ذ. أسامة حمدان يستعرض التداعيات الإقليمية والدولية لمعركة طوفان الأقصى

Cover Image for ذ. أسامة حمدان يستعرض التداعيات الإقليمية والدولية لمعركة طوفان الأقصى
نشر بتاريخ

في مداخلة عن بعد؛ افتتح الأستاذ أسامة حمدان، عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” وممثلها في لبنان، حديثه في الندوة التي نظمتها الجماعة بمناسبة الذكرى الثالثة عشرة لرحيل الإمام، بالترحم على “صاحب الذكرى الإمام الشيخ عبد السلام ياسين رحمه الله الذي كان عَلَما من أعلام المغرب ورجال دعوتها، والذي حمل فطرة الإسلام عقيدة وسلوكا، وكان إلى جانب اهتمامه بقضايا وطنه وشعبه وأهله مهتما بقضايا أمته، لا ينسلخ ولا ينفك عنها، وفي مقدمتها قضية فلسطين”.

ثم ارتأى الإشارة إلى مسألتين قبل أن يخوض في سرد تداعيات معركة طوفان الأقصى محليا ودوليا؛ أولاهما أن هذا الطوفان لم يكن وليد لحظة، إنما هو حلقة في سلسلة متواصلة من نضال ومقاومة وجهاد الشعب الفلسطين،؛ بدأت منذ الاحتلال البريطاني لأرض فلسطين عام 1917 لقرابة قرن وبضع أعوام من الاحتلال مضى فيها الشعب مقاوما، مسار طويل اعتبره المتحدث “لابد أن يقرأ ليدرك الجميع أن هذه المعركة هي امتداد لهذا الجهاد”، لكن ميزتها الأساس -يؤكد- أنها أحدثت نقلة في المواجهة مع الاحتلال من المشاغلة إلى فتح بوابة التحرير، ومن الحديث عن تسويات إلى الذهاب إلى إنهاء الاحتلال. أما المسألة الثانية فهي حجم الآلام الكبيرة التي تركها هذا العدوان والجراح الغائرة التي خلفها؛ قرابة ثلاثمئة ألف من الشهداء والجرحى، وأكثر من ستين ألف يتيم، وأكثر من عشرين ألف أرملة، وتدمير لقطاع غزة طال أكثر من 90 بالمائة من البنية التحتية من مدارس ومستشفيات وطرق ومحطات للكهرباء والمياه، وأكثر من 70 بالمائة من بيوت غزة التي كانت قائمة قبل العدوان.. كل هذه الآثام، يقول حمدان: يجب ألا تصرفنا عن قراءة تداعيات طوفان الأقصى وآثارها على المشروع الصهيوني وعلى إقليمنا ومنطقتنا وتحولاتها على مستوى العالم، ذلك أن كل ذلك يصب في مصلحة معركة التحرير بإذن الله.

على الصعيد الإقليمي، أورد أسامة حمدان مجموعة من التداعيات:

– انكشاف حقيقة المشروع الصهيوني في سعيه للتوسع والتمدد واحتلال أرض وبلاد جديدة، إذ لم يكن أمرا غريبا على الذين يفهمون المشروع الصهيوني أن يضع رئيس وزراء هذا الكيان الإرهابي في جيبه خارطة لما يسميه إسرائيل الكبرى، يظهرها في كل محطة من محطات السياسة وأمام وسائل الإعلام بكل وقاحة؛ يتحدث عن كيان يمتد من نهر الفرات شرقا إلى نهر النيل غربا، ليقتطع أجزاء من أراض في العراق والسعودية ومصر وإثيوبيا ويقتلع دولا كاملة كسوريا ولبنان والأردن فضلا عن فلسطين. هذا الانكشاف للمشروع الصهيوني – يوضح حمدان – ينبئ وبوضوح عن حقيقة هذا المشروع وهدفه لاحتلال المزيد من أراضينا.

– سقوط الوهم بالعجز عن مواجهة هذا الكيان، وهذا لا يتعلق بالفلسطينيين وحدهم، فانخراط المقاومة في لبنان في مواجهة هذا العدو، وانخراط أهل اليمن، ومحاولات جادة من المقاومة في العراق وفصائلها، كل ذلك ينبئ أن هذا الكيان ليس كيانا محصنا، وليس كيانا لا يمكن المساس به، بل إن الاشتباك معه هو إرادة وقرار يقتضي تخطيطا وعملا يؤدي إلى هذا الاشتباك.

