د. رفيع: تعديل مدونة الأسرة تجنّب الحرج مع “سيداو” فدخل فيه مع الهوية والشريعة

Cover Image for د. رفيع: تعديل مدونة الأسرة تجنّب الحرج مع “سيداو” فدخل فيه مع الهوية والشريعة
نشر بتاريخ

اعتبر أستاذ أصول الفقه والمناظرة ومقاصد الشريعة الدكتور محماد رفيع أن المسار الحالي لتعديل مدونة الأسرة المغربية حاول الخروج من الحرج مع سيداو لكنه دخل في حرج مع الهوية والشريعة، لافتا إلى أنها في نهاية المطاف ستأتي بمستند هجين لأن المسألة فيها تنازع للمرجعيات إن لم يكن تصارعا.

في حال التعارض؛ نحكِّم الاتفاقيات إلى المرجعية الإسلامية أم العكس؟!

الدكتور رفيع الذي حاوره الدكتور فؤاد هراجة في بودكاست “خيوط” على قناة الشاهد الإلكترونية، أشار إلى ما يمكن أن ينتج من معضلات في سياق التناقضات الحاصلة بين ما تطالب به هذه الاتفاقية من تعديلات “إنصافا للمرأة” على مستوى القوانين والتشريعات وبين المرجعية الإسلامية.

وقال المتحدث إن هذه الاتفاقيات من حيث المبدأ لا إشكال فيها، لأن القوانين تحتاج إلى تعديل بين الفينة والأخرى نظرا للتطبيقات العملية التي تكشف جملة من الثغرات والاختلالات في القوانين ومنها قانون الأسرة، لكن هذه الاتفاقيات والمواثيق، يقول المتحدث “هل ينبغي أن نحاكمها إلى المرجعية العليا التي انبثقت منها مدونة الأسرة وهي المرجعية الإسلامية أو لا نحاكمها؟ وأي المرجعيتين تسمو على الأخرى؟”.

واسترسل موضحا أن المواد التي تطالب بها هذه الاتفاقية منها ما يتعارض مع الشريعة نصا ومقصدا، وفي هذه الحالة يؤكد المتحدث أن “الواجب” هو اللجوء إلى حق التحفظ المكفول للدول، وعدم اللجوء إلى هذا الحق يعني البحث عن “الملاءمة القصرية” كيف ما اتفق “وهنا نسقط في مسألة التلفيق والبحث المضني عن المستند وعن المخرج الفقهي، وهذا مما لا ينبغي لأن السيادة التشريعية الوطنية يجب أن تكون حاضرة وبقوة وهذه هي الدول التي تحترم نفسها”.

وبينما أكد في جوابه عن سؤال مرتبط بالبحث عن شواذ المواقف الفقهية للمواءمة مع اتفاقية سيدا، أن المستند الفقهي للأقوال لا نعدمه راجحا كان أو مرجوحا أو ضعيفا إذا رجحته المصلحة الزمنية، شدّد في المقابل على أن المشكل يكمن في غياب أوجه المصلحة والنفع الذي سيحققه هذا الاختيار التشريعي.

بناء مجتمع تنتهي فيه كل الإشكالات ليس مدخله القانون فقط

وأكد عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على ضرورة الانطلاق من حاجيات الأسرة ومصالحها ومن البحث عن الإجابة الشافية الكافية للأسئلة المحرقة للأسرة حالا ومآلا. وجوابا عن سؤال يربط التشبث بالمرجعية الإسلامية بظلم المرأة خلافا للاتفاقيات التي جاءت لتحررها، اعتبر أن “هذا الكلام فيه كثير من المغالطة وكثير من الإيديولوجية وقليل من العلم والأدب”.

وبينما عرف المحدث “المرجعية الإسلامية” وقال هي “الشريعة من حيث نصوصها ومقاصدها والاجتهاد الذي أسسته وأحالت علية في بعض التفاصيل في كل زمان وفي كل مكان وحسب الأحوال”، أكد حيال ذلك أن مدونة الأسرة تتعلق بالأحوال الشخصية والتي هي مرتبطة بالشريعة الإسلامية نصا ومقصدا واجتهادا.

ويرى رفيع في حديثه أن كل ما يجري من نقاش ومن مقترح تعديلات للمدونة ليس مدخلا سليما لإصلاح الأسرة ولضمان استقرارها مشددا على أن الإصلاح وبناء مجتمع تنتهي فيه كل الإشكالات والمأساة ليس مدخله القانون فقط، وإنما من مداخل متعددة.

