أجرت صحيفة الناس حوارا مع الأستاذ فتح الله أرسلان، نائب الأمين العام لجماعة العدل والإحسان والناطق الرسمي باسمها، حوارا بمناسبة الذكرى الأولى لرحيل الإمام المؤسس الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله.
تطرق الحوار، الذي نشرته الجريدة يوم الجمعة 13 دجنبر، للعديد من القضايا منها: مكانة الإمام من الجماعة ودوره في تشييدها ومشروعها، وسيرها بعد مرور سنة من رحيله، وتدبير الخلافات داخل الجماعة، والحديث عن وجود تيارات، و”عزلة الجماعة” رغم دعواتها المتكررة للحوار، والموقف من تشكيل الحزب السياسي، والعلاقة بالسلطة، وتقييم أداء حكومة عبد الإله بن كيران… وغيرها من القضايا الهامة، نعيد نشره تعميما للفائدة:
ما هو تقييمكم لأداء جماعة العدل والإحسان بعد وفاة مرشدها الشيخ عبد السلام ياسين؟
لقد أسس الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله جماعة العدل والإحسان على قواعد متقدمة في التسيير والتدبير، حيث رسخ معاني المؤسسية والشورى وهيأ الشروط والنفوس حتى لا يكون لرحيله أثر سلبي على أداء الجماعة وسير مؤسساتها. كما أن رحيله رحمه الله شكل حافزا لكل أعضاء الجماعة للعطاء المضاعف وفاء لهذا الرجل الفذ. وبهذا فالأستاذ عبد السلام ياسين ألهم العدل واﻹحسان حيا وميتا فجزاه الله عنا بما يجازي أحب الخلق إليه.
بعد مرور عام على وفاة الشيخ عبد السلام ياسين، هل يمكن أن نقول إن الجماعة لم يعد لها ذلك الوزن السياسي الذي كانت تمثله في حياة الشيخ؟
لقد ربط الإمام عبد السلام ياسين مشروعه بالأمة جمعاء، ولم يمركزه حول ذاته. فلم يجعل فكرته مجرد إنتاجات نظرية مجردة تعطي صاحبها ثقله الرباني والدعوي والاجتماعي والسياسي والفكري الذي ينتهي بنهاية حياته، بل إنه حرص كل الحرص على تنزيل ذلك واقعا يمحص به نظرته ويثبت إمكانياتها الواقعية ويتركها من بعده حركة فاعلة تستمد وزنها من عمق الفكرة وأصالتها وثبات الجماعة عليها، وهذا ولله الحمد حاصل بحيث أن الجماعة مستمرة في أدائها السياسي المؤثر بقوة في المشهد السياسي والمجتمعي بحضورها المميز في مختلف الفعاليات السياسية والاجتماعية وهذا يشهد به كل شركائنا من القوى المجتمعية والباحثون الموضوعيون. أما حكاية التراجع فهي بعيدة عن الواقع وكانت وما تزال أمنية خائبة لمناوئي العدل واﻹحسان. لكن كل هذا لا يعني أن حضور الفكرة تعوض عن حضور الرجل، إلا أنها سنة الله تعالى في خلقه التي لا نملك إلا التسليم بها.
ألا تشعرون باليتم بعد رحيل الشيخ عبد السلام ياسين؟
الإنسان بطبعه يعز عليه فراق من يحب، فكيف إذا كان المحبوب رجلا مثل الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين رحمه الله. لقد كان لرحيله أثر في نفوسنا جميعا، لأن اهتمامه بأبناء الجماعة أفرادا ومجموعات يتجاوز علاقة قائد بأعضاء تنظيمه. فهو يسأل ويتابع أحوالهم ويتفقدهم، يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم. ويذكر بالله وبفضل الله وبلقاء الله وباليقين في الله. منذ عرفته وهو يسعى لقضاء حاجات الناس الخاصة والعامة، بالمال والجهد والدعاء والمواساة والتوجيه. لذلك ستجد له فضائل كثيرة علينا أفرادا وجماعة تجعل لفراقه أثرا بليغا في النفوس. ثم إن ما تركه الإمام رحمه الله لنا من علم غزير وآلاف الأبناء الحاملين للمشروع وجماعة محكمة التنظيم، كل هذا يجعلنا دائمي الاتصال به ونشعر به بيننا في كل تفاصيل عملنا لأننا نحس بأثره الطيب في كل خطوة نخطوها جزاه الله خيرا.