– انكشاف هشاشة الكيان بذاته؛ فهو لم يتمكن من الدفاع عن نفسه وحده أمام المقاومة في فلسطين، ويكفي ما قاله وزير حرب هذا الكيان أن مخازن السلاح والذخائر قد نفدت خلال 90 يوما من العدوان على قطاع غزة، وأن جيش الاحتلال ظل قادرا على مواصلة العدوان نتيجة الإمداد المتواصل الذي تلقاه من الولايات المتحدة بشكل مباشر أو مخازن الذخائر الموزعة في قواعد أمريكية في المنطقة والعالم، وبدعم أيضا من الدول التي أسست وقامت في أوربا.. بمعنى أن هذا الكيان في مواجهته للمقاومة الفلسطينية كان محتاجا لإمداد متواصل، فضلا عن مشاركة هذه الدول في دعمه عندما اشتبك مع إيران، وفي توفير الحماية الجوية له طوال هذه المعركة والتدخل المباشر فيها.

– صعود صورة المقاومة بين أبناء أمتنا، إذ كان أبناء أمتنا يتعرضون لبث اليأس في نفوسهم؛ بأنه لا جدوى من مشروع المقاومة وأن مشروعها غير قادر على الصمود والمواجهة فضلا على تحقيق الانتصار، فإذا بالعالم يرى ثلة من المجاهدين قل عددها عن ثلث ما واجهوه من الصهاينة المتحصنين في القواعد حول قطاع غزة ينجحون في الاستيلاء على مواقع وقتل وأسر جنود الاحتلال بالمئات فيها، في معركة لم تستمر إلا جزءا من نهار، فماذا لو تكاثفت قوى  أمتنا وجيوشها ومجاهدوها ومقاتلوها في مواجهة هذا الكيان على صعيد واحد، فالأكيد أنه لن يكون هذا الكيان قادرا على الصمود.

– انهيار أسطورة قدرة الردع الإسرائيلية، والجيش الذي لا يهزم، فإذا به يهزم في مواجهة مع المقاومة، ويعجز في مواجهة استمرت عامين عن إنهائها رغم جريمة الإبادة التي ارتكبها بحق أبناء شعبنا، ويفشل في كسر إرادة المقاومة في لبنان، ولا يستطيع إنهاء حالة المواجهة التي أطلقها اليمن ضده، وكل ذلك يكشف هذا أمرا محددا وواضحا؛ أنه فقد قدرة ردع امتلكها عقودا من الزمن نتيجة روايات وأحداث لم تكن دقيقة أو صحيح.

وعلى الصعيد الدولي عرض أسامة حمدان مجموعة من تداعيات معركة طوفان الأقصى، نذكر منها:

– انهيار الرواية والسردية الصهيونية التي أعلنت أن هناك مظلمة تاريخية لهؤلاء الصهاينة تحت عنوان “الهولوكست” وبررت بذلك عدوانين: عدوان على شعبنا وأمتنا في احتلال أرضنا والتوسع في أرض أمتنا وعدوان على الذاكرة وعلى العقل وعلى الإرادة في المجتمع الدولي تحت طائلة التهديد بالعداء للسامية لمن يحاول نقض الصهاينة، وتحت طائلة المحو من سجل السياسة لمن يجترئ على اختيارات لا تناسب المشروع الصهيوني. 

– عجز النظام الدولي وانهيار منظومته القيمية والقانونية، لأنه لم يستطع وقف إبادة جماعية، وعندما حاولت محكمة العدل الدولية أن تأخذ قرارا شجاعا بتوقيف رئيس وزراء هذا الكيان ووزير حربه، وقف أمام ذلك قادة وسياسيون لاسيما في الولايات المتحدة ليقولوا قولا في منتهى السذاجة والسخافة السياسية: على المحكمة أن تدرك أنها أنشئت لمحاكمة القادة الأفارقة ورئيس الاتحاد الروسي، وكأن العدل انتقائي، ثم فرضت بعد ذلك عقوبات على قضاة هذه المحكمة الذين اتخذوا هذا القرار..

وهذا يكشف، يقول، إلى جانب هشاشة النظام الدولي وعجزه، سعي الولايات المتحدة الأمريكية لفرض هيمنتها على هذا النظام ورسم صورته وواقعه وفق مصالحها، وهو ما يعني تصاعد الأزمات على الصعيد الدولي بدل حلولها، ويعني فيما يعنيه حروبا متعددة الأشكال.. وليس عبثا أن تحول الولايات المتحدة الأمريكية وزارة الدفاع إلى وزارة حرب.. وهذا يقدم مؤشرا واضحا على المسارات المحتملة للوضع الدولي في السنوات القادمة ليكون مسارا متصاعدا في صراعات إقليمية ذات انعكاسات دولية وهو من شأنه أن يفكك النظام الدولي…