انطلق الأستاذ سمير منسى من سؤال “هل الإسلام دين زهادة؟” محاولًا تسليط الضوء على مفهوم الزهد في الإسلام وتوضيح ما إذا كان يقتصر على الزهد الفردي والانعزال، أم يشمل أيضًا مسؤوليات مجتمعية يجب على المسلم أن يتحملها.
الحلقة التي تأتي ضمن سلسلة برنامج “حديث القلب” الذي تبثه قناة الشاهد الإلكترونية، افتتحها منسى بالحديث عن مفهوم حلاوة الإيمان لدى المسلمين، إذ ذكر أن العديد يعتقدون أن حلاوة الإيمان تتحقق بالعزلة والتقوقع والتفرغ للعبادة في المنزل أو في المسجد، بعيدًا عن أي ارتباط بالآخرين، لكنه تساءل: “هل سنحقق حلاوة الإيمان التي علّمها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة؟ أم أن هناك أمورًا أخرى يجب أخذها في الحسبان؟”.
مفهوم الزهد في الإسلام: توازن بين الفرد والمجتمع
وضّح الأستاذ منسى أن هذه الحلقة من البرنامج تستهدف طرح مفهوم متوازن للزهد، مشيرًا إلى أن الإسلام لا ينادي إلى الانعزال والانطواء بل يدعو إلى المشاركة في المجتمع والاندماج في الشأن العام مع القيام بواجبات العبادات. وأضاف أن فهم الزهد في الإسلام لا بد أن يشمل التوازن بين العبادة الفردية والمسؤوليات المجتمعية، لتحقيق الشخصية الإيمانية المتوازنة التي دعا إليها ديننا الحنيف.
وأورد منسى قول الله تعالى في سورة الحديد، التي تتحدث عن قضية مشابهة لما أبدعه أتباع سيدنا عيسى عليه السلام من الرهبانية، حيث يقول الله سبحانه وتعالى: “ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا…” [سورة الحديد: 27]. وقال منسى إن الله عز وجل لم يفرض الرهبانية بالطريقة التي ابتدعها أتباع سيدنا عيسى، لكنها كانت اجتهادًا منهم، وقد وصفهم الله بأنهم لم يراعوها حق رعايتها.
قصص من السيرة: دروس حول التوازن
استشهد منسى بقصة من السيرة النبوية تعزز مفهوم التوازن في العبادة، حينما زار سيدنا سلمان الفارسي، رضي الله عنه، صاحبه أبا الدرداء، رضي الله عنه، ووجده منقطعًا عن الدنيا متفرغًا للعبادة، حتى إن زوجته كانت متبذلة بسبب قلة اهتمامه بأمور الدنيا. فقام سلمان بتوجيه أبي الدرداء بأن يعطي كل ذي حق حقه؛ حيث دعاه إلى الإفطار خلال النهار والنوم لجزء من الليل، فقام للقيام في وقت متقدم من الليل، فتحدث إليه وقال له: “إن لربك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، ولنفسك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه.” وعندما علم النبي صلى الله عليه وسلم بما فعله سلمان قال: “صدق سلمان”، مما يدل على أن الإسلام يقدّر التوازن بين الواجبات الفردية والأسرية والمجتمعية.
الإمام عبد السلام ياسين: هم الفرد لا ينفك عن المصير الجماعي للأمة
انتقل الداعية منسى إلى الإشارة إلى ما كتبه الإمام عبد السلام ياسين، رحمه الله، حول مفهوم التوازن بين العبادة والمشاركة المجتمعية، حيث قال في كتاب الإحسان: “إذا كنت وحدك في خلوة، همّك نفسك ومصيرك ومقامك عند الله، فلا تبالي. أما إذا كان هم مصيرك ومقامك لا ينفك عن همّ الأمة ومصيرها، فما في المسلك الصوفي بهذا الصدد لك من أسوة.” وأضاف الإمام أن طريق الإسلام هو طريق الجهاد الذي يتجسد في إطعام الجائع، ودعوة الغافل، ومخالطة الناس وتنظيمهم في صف الجهاد مع دوام الذكر والاستمساك بحبل الله.
وأشار منسى إلى أن هذا الكلام يجسد مفهومًا شموليًا للإسلام، حيث يجب على المسلم أن يكون متوازنًا في حياته بين عبادته وخدمته للناس، وأن يشعر بمعاناتهم ويشاركهم همومهم، ويعمل معهم لتحقيق العدل والسعي لرفعة الأمة.
الإسلام والمجتمع: دور الفرد في الإحياء والتغيير
وختم المتحدث كلامه مؤكدًا أهمية ارتباط المسلم بمجتمعه، معتبرًا أن الإسلام ليس مجرد دين شخصي يُمارس في عزلة، وإنما هو دين جماعي يدعو إلى العدل والتكافل والمسؤولية المجتمعية. وأضاف أن مسؤولية المسلم تتعدى نفسه لتشمل العائلة، والجيران، والمجتمع، والأمة بأسرها، داعيًا جميع المسلمين إلى أن يعيشوا مع الناس، ويشاركوهم قضاياهم، ويسعوا معهم لتحقيق الإصلاح والعدل الشامل.
ودعا منسى إلى إحياء التوازن بين العبادة والعمل المجتمعي في حياة المسلمين، مذكرًا بأهمية العمل من أجل خير الأمة وتذوق حلاوة الإيمان عبر تحقيق هذا التوازن الذي تكون فيه خدمة الأمة إلى جانب العبادة الفردية.