“موقِف ساعةٍ في سبيل الله خيرٌ من قيام ليلة القدر عند الحجرِ الأسود” 1 حديث عجيب أورده الأستاذ مصطفى حمور عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه كان في الرِّباط ففزعوا إلى السَّاحل، ثم قيل.. لا بأس، فانصرف النَّاس وأبو هريرة واقف، فمرَّ به إنسانٌ فقال: ما يُوقِفُك يا أبا هريرة؟! فقال: سمعتٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. فذكر الحديث.
وذكر عضو الهيئة العامة للتربية والدعوة للعدل والإحسان، حديثا آخر عن ابن عمر رضي الله عنه أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “ألا أُنبِئكُم بليلةٍ أفضلُ من ليلةِ القدر؟ حارسٌ يحرٌس في أرض خوفٍ لعلَّه لا يرجعُ إلى أهله”أخرجه 2.
عمل أعظم وخير من ليلة القدر؟
وهذان الحديثان يقول المتحدث -يقول حمور في تصريح خص به موقع الجماعة- “يجمعان شمل المؤمن ويلمان أفقه وفهمه، ويرسمان له خط السير إلى الله تعالى الذي يـتأسس على سكتين يعبر عليهما قطار السلوك إلى الله تعالى: العبادة مع بذل الجهد لنفع الأخرين وهو الجهاد في سبيل الله تعالى، ومن معاني الجهاد في سبيل الله تعالى المذكورة في الحديثين: القيام لله ساعة حراسة وحماية للثغور ودفاعا عن الحمى المسلمين”.
وأبدى الأستاذ حمور تعجبه من عظمة الحديثين ومن عظمة العمل الذي دلا عليه، فقال: “عمل أعظم وخير من ليلة القدر؟ موقف وساعة فقط؟ عجبا عجبا هناك من الأعمال ما قد يفوق ثواب إدراك ليلة القدر وفي بيت الله الحرام وعند الحجر الأسود؟ يا أالله ما أحلمك وما أغفلنا”، وتابع: “حتى نعلم أن عبادة خدمة الناس والتعاون على صد العدوان لا تعدلها عبادة بين الخالق والمخلوق”.
ولفت إلى أن ما يتعرض له إخواننا وأخواتنا في غزة وسائر فلسطين من تقتيل وإبادة بمباركة من حكام العالم وأذنابهم يقتضي من كل مؤمن ومؤمنة -ينتظر نفحات ليلة القدر- أن يكون له إسناد ودعم وموقف واضح ودائم من قضية مقدسة من صميم الدين هي قضية فلسطين: بكلمة، بوقفة، بمال، بصراخ، بدعاء وبتحفيز الناس من أجل ذلك.
الإسراع إلى إغاثة الملهوف والتصدي للعتاة يحقق أجر ليلة القدر
وقال إن طلبة الكينونة مع أهل القدر حقا، هي طلبة الصادقين حقا وهم من شمروا عن سواعد الوقوف بباب الله تعالى والاستقامة على طاعته عبادا مفتقرين إلى رحمته، وأرجلهم في ميادين الذب عن شريعة الله ونصرة المستضعفين وأصواتهم تلهج بذكر الله تعالى تقول في وجه كل ظالم: الله أكبر الله أكبر.
وشدد على أن مواقف الشجاعة والصدع بالحق ونصرة المظلومين، هي من الأعمال التي قد يغفل عنها كثير من الناس، موضحا أن ليلة القدر إذا كانت بهذا الفضل والأجر غير المتناهي “فإن الإسراع إلى إغاثة الملهوف وإعانة المحتاج والتصدي للعتاة لمما يحقق أجرها وأكثر إن كان الفاعل مؤمنا صالحا فاعلا للخيرات”.
وفي وقت اعتبر فيه أن العشر الأواخر من رمضان هي تاج رمضان وذروة سنامه، ونورها وفضلها تستمدهما من احتوائها لليلة القدر التي يكفيها شرفا نزول القرآن الكريم فيها، شدد في المقابل على أن هذا القدر والمكانة العالية يقابلها المؤمن بالتعرض لنفحات الله تعالى فيها، أسوته في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر ويجتهد في العمل فيها أكثر من غيرها.
إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله
وأورد ما جاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها، وفي الصحيح عنها قالت: “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله”، وفي الصحيح أيضا أنها قالت: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين بصلاة ونوم فإذا كان العشر شمَّر وشد المِئْزر”.
فماهي الأعمال التي تندب في عشر القدر هذه؟ يتساءل المتحدث قبل أن يوضح: “المؤكد الواضح من الأحاديث والآثار الواردة في الباب أن هذا الوقت المبارك وهو الثلث الأخير من رمضان يخصص لمزيد من الإقبال على الله تعالى وزيادة واضحة في الجد والاجتهاد دلالة من المؤمن والمؤمنة على شغفه بربه والوقوف على بابه تعالى والتماسا للخير حيث الخير”.
وزاد موضحا أن من هذه الأعمال “الاعتكاف” وقد جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه من بعده.
حياة المؤمن تكون بقيام الليل
والقصد من الاعتكاف وفق حديث الأستاذ حمور هو “انجماع الهمة على الله تعالى، واجتماع الجوارح على طاعة الله تعالى والانصهار فيما يطلبه كمل الرجال صحبة لأهل الله المجاهدين في سبيل الله”.
فإذا كان الناس يحرصون على أخذ عطل للاستراحة وتجديد الهمة للعمل وخروج من العادة والإلف، فأن يكون للمؤمن في سنته عطلة للاعتكاف مع نفسه ويستغرق في العبادة ويجدد في أعماقه معاني الكمال الروحي، ويبعث في القلب مقامات التطلع إلى الله تعالى مع الصالحين العارفين أولى، يضيف حمور.
وبينما تحسر على مساجد الله تعالى “التي تمنع فيها إقامة الاعتكافات إحياء لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. إلى الله المشتكى”، تحدث الأستاذ حمور عن إحياء الليل وعن ضرورة جعله الروح والحياة. لأن حياة المؤمن تكون بقيام الليل، وقد وصف الله تعالى عباده المحسنين بأنهم كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ. مردفا أن إيقاظ الأهل “فيه معنى التعاون على طاعة الله وتحفيز الأقارب على الخير والمسارعة في القربات بالقدوة والمثال وليس بالتقريع والتوبيخ..”
من أراد أن يكلمه الله فليقرأ القرءان
وأشار حمور أيضا إلى “الاستغراق في تلاوة القرآن والاستماع إليه” باعتباره من الأعمال المندوبة في هذه العشر، مردفا أن الله تعالى أنزل القرآن الكريم في ليلة القدر “ومن تمام الاحتفاء به لزم أن تكون التلاوة في هذا الزمن أكثر، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستظهر الكتاب على جبريل عليه السلام مرة في غير رمضان وفي رمضان أكثر من مرة”.
وذكر قولة للحسن البصري رحمه الله يقول فيها: “من أراد أن يكلمه الله فليقرأ القرءان، ومن أراد أن يكلم الله فليدخل في الصلاة”. ثم وقف عند أهمية تلاوة القرآن مع الاستماع للمتقنين الكبار، مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد: “من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة”.
ومن الأعمال المندوبة فيما ذكره الأستاذ حمور “الذكر الكثير مع الدعاء” لأن الذكر مهجة القلوب وراحة الأرواح وترياق النفوس، موضحا أن “من لا ذكر له أنى أن تكون لعبادته معنى ولصلاته خشوع ولمناسكه خضوع”. مضيفا أن العبادات ما شرعت إلا لذكر الله تعالى. مصداقا لقوله عز وجل: وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِىٓ(طه – 14).
أحب الأعمال إلى الله أن تموت ولسانك رطب بذكر الله
وتابع: “والذكر أحب الأعمال إلى الله تعالى لأنه يعطي للأعمال نفسا طيبا وروحا زكية”، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أحب الأعمال إلى الله أن تموت ولسانك رطب بذكر الله”.
فلا يفتر المومن أبدا على ذكر الكلمة الطيبة المطيبة المجددة لا إله إلا الله، ولا يغفل في يومه عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تحقيقا لمعاني التعلق بالذات الشريفة، وتجده يخصص وقتا لمحاسبة نفسه والاستغفار بين يدي ربه. يقول حمور.
