بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين.
كلمتي هذه أوجهها لسادتي في غزة، ولمكونات أمتنا، ولأبناء شعبنا المغربي، رغم أن الكلام لم يعد يجدي نفعًا. فقد أمطرنا الأعداء سبًّا وشتما وشَجبًا ونقدا، فلم يتزحزحوا عن ظلمهم قيدَ أنملة، وأشبعنا أهلنا في غزة بعواطف الرِّفق والشفقة والحنان، فلم تُطعمهم من جوع، ولم تُؤمِّنهم من خوف. فالأعداء لا يصدّهم عن ظلمهم إلا قوةٌ رادعة، وأهل غزة لن ينقذهم من الحصار إلا هبّةُ الأمة، وأحرارُ العالم، لكسر هذا الحصار.
فأقول، وبالله التوفيق:
لكم الله يا أهل غزة، إن أكبادَنا لتذوب خجلاً من تفريطِنا وتقصيرِنا في حقكم، وتكاد تنفطرُ حنقًا وغيظا، مما يُمارَس عليكم من تقتيل، وتشريد، وتجويع، وتعطيش، فصبرا صبرا، فإن موعد شهدائكم الجنة، ومن تبقى من الأحياء منكم، ونجا من الإبادة الجماعية، فيريد الله سبحانه وتعالى عز وجل أن يمنّ عليه بالنصر والتمكين تحقيقًا لوعده: “ونريد أن نمنّ على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين”.
ويريد الله سبحانه وتعالى للصهاينة أن يوصلهم إلى قمة الفساد والاستعلاء، ليحق عليهم القول، فَيُدمّرهم الله سبحانه وتعالى عز وجل تدميرًا. فاصبروا، وصابروا، ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تفلحون، فشدة البلاء تُلحقكم بالنبيئين والصديقين والشهداء.
اعلموا أن ابتلاءنا أكثر من ابتلائكم وأشدّ
واعلموا أن ابتلاءنا أكثر من ابتلائكم وأشدّ، لأننا مأمورون بالوقوف إلى جانبكم، وبمناصرتكم. الله سبحانه وتعالى ابتلانا، ليَعلم من ينصره ورسله بالغيب، وإلا فهو قادر، سبحانه وتعالى عز وجل، أن يُدَمّر الصهاينة ومن والاهم في رمشة عين، ولكنه يريد أن يُقيم الحجّة علينا.
وصدق الله العظيم إذ يقول: “ولو شاء الله لانتصر منهم، ولكن ليبلو بعضكم ببعض”. فإن لم نبادر إلى نصرتكم، فهو، والله، خزيٌ وعارٌ وحسرةٌ دنيا وأخرى.
واطمئنّوا سادتي، أننا معكم في جماعة العدل والإحسان قلبًا وقالبًا، فأنتم تسكنون وجداننا، ولا نمل من الدعاء معكم في خلواتنا وجلواتنا، ولا نكلّ من النزول إلى الشوارع والساحات، منددين بجرائم العدو، ومستنكرين مواقف الحكام المخزية من قضيتكم.
ومما يؤسف له، أن آهات وصرخات أطفالكم ونسائكم ورجالكم، لا تجد صدى إلا عند المستضعفين، الذين لا حول لهم ولا قوة. أما من بيده الحول والقوة، فآذانهم صمّاء، قد أسمعتَم لو ناديتَم حيًّا، ولكن لا حياةَ لمن تنادي.
لأي عدو تُعَدّ ألاف الجيوش؟
وبمناسبة هذا اليوم العالمي لنصرتكم، نستصرخ معكم من بقي في قلبه ذرة من المروءات والشهامة من الحكام، ليَنهضوا لنجدتكم، ونسألهم: لأي عدوٍ تُعدّون آلاف الجيوش؟ وتقتنون أصنافا شتى من الأسلحة؟ تُنفقون عليها من أموال الأمة ما يكفي لعيشه الكريم، هل هناك عدو يهدد وجودكم أخطر من العدو الصهيوني؟ اللهم، إلا إن كان إخوانكم المجاورون لكم، المفروض عليهم وعليكم أن تتصالحوا معهم، وتشكلوا قوةً واحدة، لا أن تحاربوهم ويحاربوكم!
كيف تستلذّون الطعام والشراب والنوم، ومشاهد الجوعى الذين باتوا هياكل عظمية، جلودٌ لاصقة بالعظم، وأشلاء الموتى تنهشها الكلاب في الطرقات؟
ألا تخافون ممّن ملّككم، أن يَخسِف بكم الأرض، أو ينزل بكم العذاب المهين؟
إلى علماء الأمة
وأنتم يا علماء الأمة، لا تقتصروا على ما تُصدرونه من بيانات، فالأمر يتطلب منكم النزول إلى الساحات، لتوجيه الأمة، وتوعيتها، وبث معاني الشهامة، والرجولة، واليقين في الله سبحانه وتعالى.
