لفت الدكتور محمد بن مسعود، الكاتب العام للقطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان، إلى أن دائرة الاحتجاج تتسع وتتطور لتشمل عددا مهما من القطاعات المهنية (التعليم العالي – التعليم – الجماعات الترابية – مهنيي النقل الطرقي والمحامون …). وتنبأ أن اللائحة مرشحة لتتسع أكثر، وأنها قد تتسع على المستوى الجغرافي لتشمل عددا من المناطق بغض النظر عن المهن.
وأرجع عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية للجماعة، في تصريح خص به بوابة الجماعة الإعلامية، سبب هذا التطور في وتيرة الاحتجاج إلى أمرين:
الأول عام مرتبط بانعكاسات الوضع الاقتصادي العام دوليا، حيث اعتبر أنه بعد تلقي النظام النيولبرالي ضربات قاسية إبان كورونا وما بعدها، واليوم تحت كلكل الحرب الروسية الأوكرانية، فإن هذه الأحداث العالمية الكبرى قد كشفت عن جشع الرأسمال ونهمه البشع لاستغلال كل الإمكانات المادية وقوة العمل البشرية واستثمار الفرص المتاحة حتى القاسي منها بشكل قبيح، لمراكمة الثروات في يد القلة على حساب آلام الطبقات الهشة وفقرهم وعوزهم وحاجياتهم في غياب تام لمبدأ العدل في تقسيم الثروة من أجل مزيد من التعبئة لإعادة إنتاجها من جديد بشكل مستدام. فكانت النتيجة، وفق بنمسعود، ارتفاعا مهولا في أسعار كل المواد، وارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، بشكل ارتفعت معه معدلات الفقر (في المغرب زاد عدد الفقراء بثلاثة (3) ملايين شخص)، ناهيك عن الركود الاقتصادي الذي يضرب بقوة، والذي يتسبب في إغلاق العديد من الشركات والمقاولات هنا وهناك. والوضع مرشح للتفاقم في سنة 2023.
وبخصوص انعكاس هذه الأوضاع العالمية على بلدنا، يقول المتحدث: المغرب جزء من هذا العالم القرية، لكن ما يزيدنا تأثرا هو ارتهاننا السلبي إلى توصيات وإملاءات المؤسسات المالية الدولية بسبب الارتفاع غير المقبول للمديونية، التي تلتهم ناتجنا الداخلي الخام، وتفقدنا السيادة على خياراتنا الاقتصادية والاجتماعية، وتفرض علينا الانصياع لتوصيات تخفيض الإنفاق العمومي على القطاعات الاجتماعية، وتقليصه إلى حد حذف صندوق المقاصة، وتقليص كتلة الأجور، و”تنويع” أنماط التشغيل لضرب الاستقرار المهني، وتسريع عملية الخصخصة، وفتح المجال للرأسمال الأجنبي للاستثمار في القطاعات الاجتماعية والحيوية… مقابل تخفيض الضرائب على الشركات الكبرى… ليخلص إلى أنه: للأسف المغرب تلميذ نجيب لهذه الإملاءات الاستكبارية القاسية، وهو وفيٌّ لهذا النهج منذ عقود من الزمن.
الشق الثاني من أسباب تطور وتيرة الاحتجاج، والذي يعده بن مسعود “الأهم”، هو فشل الدولة في توطين تنمية حقيقية قادرة على تطوير واستثمار القدرات التي تزخر بها بلدنا، فشل في تحقيق الإقلاع الاقتصادي، وتحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص للاستفادة من الخدمات العمومية وتطويرها، وفشل في تحرير رقبتنا من قيود الخارج، وهذا الفشل تلمسه في نسبة النمو الضئيلة، وفي القيمة الضعيفة للناتج الخام، وفي ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، وارتفاع المديونية وخدمتها، ولكن تلمسه بشكل أفظع في تجميد الأجور، وارتفاع نسبة الفقر، وتردي التعليم والصحة، وضرب الحريات النقابية في أفق إعدامها، وقمع المطالبين بحقهم، والمعارضين والصحفيين والنشطاء، عوض إيجاد حلول لمشاكل الناس، وحل الملفات العالقة في بعض القطاعات، والتي عمّرت أكثر من أربعة عقود بسبب تعنت الحكومات وتصلبها. يوضح الناشط النقابي.
ويعد أستاذ التعليم العالي هذين السببين بشكل عام المحرك الرئيس للاحتجاجات الاجتماعية، والتي تأخذ اليوم شكل إضرابات ومسيرات واعتصامات حول مطالب عادلة ومشروعة؛ منها الزيادة في الأجور، ومنها إصلاح الأنظمة الأساسية وقوانين ممارسة المهن بمقاربة تشاركية، وخلفها التسوية المادية والمهنية لوضعية فئات من الموظفين ضحايا السياسات الفاشلة للدولة سواء في قطاع التعليم والتعليم العالي والصحة والجماعات الترابية والمهندسين… أو مستخدمي بعض القطاعات شبه العمومية، أو مهنيي النقل لاسيما الطرقي منه.
ويفسر متأسفا سبب قوله بأن الوضع مرشح للتفاقم، بكون النموذج التنموي الجديد اصطدم في أول امتحان له بصخرة التمويل المفقود، والحكومة تتفرج بشكل سلبي أمام ملف المحروقات عوض التحرك لوقف النزيف بإعادة تشغيل “سمير”، وتسقيف الأسعار، وزيادة مخصصات المقاصة، وتفعيل حقيقي لمجلس المنافسة، وإعمال آلية الرصد والمراقبة لحماية المستهلك. ويردف: ثم إن مشروع ميزانية 2023 يعمق مشكل العدالة الضريبية، ويرفض الزيادة في الأجور وتحسين الدخل، بالمقابل الحكومة تسعى إلى تمرير إصلاحات قاسية لأنظمة التقاعد، بشكل يضر بالموظفين وعموم الأجراء، ومعه تعمل الحكومة على تمرير مشروعي قانوني الإضراب والنقابة لمزيد من التضييق والتكبيل للحريات النقابية، في مخالفة كاملة لشعارات الحوار الاجتماعي والميثاق الاجتماعي والمقاربة التشاركية وهلم جرا.
ويشدد الكاتب العام للقطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان في ختام تصريحه على أن الفاعل السياسي والنقابي والحقوقي والاجتماعي، يتحمل جزءا من المسؤولية باستبعاده العمل النضالي الوحدوي الجامع في إطار جبهة اجتماعية موسعة ومناضلة، قادرة على تعبئة كل الطاقات النضالية التي تزخر بها البلد بعيدا عن الحسابات السياسوية والإيديولوجية الضيقة. فهذه الآلية الوحدوية المفقودة، في رأي بن مسعود، من شأنها أن توحد الصفوف، وتقوي الحراكات المشتتة، وترفع سقف الممكن، وترفع نسبة التعبئة الجماهيرية، وترجح موازين القوى لصالح الطبقات المهضومة وحقوقهم العادلة. ونحن في القطاع النقابي للعدل والإحسان ما فتئنا ندعو، ونعيد في كل مرة، إلى الإسراع بتشكيل هذه الجبهة الاجتماعية المناضلة.