لافتا إلى أن ما تعيشه الأسرة من أزمات قيمية وأخلاقية واقتصادية واجتماعية وغيرها لا يمكن إصلاحه من بوابة التعديل القانوني، ولكن على قاعدة التكامل والتساند بين ما هو تربوي وسياسي واقتصادي واجتماعي، وما المدخل القانوني إلا مدخل يكتمل به البناء.

منهج النظر إلى الأمور في هذا التعديل “تجزيئي”

وذهب الأستاذ الجامعي إلى أن تشكيل اللجنة المكلفة بتعديل المدونة قائم على ثلاثة مفاهيم؛ مفهوم الإشراف ثم الإشراك ثم الانفتاح، وهو ما يعني أن الإشراف للجنة الملكية ثم الإشراك بمعنى أن موقع العلماء هو أن يشركوا في هذه المسألة بمعنى هناك من يدير المسألة ويشرف عليها وعلى تفاصيلها ولكن يشرك هؤلاء.

وفي منهج النظر المعتمد في هذه التعديلات، انتقد رفيع “النظر الجزئي” بتتبع كل قضية من القضايا التشريعية الواردة في المدونة ثم ربطها بإصلاح الأسرة، ثم تساءل عن القيم والحاجيات التي ينبغي أن تكون هي مقاصد أساسية، مثل الاستقرار الأسري وإحياء التدين في الأسرة، ثم النظر إلى الأسرة على أنها مؤسسة استراتيجية، وهي خلية في المجتمع كما نص على ذلك الدستور.

فإذا كانت الأسرة بهذه الأهمية على أنها مؤسسة استراتيجية وهي المسؤولة عن القيم وعلى نقلها إلى الأجيال لتتواصل عبر الزمن؛ فـ”إصلاح هذه الأسرة ينبغي أن ننظر إليه بنظر كلي لا بنظر جزئي يتتبع الجزئيات القانونية” يقول رفيع.

ويرى أن الدولة تنصلت من مسؤولياتها من خلال ما عرض في هذه التعديلات وهي مخالفة للفصل 32 من الدستور، لافتا إلى أن التعديلات سيكون لها معنى ويتوخى منها نوع من الاسهام في الإصلاح لو تأسست على قاعدة “مسؤولية الدولة” في الرعاية الاجتماعية للأسر.

نفس التعديل يبرز تملص الدولة من مسؤولياتها

في غياب الدولة وتملصها من مسؤوليتها في واجب الرعاية الاجتماعية، والتدخل لتلبية الحاجات الملحة التي لا يمكن أحيانا أن تلبيها إلا الدولة؛ لا معنى لأي تعديل لأن إحالة مشاكل الأسرة على شساعتها وعلى خطورتها وعلى تفرعها على الأسرة نفسها وعلى تركة الأسرة وعلى أفرادها فهو إحالة على مصير مجهول وهو مما لا ينبغي.

وفي حديثه عن إعادة توزيع ثروة العائلة أكد رفيع أن ما يقتسم في معظم الأسر هو ثروة المآسي والفقر والحصار الاقتصادي والاختناق الاجتماعي، موضحا أن “ثروة الأسرة” هي جزء بسيط متفرع عن الأصل وهو ثروة الوطن، وإذا اقتسمت ثروة الوطن على قاعدة العدل والمساواة بين الناس وبين الأسر حينها وحينها فقط نستطيع أن نتحدث عن ضرورة الضبط القانوني لتوزيع الأسرة وإن كان توزيع الثروة أمرا محسوما تفصيليا في الشريعة.

وبينما أكد العالم المقاصدي أن مظلومية المرأة هي حقيقة موضوعية تاريخية، حيث إنها مستضعفة ونالت تاريخيا من الظلم الاجتماعي ومن التهميش ومن القهر الحظ الأوفر وينبغي أن تنصف، شدد في المقابل على أنه لا ينبغي التركيز عليها باعتبارها المرأة المظلومة والفرد الوحيد المظلوم وعدم ذكر أفراد الأسرة، لأنها عضو داخل الأسرة وليست كيانا منفصلا كما تسوق ذلك المنظومة الغربية التي تقوم على الفردانية وتنظر إلى المرأة على أنها كائن مستقل ينبغي أن ينال حقوقه ولا يتحدثون عن الواجب.

