقبال على الله تعالى، فتعلم أن هذا الدين وطِن حبه في قلوب المغاربة، والأمر كذلك عند جموع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، أما فيما يخص ليلة القدر وتخصيصها بليلة واحدة، وهي ليلة السابع والعشرين شيوعا، فقد اختلف العلماء في ذلك على أقوال كثيرة حتى أوصلها ابن حجر رحمه الله إلى أكثر من أربعين قولاً، والذين خصصوها بليلة السابع والعشرين فقد بنوا رأيهم على قول بعض الصحابة، فقد روى مسلم، وأحمد، وأبو داود، والترمذي – وصححه عن أبي بن كعب أنه قال: “والله الذي لا إله إلا هو، إنها لفي رمضان – يحلف ما يستثني – ووالله إني لأعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها، هي ليلة سبع وعشرين، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء، لا شعاع لها”. لكن يظهر والله أعلم أن أقرب الأقوال للصواب أنها في وتر العشر الأخير من رمضان. فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ” متفق عليه واللفظ للبخاري.
وقد بوب البخاري للحديث بـ: “باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر”. والحكمة من إخفائها هي تنشيط المسلم لبذل الجهد في العبادة والدعاء والذكر في العشر الأخير كلها، وهي الحكمة ذاتها في عدم تحديد ساعة الإجابة يوم الجمعة، المقصود بالصلاة الوسطى من الصلوات الخمس.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري 4/260 وما بعدها: قوله – أي: الإمام البخاري -: “باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر”: في هذه الترجمة إشارة إلى رجحان كون ليلة القدر منحصرة في رمضان، ثم في العشر الأخير منه، ثم في أوتاره، لا في ليلة منه بعينها، وهذا هو الذي يدل عليه مجموع الأخبار الواردة فيها.. قال أيضاً: قال العلماء: الحكمة من إخفاء ليلة القدر ليحصل الاجتهاد في التماسها بخلاف ما لو عينت لها ليلة لاقتصر عليها، كما تقدم نحوه في ساعة الجمعة”.
وعليه، فلا يمكن لأحدٍ أن يجزم بليلة بعينها أنها ليلة القدر، وخاصة إذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يخبر أمته بها ثم أخبرهم أن الله تعالى رفع العلم بها. فقد روى البخاري عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلاحَى رَجُلانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: “إِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَإِنَّهُ تَلاحَى فُلانٌ وَفُلانٌ فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ”.
وفي ليلتها إشارات في معرفتها للمتعلقة قلوبهم بها، فقد روى الشيخان وغيرهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله كان يعتكف في العشر الأواسط من رمضان، فاعتكف عاماً، حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين (وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه)، قال: “من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، فقد أُرِيت هذه الليلة، ثم أُنسيتها، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر”. فمطرت السماء تلك الليلة، وكان المسجد على عريش، فوكف المسجد، فبصُرت عيناي رسول الله على جبهته أثر الماء والطين، من صبح إحدى وعشرين!
وفي رواية عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجالاً من أصحاب النبي أُرُوا ليلة القدر في المنام، في السبع الأواخر، فقال رسول الله: “أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحرّيها فليتحرّها في السبع الأواخر” وتعددت الروايات في ذلك.
وروى ابن خزيمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ليلة القدر ليلة طلقة لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة”. وروى ابن حبان أيضا حديثا لرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيه: “إني كنت أُريت ليلة القدر ثم نسيتها، وهي في العشر الأواخر، وهي طلقة بلجة لا حارة ولا باردة، كأن فيها قمرًا يفضح كواكبها، لا يخرج شيطانها حتى يخرج فجرها”.
يظهر مما سلف أن لليلة القدر علامات؛ منها الرؤيا، والغيث، واعتدال درجة الحرارة.. لكن جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الاعتكاف وإحياء ليالي العشر الأواخر طريقا أشمل وأصوب إليها..
على ذكر الاعتكاف الذي يجنح إليه كثير من المسلمين، ما هو الاعتكاف؟ وما مشروعيته؟
الاعتكاف لغة هو: لزوم الشيء وحبس النفس عليه، ومنه قوله تعالى: مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ، وشرعا هو “المقام في المسجد لطاعة الله تعالى على صفة مخصوصة”، وهو قربة وطاعة، قال الله تعالى: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود، وقال تعالى: ولَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون، وهو سنَّةٌ مؤكدة، لحديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده، ولحديث ابن عمر أيضا رضي الله عنهما في صحيح مسلم، قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان، قال نافع: وقد أراني عبد الله رضي الله عنه المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد”.
