أكد الكاتب التونسي الأستاذ زياد بومخلة، أن الاستبداد كما وصفه الكواكبي بأنه “رأس كل داء”، هو المانع الحقيقي وهو الحائل الحقيقي أمام نهضتنا “وبالتالي لا يجب أن يكون هناك فرصة للتعايش معه بأي شكل من الأشكل”.
وكان الباحث السياسي والكاتب المقيم بتركيا زياد بومخلة، يتحدث في ندوة “الشباب ورهانات البناء والتحرير” هذا اليوم، الأحد 8 دجنبر 2024 ضمن أنشطة الذكرى الثانية عشرة لرحيل الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله بمدينة سلا، إلى جانب كل من سليمان الريسوني الكاتب الصحفي، ورشيد العدوني الباحث في القانون الدولي والأمن والجيوبوليتيك، ومحمد قنجاع الباحث في قضايا الفلسفة والفكر السياسي.
الجيل المحروم..
انطلق المتحدث في بداية مداخلته من دراسة علمية حديثة في هذه السنة أجرتها إحدى المؤسسات الألمانية عمرها أكثر من مائة سنة، وشملت هذه الدراسة 12 ألف شاب وشابة في 12 دولة العالم العربي، وشملت المرحلة العمرية بين 16 و30 سنة.
الدراسة التي وسمت الشباب العربي بـ “الجيل المحروم” في كثير من المجالات ومن فرص الحياة المتساوية والمتناسبة، أكدت وجود الفجوة بين ما هو موجود وما يمكن أن يكون، ولفت المتحدث حيال هذا الحرمان إلى أن الإشكال ليس في وجود الموارد في عالمنا العربي والإسلامي حضاريا واقتصاديا وغيرهما بقدر ما هو إشكال إدارة وتدبير الشأن العام وفي صياغة مشروع مجتمعي يجد فيه الشباب ذواتهم.
ومن خلاصات هذه الدراسة يقول بومخلة، هناك تراجع كبير لثقة الشباب في دولتهم القطرية والوطنية، ولفت إلى أن الشباب لا يحسون بالانتماء الحقيقي إلى دولهم بصورتها الحديثة باعتبارها دولة سالبة للحرية والحقوق ولا توفر الفرص لأن يكون الشاب فاعلا في المجتمع.
قضية الشباب قضية “شعاراتية” لتأثيث المشهد
وإضافة إلى ذلك، يؤكد المتحدث أن الثقة تغيب بشكل أكبر لدى الشباب تجاه البرلمانات والنقابات والأحزاب والهيئات والمنظمات بشكل عام، لأنها لا توفر البديل الحقيقي، وقد تكون هناك تفاوتات في هذه المسألة من دولة إلى أخرى.
كما أن أنماط النموذج الديموقراطي صارت أقل جاذبية بشكل ملحوظ بالنسبة للشباب العربي، وهو ما يراه ضرورة للبحث في كيفية صناعة النموذج الذي يمكن أن يخرجنا من هذه الأزمة العميقة.
وأجمل المتحدث كلامه عن التحديات التي تعترض الشباب في ستة، أولها أن هذه القضية مستهلكة وشعاراتية فتحضر في مواسم الانتخابات وتغيب في خلافها، تحضر في وزارة الشباب الفلكلورية والوزارات التي تقدم فقط مشاريع لتبديد طاقة الشباب واستهلاكها وتحويلها إلى منتجات غير صالحة لصناعة مشاريع مستدامة تنمو بالمجتمع، وتساءل عن فكيفية تحويل القضية الشبابية إلى قضية حقيقة وبناء المشاريع، وليس فقط رفعا للعتاب عن هذه المؤسسات في هذه المناسبات.
من يتمكن منه اليأس لا يصنع مشروعا نهضويا
وأكد المتحدث في التحدي الثاني أن الهزيمة النفسية والخوف الكبير من المستقبل والعجز، واقع مؤلم مرتبط بالشباب أنفسهم في العالم العربي، لافتا إلى أننا “نحتاج إلى الخروج من هذه الحالة النفسية إلى الحالة التي فيها إرادة وتحد، لأنها ليست قدرنا بل قدرنا أن نصنع حالة متحركة ولا نضل في هذه الوضعية”. وتابع يقول: “من يتمكن منه الفشل واليأس والإحباط لا يمكن أن يصنع مشروعا نهضويا للبناء والتحرر، وهذا يقتضي معالجة النفسية أولا”.
