قال الدكتور رشدي بويبري، المتخصص في الفلسفة والتواصل وتحليل الخطاب، بأن مسار الصراع بين المشروع الصهيوني المدعوم غربياً وبين الشعوب العربية والإسلامية وعلى رأسها الشعب الفلسطيني، ورغم التفوق العسكري والسياسي للكيان الصهيوني، يكشف عن “اختلالات متزايدة في بنية المشروع، مقابل تراكم مهم في الخبرات النضالية للشعوب”.
وفي ندوة “طوفان الأقصى والخطر الصهيوني.. التداعيات الإقليمية والتحولات العالمية”، التي نظمتها جماعة العدل والإحسان اليوم الأحد بمناسبة الذكرى الثالثة عشرة لرحيل الإمام المجدد عبد السلام ياسين، شدد بويبري على أن مواجهة المشروع الصهيوني ليست مسؤولية الفلسطينيين وحدهم، بل هي مسؤولية عربية وإسلامية وإنسانية. مؤكدا أن النجاح في هذه المواجهة يتطلب عملاً استراتيجياً طويل الأمد، يجمع بين عدد من المداخل في إطار ما أسماها “الاستراتيجية الشاملة” التي تتفوق على “الاستراتيجية الصهيونية التي تعتمد على “تفتيت الخصم””، منبها إلى أن القوة الحقيقية تكمن في الوحدة، والمعرفة، والإرادة، والعمل المنظم.

وفي مداخلته التي قسمها إلى عدد من المحاور الرئيسة، نوه عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان إلى التراكم المهم الذي حققته الأمة، على اختلاف تجاربها واستراتيجياتها في مواجهة المشروع الصهيوني، والذي حصل علة مستوى الخبرة وتنوع وسائل النضال ومجالاته. مذكرا بتطورت المقاومة الفلسطينية عبر تاريخها الطويل من أشكال كفاحية متنوعة، بدءاً من المقاومة الشعبية السلمية ووصولاً إلى الجهاد المسلح، مروراً بالمقاومة الثقافية والدبلوماسية. واعتبر أن المشروع الشيطاني لو كان يستمد قوته من ذاته وإمكاناته لانهار منذ زمان، لكنه “يستند إلى تحالف استكباري غربي أساسا وعالمي بالتبعية، وتواطؤ خفي وصريح من الاستبداد المحلي ونخبه، مما يجعل الحبل السري من الإمكانات التي يوفرونها له تضمن استمراره في بث شره وأذية الإنسانية بمخططاته”.
وبعد أن تطرق إلى “علو الصهاينة وطموح السيطرة على العالم” خاصة في مرحلة ما قبل طوفان الأقصى، مستدعيا قول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: ” تطمح الصهيونية العالمية إلى احتلال العالم احتلالا معنويا وحكمه وإملاء الإرادة الصهيونية عليه”، وقف مليّا عند معالم اندحار المشروع الصهيوني بين ثنائية وصفها بـ”الشاهد التاريخي وشواهد الحاضر”؛ ومن تلك المعالم ذكر بويبري انكشاف الأسس الأخلاقية للكيان الصهيوني خاصة “سردية الضحية التاريخية”، وكذا “سردية الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، المحاطة بالأعداء”، إضافة إلى “أزمة الشرعية الدولية المتزايدة” من خلال تصويت غالبية دول العالم لصالح الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة وتقارير مؤسسات حقوق الإنسان الدولية التي تتهم الكيان بسياسات الفصل العنصري.

وضمن ذات السياق، استدعى عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية للجماعة الصمود الفلسطيني الديموغرافي والثقافي، وتحديات تدبير الصراع الداخلي المتمثلة في تصاعد الانقسامات المجتمعية العميقة داخل المجتمع الإسرائيلي، وتآكل الولاء الأيديولوجي والقيمي وتصاعد الهجرة المعاكسة من “إسرائيل” إلى أوروبا وأمريكا الشمالية وتراجع الهجرة اليهودية إلى فلسطين مقارنة بالسنوات السابقة، وتغير المواقف الإقليمية والدولية، وفشل الحل العسكري والأمني، ناهيك عن شواهد كثيرة لتغير المزاج الشعبي والشبابي بالخصوص في المجتمعات الغربية تجاه الصهاينة.
وفي معرض تحليله لفعل الأمة ومكوناتها في مواجهة خطر الصهيونية، وقف عند بعض التحديات التي ما تزال قائمة ومنها: مشكلة التعبئة العامة والدائمة لجمهور الأمة وأبناء الحركات المناهضة للصهيونية “وهذا المشكل ظهر بشكل واضح خلال السنتين الأخيرتين”، ومشكلة الوعي الاستراتيجي بالترابط بين تحرير البلدان من الاستبداد والفساد والتحرر من الاختراق الصهيوني وتحرير فلسطين، ومشكلة ضعف التعبئة لخطاب الوحدة “فالأمة في مرحلتها الحساسة الحالية بحاجة ماسة للتعبئة لخطاب الوحدة الإسلامية وتجنب الانخراط ولو رمزيا في الخطابات التجزيئية والتفكيكية”، ومشكلة الانخراط الفعلي والفعال للنخب الدينية والتربوية والثقافية والسياسية والاقتصادية في مناصرة هذه القضية العادلة.

في ضوء كل ما سبق، وفي استشراف لآفاق هذا الصراع، عرض الدكتور رشدي بويبري فكرة “بناء تحالف عالمي مقاوم للمشروع الصهيوني”، الذي رأى أنه يمثل تحدياً استراتيجياً معقداً “لكنه ليس مستحيلاً في ظل تنامي الوعي العالمي بحقيقته وممارساته”، منوها إلى أنه يحتاج جملة خطوات وتدابير منها: عمل طويل الأمد بعيداً عن الانفعال والعاطفة، والاستفادة من تناقضات الوضع الدولي واستثمار زخم حراك المجتمعات الغربية، والتركيز على الجوانب الإنسانية التي تجمع كل البشر، وبناء تحالفات محلية وعالمية واسعة تتجاوز الدوائر الإيديولوجية والسياسية المحلية، وتوظيف الإمكانات الشعبية والمعنوية في عمل مؤسسي طويل الأمد، والربط بين القضية الفلسطينية وقضايا الأمة الأخرى والقضايا المحلية للشعوب، وتطوير القدرة على الحشد الشعبي واعتماد أدوات ذكية ومداخل صحيحة لتوعية الجماهير العريضة من الأمة وتعبئتها، والانتباه إلى المدخل الأساس للحسم في هذا الصراع، وهو إحياء الربانية، وهذه المهمة الأساس للحركة الإسلامية وللعلماء الربانيين والمجاهدين والمخلصين من أبناء هذه الأمة مشيرا إلى أن “الربانية هنا ليست مجرد روحانية محلقة، بل بناء واقعي للإنسان المقاوم والمنتصر بإذن الله”.