هل يشترط أن يكون في المساجد؟
الأصل في الاعتكاف أن يكون في المسجد، لسنته صلى الله عليه وسلم في ذلك كما ذكر آنفا، لكن ابتليت المساجد في مغربنا بالإدارية في وظائفها، فلم تعد صالحة إلا للصلوات، وفي وقتها المحدد، علما أن المساجد لله، جُعلت ليذكر فيها اسمه صلاة وتسبيحا واعتكافا وتلاوة لكتاب الله ومدارسة له، في كل الأوقات والمواسم، يعلق أهل الله أصحاب التفسير الإشاري، على قوله تعالى: ومن اظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أن المقصود بمساجد الله هي القلوب، والقلوب لا تحدها الجدر ولا الأسقف، وإذا اجتمعت هذه القلوب على الله في مساكننا تحولت هذه المساكن إلى بيوت لله، ريثما يرفع الله حظر ومنع البشر مساجده من وظائفها.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على الاعتكاف في هذه العشر . ما السر في ذلك؟
إن الاعتكاف هو قطع العلائق عن كل الخلائق للاتصال بخدمة الخالق، لذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف عظمة مواسم الخيرات فيعترضها، أداء لواجب شكر ربه؛ “أفلا أكون عبدا شكورا؟”، والتماسا لليلة القدر التي تفضل العبادة فيها ألف شهر، وتعليما لنا لكي نُقبل على الله، ونستكثر من خيرات هذه الأيام استنانا به عليه الصلاة والسلام.
هل يصح أن يعتكف المسلم أقل من عشرة أيام، أم أن هذه المدة ملزمة؟
اختلف العلماء في مدة الاعتكاف .فذهب جمهور العلماء إلى أن أقله لحظة، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد، وَأَمَّا أَقَلُّ الاعْتِكَافِ فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لُبْثٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ الْكَثِيرُ مِنْهُ وَالْقَلِيلُ حَتَّى سَاعَةٍ أَوْ لَحْظَة، واستدلوا على هذا بعدة أدلة، منها أن الاعتكاف في اللغة هو الإقامة، وهذا يصدق على المدة الطويلة والقصيرة، ولم يرد في الشرع ما يحدده بمدة معينة .قال ابن حزم في المحلى: “والاعتكاف في لغة العرب الإقامة.. فكل إقامة في مسجد لله تعالى بنية التقرب إليه اعتكاف.. مما قل من الأزمان أو كثر، إذ لم يخص القرآن والسنة عدداً من عدد، ووقتاً من وقت”، وذهب بعض العلماء إلى أن أقل مدته يوم وهو رواية عن أبي حنيفة وقال به بعض المالكية.
وما دامت ليلة القدر موجودة في أوتار العشر، يُستحب والله أعلم أن يشمل الاعتكاف كل العشر الأواخر التماسا لبركتها واستكثارا للقيام والاستغفار والتهجد، احتسابا لله سبحانه.
ما هي آداب الاعتكاف؟
– أولا يجب استحضار النية الصالحة، واحتساب الأجر على الله.
– إدراك قيمة الحكمة من الاعتكاف، وهي الانقطاع للعبادة.
– عدم خروج المعتكف إلا للحاجة الضرورية.
– الحرص على الاستيقاظ من النوم قبل كل صلاة بوقت كافٍ، لأداء نوافلها ورواتبها.
– الإكثار من تلاوة القرآن الكريم وتدبر معانيه.
– الإكثار من ذكر الله تسبيحا وتهليلا واستغفارا.
– الإكثار من الصلاة على نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم. واللهج بالدعاء لكل ما ينفعك دنيا وأخرى، والإلحاح على الله نصرة للمستضعفين في الأرض وانتقاما من الظالمين.
– ألا يتحقق من هذا الاعتكاف ضياع لحقوق واجبة.
يخرج المرء من الاعتكاف وقد تبدلت أحواله، وتوهج إيمانه، فكيف يحافظ على قلبه نقيا طريا كما خرج بحيث لا تفسده حمأة حركة الحياة؟
الاعتكاف هو عبادة في حد ذاته وهو لما بعده أيضا، فالمتزود بالطاقة في مكانها يستنير منها، ويملأ مخازنه، لمجاراة طريق مخالطة مشاغل الدنيا وأهلها، ومعلوم أَنَّ الإيمان يزيد وينقص، ويضعف ويضمحل إذا عَرَّضَ الْعَبْدُ قلبه بالانشغال على الدوام بالدنيا وأهلها، لذا بَيَّنَ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أَنَّ أحب البقاع إلى الله المساجد وأبغضها الأسواق، وما ذلك إلا لِأَنَّ المساجد بيوت الطاعات، ومحل نزول الرحمات، والأسواق محل الغش والخداع والأيمان الكاذبة و خُلْف الوعد وغير ذلك مما في معناه.
ويجب علينا، ونحن حملة مشروع الدعوة إلى الله، أن نكون مزودين بنور الإيمان والصلاح والذكر الصادق لتُفتح لنا مغالق قلوب الناس، فيجب أن نتمثل يوم المؤمن وليلته قولا وسلوكا، وغشيان مجالس المؤمنين من مجالس تعليمية وتربوية ومجالس النصيحة، والمداومة على أداء الفرائض في وقتها وفي المسجد، وسنبقى بعد رمضان إن شاء الله مع نفحات عطرة من الأيام المباركة، فعيد الفطر مناسبة لترسيخ صلة الرحم المقطوعة بالخصوص والفرح مع الأهل والولدان، وبعدها الست من شوال، وبعدها العشر المباركة من ذي الحجة، وهكذا دواليك، فكل محطة تزود بالوقود الإيماني لمخالطة الناس والصبر على أذاهم حتى تصل إلى المحطات الإيمانية الأخر. فنسأل الله تعالى أن نخرج من رمضان وقد غفر الله ذنوبنا ومسح سيئاتنا، ورحم من افتقدناهم تحت التراب، وينصر المستضعفين من عباده في كل مكان، وبارك الله فيكم وفي هذا الموقع المبارك.