بماذا تفسر هذه الخلافات التي طفت إلى السطح داخل الجماعة حتى أن هناك من تحدث عن تيار تصحيحي قد يعلن عن نفسه مستقبلا؟
الاختلاف في الرأي والتقدير كان دائما موجودا وللجماعة والحمد لله من التربية والأخلاق والقوانين والمؤسسات ما تستطيع به تدبير حرية الرأي المفتوحة داخلها في كل مستويات التنظيم. أما الخلافات والتيارات فلا وجود لها داخل الجماعة.
هناك سيدة أعطت إشعاعا وطنيا ودوليا للجماعة، لكنها اليوم غير راضية عن أداء الجماعة بعد رحيل المرشد، وأقصد هنا نادية ياسين. ما هو ردك؟
الأستاذة المجاهدة ندية ياسين قدمت الكثير لجماعة العدل والإحسان وللحركة الإسلامية عموما. وهي تحظى داخل الجماعة بكثير من التقدير والاحترام ليس فقط لأنها ابنة المرشد رحمه الله وإنما لكفاءتها العالية ومساهمتها الفعالة. والأستاذة ندية ياسين وكل الإخوة والأخوات داخل الجماعة ليسوا إمعات بل لهم آراء يعبرون عنها بوضوح.
هناك من يقول إن جماعتكم مازالت تعيش عزلة سياسية رغم دعواتكم المتكررة إلى الحوار مع الأطراف المكونة للمشهد السياسي. ما هو ردك على هذا الأمر؟
علاقاتنا مع باقي المكونات تزداد يوما بعد يوم، ودعوتنا للحوار والعمل المشترك قناعة استراتيجية أصبحت تفرض ذاتها على الجميع، فإن كان من دروس ينبغي أن نستقيها مما يحدث حولنا فهو أنه لا بديل لنا عن أن نقبل ببعضنا ونحاور بعضنا ونعمل معا على إخراج بلادنا من تحت قيد الاستبداد والأزمات المتراكمة التي تعيشها.
لكن بماذا ترد على من يقول إن العديد من الأطراف السياسية لا ترغب في الدخول مع جماعتكم في تحالفات أو حوار وطني لأن خطابكم غير واضح، بل لازلتم لم تحسموا حتى في هذا السؤال: هل تشتغلون من داخل مؤسسات الدولة أو من خارجها؟
ليس في خطابنا أي لبس، فهو واضح تماما. وفي الحقيقة لم نعد نسمع هذا الحكم الجاهز إلا من بعض الذين يصدرون الأحكام عن بعد أو بخلفية مسبقة من غير بذل أي جهد للمعرفة القريبة والموضوعية، وإلا فكل الذين جمعتهم معنا فرص اللقاء المباشر والاطلاع العميق والقريب على مشروعنا أصبحوا يدركون تماما وضوح أفكار العدل والإحسان. أما مسألة المشاركة في المؤسسات الرسمية فلم نعد في حاجة إلى بذل جهد كبير للإقناع بعبثيتها وعدم جدواها بعد العبث اليومي الذي يعرفه المشهد السياسي والذي يؤكد بالوضوح التام أن الحاكم الوحيد هو الملك أما الدستور، الناقص أصلا، والحكومة والبرلمان والقضاء فشكليات وديكور أو في أحسن الأحوال أدوات منفذة في يد الحاكم الفعلي. ونحن نرفض المشاركة من أجل المشاركة وأن نكون شهود زور ومنعشين للاستبداد والفساد.
