ذ. بارشي يُرغّب في اغتنام مواسم الخير مثل شهري شعبان ورمضان

Cover Image for ذ. بارشي يُرغّب في اغتنام مواسم الخير مثل شهري شعبان ورمضان
نشر بتاريخ

جوابا عن سؤال: كيف يغتنم المؤمن مواسم الخير كشهر شعبان واقتراب رمضان، لتزكية نفسه وتوثيق صلته بالله عز وجل، واستقبال تعاقب الأزمان بقلب حي وروح إيمانية متجددة؟ وكيف يوطد معاني العبودية الكاملة لله تعالى؟ ساق الأستاذ محمد بارشي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: “إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا” لينوه إلى كون “الحديث وإن كان ضعفه البعض، إلا أن أدلة الشرع متوافرة على الحث لاستباق الخيرات وتحين الفرص”.

وفي معنى الحديث أوضح عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان، في شريط مرئي نشرته قناة الشاهد ضمن سلسلتها “فاسأل به خبيرا”، أن “النفحات هي المنح والعطايا من الله عز وجل مقابل الأعمال الصالحة”. وساق قول سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه: “اطلبوا الخيرَ دهرَكم كلَّه، وتعرَّضُوا لنفحات رحمة الله فإن لله نفحاتٍ من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده..” ليثني على قول الصحابي مرجعا إياه لما تشرب الصحابة رضي الله عنهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن القرآن الكريم ساق الأستاذ بارشي آيات بينات وردت كوصايا في السبق إلى الخير والترغيب فيه؛ منها قوله عز وجل: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ، ومنها سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، ومنها ثناؤه على الصالحين من عباده إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ.

واسترسل الداعية إلى الله تعالى قائلا: “من كرم الله بعباده أن خصص أياما وشهورا وجعلها فاضلة، كالجمعة والعشر من ذي الحجة ويوم عرفة وشهر رمضان والأشهر الحرم، وأياما سن لنا فيها رسول الله ﷺ الصيام كالإثنين والخميس والأيام البيض والتاسع والعاشر من المحرم ويوم عرفة لغير الحاج وما استطاع المومن والمومنة من شهر شعبان فليغنما”. واستدرك حاثا على العمل الصالح الدائم: “وإن كان المطلوب من المومنين اغتنام أيام العمر كله”. فالعمر -يضيف المتحدث- قدَّره الله وقسَّمه سنوات وشهورا أو أقل من ذلك، أخبر القرآن عمن فاتهم الاغتنام فندموا حين وقت لا ينفع الندم، قال ﷻ: حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كلاَّ، ويقال لمن اجتهد وصبر كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ.

ومن هذه الأشهر المباركة المخصوصة بالفضل الزائد ذكر المتحدث شهر شعبان، تقول أم المومنين عائشة رضي الله عنها: “كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان”. ولمعرفة كنه ذلك سألَ سيدنا أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- رسول الله ﷺ لمَ يكثر من الصوم في شعبان، كان الجواب عليه الصلاة والسلام: “شهر تغفل الناس فيه عنه.. وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين”، يحب ﷺ أن يرفع عمله وهو صائم، ومن تمام حرصه ﷺ على أمته أن ترفع أعمالها إلى الله وهي صائمة فسن لها صيام هذا الشهر ما استطعنا إليه سبيلا، يعلق الأستاذ بارشي.

وليلة النصف من شعبان لها فضل عظيم، يردف الأستاذ بارشي مستدلا بقول رسول الله ﷺ: “إنَّ اللهَ لَيَطَّلِعُ في ليلةِ النِّصفِ من شعبانَ، فيَغفِر لجميعِ خلقِه إلا لمشركٍ أو مُشاحنٍ”، معتبرا هذه فرصة للتسامح والتغافر حتى لا يفوتهم هذا العطاء.

هذا التفاضل بين الناس والأماكن والأيام، يقول المتحدث، هو من مقتضيات حكمة الله تعالى، الذي خص أمة حبيبه المصطفى ﷺ بأيام وشهور لم تعطَ للأمم السالفة فضلا منه ومنة جل شأنه. ومما تكرم به سبحانه -يضيف- عليها شهر رمضان؛ شهر القرآن، قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ. ليحيل على أحوال السلف الصالح في التعامل معه حيث كانوا رضي الله عنهم يسألون الله أن يبلغهم رمضان، ليدركوا ما يتنزل فيه من رحمات وكرم إلهي لا يكون في غيره من الشهور لما ورد عن النبي ﷺ “إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفِّدت الشياطين ومردة الجن، وغلِّقت أبواب النار فلم يفتح منها بابٌ، وفُتِّحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة”. ودعا إلى تدبر قول المنادي يا باغي الخير أقبل، فشهر رمضان شهر التوبة والإنابة إلى الله، شهر الاجتهاد والإقبال على الله، شهر الصيام والقرآن.

ومن خصائص هذا الشهر الكريم ما أخبر عنه ﷺ أن القرآن والصيام يشفعان يوم القيامة لصاحبهما “يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان”، فالله عز وجل جمع هاتين المكرمتين في شهر رمضان.

وهو أيضا شهر القيام، أخبر ﷺ أن “أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل”، لذلك رغب في القيام فقال “عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم…”، وفي شأن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حين رأى رؤية وبلغت رسول الله ﷺ قال: “نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل”، يكمل الأستاذ بارشي.

وذكر في ختم حديثه بحديث لرسول الله ﷺ جمع فضائل الأعمال يقول فيه: “الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ المِيزانَ، وسُبْحانَ اللهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ -أَوْ تَمْلأُ- ما بيْنَ السَّمَواتِ والأرْضِ، والصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهانٌ، والصَّبْرُ ضِياءٌ، والْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ، أوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُها، أوْ مُوبِقُها”، ويقرأ معانيه بقوله: الحديث يخبر أن الناس منازل ومراتب: من باع نفسه لله ربح البيع، ومن أعتقها من عذاب الله نجى، ومن ترك نفسه للموبقات هلكها نسأل الله الحفظ، والصنف الأخير هو بيع كذلك لكن للهوى والشيطان فخسر البيع.

وينهي حلقته بأبيات استقاها من لطائف المعارف:

مضى رجب وما أحسنت فيه

وهذا شهر شعبان المباركْ

فيا من ضيَّع الأوقات جهلاً

بقيمتها أفق واحذر بَوَارَكْ

تدارَك ما استطعت من الليالي

فخير ذوي الفضائل من تداركْ