وأكد رفيع أن المرأة إن كانت مظلومة وتزداد مظلومية داخل الأسرة فمن باب إنصافها إنصاف الأسرة لأنها عضو مسؤول ومركزي فيه، ولا يمكن أن تنصف المرأة وتخلف ظلما واحتقاراً وحصارا بالأسرة.

رفع الظلم عن المرأة يعني رفع الظلم السياسي والاجتماعي والتربوي 

ولفت إلى أن مقاربة رفع الظلم عن المرأة هو رفع للظلم السياسي والاجتماعي والتربوي والتعليمي والاقتصادي، مؤكدا أن ذلك لا يتم داخل الأسرة فقط وإنما داخل المجتمع، نافيا أي تحقق للعدالة داخل الأسرة في غيابها داخل المجتمع لأن استقامة الأوضاع المجتمعية في كل المستويات على قاعدة العدل “حينها ننتقل إلى البحث داخل الأسرة”.

وفي حديثه عن قضية توثيق الخطبة قال إن هذا الأمر ما قال به الفقهاء قديما لأنها مجرد وعد بالزواج وليست بزواج، موضحا أن السؤال المطروح هو هل هذا الإجراء هو القضية الملحة التي يتطلبها وضع الأسرة وما هي المصلحة المتوخاة من هذا الإجراء القانوني؟ نافيا أن يكون هناك وجه للمنفعة وللمصلحة في هذا الإجراء.

 وأكد أن ما ينبغي أن نوليه كل العناية هو عقد الزواج لأن الخطبة لا تثير مشكلة أصلا والأعراف كافية في ضبط الخطبة، لأن المشاكل تقع في الأسرة بعد عقد الزواج في المعاشرة والمساكنة وفي غياب عناصر المودة والرحمة إلى غير ذلك.

وأشار المتحدث إلى “محاذير” تعقب هذا الإجراء، موضحا أن المادة 156 من المدونة تحدثت عن “ظروف قاهرة” قد تحول دون توثيق عقد الزواج، وإذا حملت المخطوبة بعد وقوع الخطبة فينسب ما في بطنها إلى الخطيب، فاذا ما تعزز هذا الإجراء على ما فيه من مشاكل فإن الكثير من الطوام ستقع.

عقد الخطبة والزواج وإشهاد غير المسلمين

وتابع: “كيف تضمن لي ألا يخلط الناس بين هذا الذي وثقوه وهو مجرد خطبة وبين العقد الذي يضمن للأسرة أن تتأسس بمقتضاه؟ ثم لماذا هذا الإنفاق والأموال وهذه الجهود التي تبذل في توثيق أمر ليست فيه التزامات أصلا؟”، موضحا أن سد الذرائع هو أصل من أصول الشريعة، وإذا ما كان هناك ما قد يفضي إلى مفاسد متوقعة فينبغي أن نتوقف.

وفيما يتعلق بإشهاد غير المسلمين في عقد الزواج خاصة بالنسبة للمسلمين في الخارج، لفت رفيع إلى ضرورة تأسيس أي إجراء على خصوصية الزواج لأنه عقد ليس كباقي العقود وله خصوصية مقدسة، وقد سماه الله الميثاق الغلظ، هو عقد خاص مبني على المكارمة والموافقة وليس على المشاححة.

ولذلك فهو لا يمكن أن يُقبَل فيه هذا الإجراء، لأنه من خصوصيته ألا يشهد عليه إلا المسلمون، موضحا أن هناك أكثر من وسيلة وطريقة تغنينا عن إدخال غير المسلمين ليكونوا شهودا على عقد له خصوصية، وتابع: “هذا ليس عقدا مدنيا هذا عقد تعبدي خاص، ولذلك إدخال المخالف الديني في هذا الموضوع ليس له موجب”.