يلاحظ على جماعتكم أنها لم تقم بأي مبادرة لتنهي هذه العلاقة المتوترة مع السلطة رغم وجود دستور جديد ووصول حزب إسلامي إلى السلطة؟
الدستور الجديد لم يختلف عن سابقيه في فرض استبداد الجهات غير المنتخبة بأهم السلط ثم إعفائها في المقابل من المتابعة والمحاسبة عن تدبير هذه السلط الواسعة. وحتى ما اعتبره البعض إيجابيات في الدستور الجديد فالكل يحتج اليوم على عدم تنزيله. كما أن أسلوب السلطة لم يتغير إن لم يكن ازداد إغراقا في الممارسات القديمة من خلال ما نشاهده من اتساع دائرة الفساد، والتصنيف الأخير لمنظمة الشفافية العالمية للمغرب ضمن البلدان الأكثر فسادا شاهد حي على ذلك، ثم سيادة لغة العصا والقمع والتضييق على حرية التعبير والرأي. طبعا تنال جماعة العدل والإحسان حظا وافرا من هذه التعسفات، ولهذا فالدولة هي من تصر على الاستمرار في إقصاء وحصار جماعة العدل والإحسان. وهذه الوضعية يتحمل المسؤولية عنها الفاعل الرئيسي في الحكم والفاعلون الثانويون وإن بدرجات مختلفة، ولا يشفع لأحد في تحمله المسؤولية مرجعيته الدينية أو الإديولوجية إنما الممارسة الواقعية هي المعيار.
هناك من يرى أن جماعة العدل والإحسان ترفض تأسيس حزب سياسي لأن مطالبها تفوق مطالب الأحزاب. إلى أي حد هذا الأمر صحيح؟
أولا نحن نعيش في ظل حكم لا يعتبر أن تأسيس حزب مسألة مرتبطة فقط بإرادة واجتماع مؤسسيه على فكرة ما، بل هو أعطية ومنحة يجود بها المخزن على من يريد بعد أن يفرض قواعد لعبته السياسية بضوابط غير دستورية وغير قانونية وغير ديمقراطية. ومن ذلك أن يتم تقويض أدوار الأحزاب كما هي متعارف عليها عالميا، لتصبح غير ذات جدوى. لذلك فالموضوع أكبر من رفض الجماعة أو قبولها كما أنه أعمق من مطالب الجماعة ومطالب أي حزب.
كيف تقيمون أداء حكومة بنكيران؟
تقييم أداء أي حكومة يبدأ أولا بتقييم صلاحياتها وشروط اشتغالها، وثانيا بتقييم جرأة الحكومة على طرق المداخل الحقيقية لإحداث الإصلاح المنشود. ونحن في تقييمنا لكل ذلك نرى أنه ما يزال بعيدا جدا عن المطلوب، وعليه لا يمكن لأداء الحكومة إلا أن يكون متواضعا.
ما هي علاقتكم حاليا بحزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح؟
نحن عادة نبني علاقاتنا مع الأطراف الأخرى على مبدأ الاحترام والتقدير، نحفظ لهم حقهم في الاجتهاد ونقدره ونسدي النصح لبعضنا كلما ظهرت ضرورة لذلك، ونسعى جهدنا للتعاون مع الجميع في المساحات المشتركة الممكنة.
بعد دخول العدالة والتنمية إلى الحكومة لوحظ أن الجماعة لم تعد تخرج إلى الشارع كما كانت تعمل في السابق. ما هو تعليقك؟
هذا غير صحيح، فالجماعة مازالت تحافظ على نفس حضورها في الشارع. إلا إذا كنت تقصد توقيف مشاركتنا في حركة 20 فبراير فقد بيَّنا في البلاغ الصادر بالمناسبة أسباب ذلك وتحدثنا في الموضوع أكثر من مرة، وحتى التأويلات التي أعطاها البعض لهذا القرار أثبت الزمن عدم صحتها.