ثم يضيف ومن أدرك ليلة القدر يخصص لها هذا الدعاء، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: إذا أدركت ليلة القدر ما أقول. فقال صلى الله عليه وسلم: “قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”.
رفع الله ليلة القدر لشحناء وقعت بين رجلين
ومن الأعمال الطيبة التي ذكرها الأستاذ حمور لهذه الأيام “التصافي وسلامة القلب”، وذكر في ذلك واقعة رفع ليلة القدر، كما روى البخاري عن سيدنا عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: “خرجتُ لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان فَرُفِعَتْ، وعسى أن يكون خيرًا لكم، فالتمِسوها في التاسعة والسابعة والخامسة”.
وعلق حمور قائلا: “رفع الله ليلة القدر لشحناء وقعت بين رجلين، فلا يغتر المؤمنون بأعمالهم الصالحة وقرباتهم المتنوعة، فالمعول على المضغة/ القلب وما يسكنه وما يسكب فيه من أمداد الإخلاص والمحبة وحسن الظن والرحمة والسكينة”.
لأن “التصافي بين المؤمنين وسلامة القلوب، هو معيار الأفضلية عند الله تعالى”، يقول حمور مستندا إلى قول الله تبارك وتعالى حكاية عن نَبِيِّهِ إبراهيم عليه السلام: وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.
القلب السليم والحرص على عباد الله
واسترسل الأستاذ حمور موضحا أن هذه العشر “مناسبة كبيرة لتطهير القلوب من الشحناء والبغضاء والغل والحسد وإعلان العفو والسماح اتجاه الآخرين، وسيكون الغبن كل الغبن أن نطلب لأنفسنا من الله العفو ولا نعفو ونصفح”.
وذكر المتحدث قولة للإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله يقول فيها: ”القلب السليم كما تبيّنه السنة المطهرة هو قلب المؤمن الذي يحسن الظن بربه، يرجو رحمته ويخاف عذابه، يحبه ويحب رسوله، لا يتجسس على المسلمين، ولا يحسد، ولا يغتاب، ولا ينم. همه الله عز وجل، وجهده منصرف لبناء جماعة الجهاد ودعمها. وبسلامة القلب وصلاحه يتفاضل المؤمنون.”
ومما يسلم القلب ويطهره ما أخرجه الطبراني عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: «أَتَى النَّبِيَّ ﷺ رَجُلٌ يشكو قَسوةَ قَلْبِهِ، قَالَ: أَتُحِبُّ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ؟ وَتُدْرِكَ حَاجَتَكَ؟ اِرْحَمِ الْيَتِيمَ، وَامْسَحْ رَأْسَهُ، وَأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ يَلِينُ قَلْبُكَ، وَتُدْرِكُ حَاجَتَكَ” يقول حمور: “فلنحرص على أن نكون من عباد الله تعالى ولنحرص على عباد الله”.
الله أكبر يا غزة العزة
وتابع يدعو لأهل غزة يقول: “الله أكبر يا غزة العزة، اللهم في هذه الليالي المباركة الطيبة نسألك أن ترفع عن إخواننا ظلم الصهاينة وخذلان بني جلدتنا وتواطؤ المنافقين، اللهم إنا نستودعك أهالي غزّة وفلسطين فانصرهم واحفظهم بعينك التي لا تنام، واربط على قلوبهم وأمدهم بجُندك وأنزل عليهم سكينتك وسخر لهم الأرض ومن عليها. وأرنا في الصهاينة وأشياعهم ما تفرح به نفوسنا وتقر به عيوننا”.
وأضاف: “اللهم اجبر كسرهم، وداو جرحاهم، وارحم شهداءهم، واشف مرضاهم، ويسر لهم المأكل والمشرب والمأوى وكل ما يحتاجونه، وانتقم ممن ظلمهم، اللهم رب السماوات السبع وما أظلت ورب الأراضين السبع وما أقلت، ورب الشياطين وما أضلت؛ كن لنا ولإخواننا في غزة وفلسطين جاراً من شر خلقك كلهم جميعاً أن يفرط علينا وعليهم أحدٌ منهم أو أن يبغي علينا وعليهم، عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك ولا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. وأنت حسبنا ونعم الوكيل”.