تحديد سن الزواج

فيما يخص تحديد سن الزواج، أشار إلى ضرورة التمييز بين الحد الأدنى المبدئي الذي قرره القانون وهو سن 18 سنة واستثناء نص التعديل على سن 17 سنة مع السلطة التقديرية للقاضي وفق شروط معينة، وهذا لا إشكال فيه من حيث المبدأ، لكن الاستثناءات فيما يسمى زواج القاصر في التشريعات المقارنة هناك من لا يحدد الحد الأدنى وقد يصل إلى  13 أو 14 سنة وهي تشريعات غربية، إذن فهل نحن غربيون أكثر من الغرب وهل نحن متقدمون أكثر من الآخرين؟

والأخطر من ذلك يضيف المتحدث، هو أن ينطلق التشريع وتعديل القانون من واقع غير الواقع الاجتماعي المغربي، وتساءل عن الإحصائيات والدراسات السوسيولوجية التي يمكن أن تكون قد أنجزت وأثبتت من خلال دراستها لأحوال الأسرة المغربية في الأرياف والقرى النائية أن القاصر يتضرر بزواجه مثلا عند حدود 15 سنة أو 16 سنة.

وأشار إلى أن الانطلاق من حقيقة الواقع المغربي يخلص إلى أن الكثير من الأسر في مناطق متعددة لها أعراف محكمة؛ لما تبلغ الفتاة 15 سنة لا هي تدرس ولا هي تشتغل وتعيش في بؤس شديد، وتعجز الأسرة عن رعايتها ولما يطلب إليها الزواج وجرى العرف على أن مثيلاتها يتزوجن في مثل هذه السن “بأي حق وبأي مصلحة هذا القاصر لا يمكن أن تتزوج، وتنتظر إلى سن 18 سنة؟”.

وبينما أكد أن القاصر أنثى كانت أو ذكرا ينبغي أن يتمتع بجميع حقوقه من دراسة وغيرها، تساءل في المقابل حول ما إذا كانت مهمة القانون هي تلبية مصلحة المجتمع بعد الانطلاق من خصوصية وحقائق ما يجري داخل الأسر المغربية وفي الأرياف والمناطق دون التركيز على الدار البيضاء والرباط والمدن الحضرية.

 وجوب النفقة على الزوجة بمجرد العقد

وفيما يخص وجوب النفقة على الزوجة بمجرد العقد، أكد الأستاذ رفيع أن ذلك من الإجراءات التي لا نرى فيها مشكلا لأن العقد هو بداية التأسيس للأسرة، والزوجة تسمى زوجة والزوج يسمى زوجها بالعقد لا بالخطبة ولذلك تجب عليه النفقة، متسائلا عن المانع من إلزام الرجل بالإنفاق على زوجته لأنها زوجته.

وبينما أقر بأن هذا الإجراء لا يثير مشكلا، أكد أنه يشجع على عدم إطالة المدة بين العقد وإلحاق الزوجة لأن الإطالة ليست فيها مصلحة وثبت بالتجربة أن يثير مشاكل ولذلك ينبغي التعجيل لأن إبرام العقد يثبت المسؤولية على الرجل وعلى المرأة في هذا الموضوع ولا داعي للمجادلة في مثل هذه الإجراءات.

ولفت إلى أن تثمين عمل المرأة المنزلي هو “فكرة جميلة حضارية راقية جدا”، موضحا أن عمل الزوجة داخل بيت الزوجية من كل ما هو معروف بمقتضى العرف من أشغال منزلية هو أمر ليس بالسهل وهو أمر جليل عظيم ينبغي أن يثمن، موضحا أن التثمين يعني أن يخصص للمرأة راتب شهري يليق بجلالها ويليق بقدر وعظمة ما تقوم به.

وأوضح أن الدولة تتولى مسؤولية الإنفاق على شخص من الأشخاص إذا قام بخدمة يعود نفعها على المجتمع، لافتا إلى أن العمل المنزلي للمرأة يندرج في هذا الباب لأنه يضمن استقرار البيت بما هو رعاية للأبناء وتربيتهم ليكونوا صالحين للمجتمع، وهو ما يراه المتحدث خدمة للمجتمع وإسهاما في تنميته وفي إيجاد رجال ونساء يؤطرون هذا المجتمع ويسهمون في إدارة المسؤوليات فيه، وعملها هو “خدمة استراتيجية نفيسة”.

وقال إن هذا التثمين يجب أن يبدأ من الدولة كي لا نحيل هذه المسؤولية مرة أخرى إلى الأسرة ونسقط في باب تضييق المضيق، موضحا أن هذا المبدأ الشريف والجليل يبخس حقه ويُنزل منزلة لا تليق به عندما يحصر في تقسيم الثروة مع الرجل بعد الطلاق أو بعد الوفاة.