ألم تخطئوا عندما انسحبتم من الشارع في عز احتجاجات الربيع العربي وحركة 20 فبراير؟
أولا نحن انسحبنا من حركة 20 فبراير ولم ننسحب من الشارع. والتطورات التي عرفتها الساحة الوطنية والإقليمية تفيد إلى أي درجة كان قرارنا صائبا، فخروجنا من حركة 20 فبراير لم يتم إلا بعد أن أصبحت الحركة تضيق عن استيعاب كل الآراء، وتدبير الاختلاف بين مكوناتها بطريقة لا تقصي هذا الطرف أو ذاك. ففضلنا الانسحاب من الحركة لأن المدخل التشاركي الذي بنينا عليه قرار مشاركتنا أصبح غائبا.
كثيرا ما ترفعون، في تجمعات احتجاجية، شعارات معادية لأمريكا، لكن هذا العداء لم يمنع السيد أرسلان من الجلوس إلى سفيرها هنا بالرباط. ألا يتعلق هنا بازدواجية في الخطاب؟
لقاء ممثلي مختلف سفارات الدول الأجنبية بالمغرب هو تواصل ديبلوماسي وقناة رسمية نشرح من خلالها تصورنا ومواقفنا من قضايا محلية وعربية ودولية بشكل مباشر ودون وسائط يمكن ألا تكون دقيقة وواضحة في نقلها عن قصد أو عن غير قصد، بغض النظر عن موقفنا من هذه الدول.
ألا تزعجكم هذه الأنباء التي تتحدث عن تراجع أمريكا عن دعم الإسلاميين المعتدلين للوصول إلى السلطة؟
نحن في جماعة العدل والإحسان لم نرتبط ولم نعلق يوما أملا على الدعم الخارجي سواء كان أمريكيا أو غير أمريكي. إن أول ما يحكم منطق الدول الكبرى هو المصالح الخاصة وهي بطبعها متقلبة ولا تدوم على حال، والأصل هو أن يستفيق حكامنا من استسلامهم وتقلبهم الدائم حيث دارت هذه المصالح.
قلتم في تصريح سابق إن لديكم الكثير من المؤاخذات على الدستور وطريقة وضعه. ما هي هذه المؤاخذات؟
المؤاخذات تم تفصيلها في وثائق رسمية للجماعة نشرت إبان عملية تعديل الدستور، ويمكن إجمالها في محورين كبيرين: المحور الأول يتعلق بالشكل بحيث أن الدستور الحالي وضع بنفس المنهجية القديمة المرفوضة وهي أنه دستور ممنوح والملك هو من عين لجنة الصياغة، ومطلبنا نحن أن يصوغ الدستور هيئة تأسيسية منتخبة شعبيا. والمحور الثاني يتعلق بالمضامين بحيث لم نسجل أي تزحزح عن مضامين الدساتير السابقة سوى في إعادة انتشارها، فأبقى الدستور على تركيز أهم السلط التنفيذية والتشريعية والقضائية والدينية والأمنية في يد الملك. ربما الجديد الأبرز الذي راهن عليه البعض هو تسمية رئيس الحكومة عوض الوزير الأول وتعيينه من الحزب الأول، لكن فترة سنتين كانت كافية لتظهر أنها كانت مجرد كذبة كبيرة لما اقتنع الجميع بمن فيهم الأستاذ عبد الإله ابن كيران بأنه “مجرد رئيس حكومة” على حد قوله.
ولماذا في نظرك فشل الإخوان المسلمون في مصر؟
فترة سنة واحدة تحركت فيها كل أجهزة الدولة العميقة والخصوم السياسيين من الداخل والخارج من أول يوم لمواجهتهم وعرقلتهم يصعب معها إطلاق حكم من هذا النوع، الأمر يحتاج إلى نوع من الموضوعية في التحليل حتى نصل إلى أحكام مناسبة.