أما التحدي الثالث فهو “ثقافة الضحية والمظلومية والانتظارية”، مشددا على أننا في حاجة إلى التغلب على هذا العائق من أجل التحول إلى قوة اقتراحية حقيقة. وأضاف في التحدي الرابع كلاما مهما عن “الاستقرار الاجتماعي ومنطقة الراحة مقابل الفاعلية الاجتماعية”، أي طغيان ثقافة “الكسب السريع” الذي تكون عواقبه وخيمة على الأفراد والمجتمع مقابل ثقافة البذل والاجتهاد والتضحية والنضال التي تستمر استاريجيا.
وأضاف في خامس هذه التحديات؛ تحدي النموذج، موضحا أن النماذج التي تقدم للشباب العربي اليوم تغلب عليها التفاهة، وشدد على أننا نحناج نماذج في الأخلاق والقدوات، كما أكد أن الجيل الحقيقي الذي يستحق أن يقدم نموذجا اليوم هو جيل الطوفان في غزة، الذي استطاع أن يقدم نموذج ويبدع ويبهر العالم رغم كل ظروف الحصار التي فرضت عليه.
“التيار الجامع” أساس البناء والتحرر
وفي سادس هذه التحديات ركز بومخلة حديثه عن “تحدي الرؤية والتصور”، موضحا أن كل المشاريع تبقى فضفاضة وغير مبنية على أساس إذا لم تكن هناك رؤية واضحة للبناء والتحرر.
واقترح المتحدث في مداخلته مداخل اعتبرها أساسا للبناء، لافتا إلى أن “فكرة التيار الجامع” من شأنها أن تخرجنا من البعد القطري الذاتي والتصدى لمشاكلنا كشباب في عالمنا العربي بعقل جمعي وبإرادة جماعية موضحا أن التجربة بينت أن العالم يقسمنا ويفرقنا ويستفرد بنا واحدا تلو الآخر “وبالتالي يصبح الرد طبيعي أن نتوحد ونصنع مقاربة جامعة”.
وتابع يقول: “اليوم نحتاج إلى تيار جامع في الأمة، وما نعنيه هو الاجتماع على مقاربة جامعة في قضايا أساسية” أولها “مشروع حضاري جامع” يخرج من التفاصيل والتحديات الظرفية إلى صياغة مشروع حضاري يجمع الأمة بكل شتاتها.
القضية الفلسطينية أهم مرتكزات بناء وتحرير الأمة
ويرى بومخلة أن القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية للأمة، هي ثاني مرتكزات هذا المشروع، موضحا أن “أقرب طريق للبناء والتحرر في عالمنا العربي والإسلامي هي فلسطين”، وأضاف: “اليومي أثبتت التجربة إنه إذا أسقطنا هذا المشروع الصهيوني في منطقتنا كل شيء ممكن أن يعالج بعد ذلك”.
وتحدث الكاتب التونسي المقيم بتركيا عن الاستبداد كما وصفه الكواكب بأنه “رأس كل داء”، معتبرا أنه “هو المانع الحقيقي وهو الحائل الحقيقي أمام نهضتنا وبالتالي لا يجب أن يكون هناك فرصة للتعايش معه بأي شكل من الأشكل”.
وقال إن فعل التغيير والإصلاح يحتاج إلى تعزيز النقاش عن كيف يمكن أن تغير أوضاعنا بوسائل مختلفة تتضافر فيها الثورة مع الاصلاح الاجتماعي مع كل الاشكال التي يمكن أن تخدم هذا المسار.
وبينما أكد أن الطائفية لا تقل خطورة على الأمة ويجب محاربتها لأنها تشق الأمة وتفرقها؛ أكد أيضا أن الدولة القطرية، أصبحت وكأنها دستور جامع أسر الجميع بمن فيهم النخب، ولفت إلى أن الضرورة لا تستدعي بالضرورة اليوم إسقاط الحدود، لكن الأمة في حاجة إلى التفكير بعقل جمعي وتحقيق الوحدة في حدها الأدنى.