الأمر يتطلب أن تقودوا الأمة، وتتصدّروا مسيراتها واعتصاماتها، للضغط على أصحاب القرار، ليَنحازوا إلى قضية الأمة، ويَقطعوا العلاقة بإسرائيل وحلفائها، فهم يملكون أسلحةً فعالة فتاكة، من غير أسلحة الحرب! فالسلاح الاقتصادي أصبح أقوى سلاح، انظروا كيف تستعمله أمريكا وأوروبا في الضغط على إيران، فمنع المواد التي تُغذّي شرايين اقتصادهم، والامتناع عن اقتناء بضائعهم، لكفيلٌ أن يُغيّروا مواقفهم، لأنهم أصحاب مصالح، لا أصحاب مبادئ.
تحرّروا من قيود الأنظمة، التي تريدكم أن تُطبّلوا لسياساتها، وتدعموا حكمها، فبئس العلم الذي لا يُورث خشية الله، ولا يدفع صاحبه إلى مناصرة المظلومين.
تذكّروا قصة العابد الذي قضى حياته في عبادة الله، في قرية ضالة منحرفة، فلما جاءت الملائكة لتدميرها، تحرّجوا، ورجعوا إلى الله تعالى قائلين: إن فيهم فلانًا ليس منهم، فقال سبحانه وتعالى عز وجل: ” به ابدأوا، لأنه لم يتمعّر وجهه في سبيلي قط”، أي لم يُؤذَ في الله سبحانه عز وجل.
إلى شعوب الأمة وأبناء الوطن
وأنتم، أيها الشعوب المسلمة، ألا تقتدون بشعوب أوروبا التي تخرج إلى الشوارع مناصرةً لأهل غزة، متحديةً أنظمتها وقوانين بلادها؟ فمن أولى بهذه النصرة؟ أنتم أم هم؟ أنتم تجمعكم بأهل غزة روابط الدين، والجغرافيا، والتاريخ، واللغة، أم الأباعد؟
إنكم، يا أمتنا، لستم بمنأى عمّا يُلاقيه إخوانكم في غزة من أصناف الهوان والعذاب، فالدائرة عليكم، طال الزمن أم قصر، إن لم تهبّوا لنصرة إخوانكم.
وأطلب من أبناء وطني الحبيب، أن يُدركوا الخطر المحدق بنا، من جرّاء فسح المجال لتوغّل المدّ الصهيوني في مجتمعنا، سياسيًا، وثقافيًا، واقتصاديًا، وفنيًا.
إننا معرّضون، والعياذ بالله، لهيمنة الصهيونية في كل شؤون حياتنا، إن لم نهبّ جميعًا، للوقوف سدًّا منيعًا أمام هذا التوغّل المتزايد الذي فتح أبوابه بعض المتنفّذين والمتصهينين من أبناء جلدتنا.
عصم الله مغربنا وأمتنا والبشرية جمعاء من شرّ الصهاينة وأذنابهم، وأملُنا في الله سبحانه وتعالى عز وجل أن يدفع عنا كيد الكائدين ومكر الماكرين، ولنا يقينٌ فيه، سبحانه وتعالى عز وجل، أن هذه المعركة التي بدأها إخواننا في غزة سيكون مآلها، إن شاء الله تعالى عز وجل، الهزيمة النكراء للأعداء، والنصر والتمكين والفتح المبين للمجاهدين في سبيله، وإن طال أمدها.
فاستبشروا خيرًا يا أهل غزة، فإن جهدكم وجهادكم لن يذهب سدى، فالعاقبة للمتقين، ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا. وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: كتب الله لأغلبن أنا ورسلي، وأقسم سبحانه وتعالى عز وجل بجلاله وعزته أن ينصر المظلوم، ولو بعد حين: “وعزتي وجلالي، لأنصرنك ولو بعد حين.” ولن يُخلف الله سبحانه وتعالى وعده.
فاللهم نصرك المبين لإخواننا في غزة، اللهم فرّج عنهم، اللهم أطعمهم من جوع، وآمِنهم من خوف، اللهم كن لهم وليا ونصيرا، اللهم اكفنا شرّ أعدائنا بما شئت، وكيف شئت، اللهم عليك بالصهاينة وأذنابهم، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم إنّنا مغلوبون فانتصر، فإنه لا حول لنا ولا قوة إلا بك، تعزّ من تشاء، وتذلّ من تشاء، بيدك الخير، وإليك المصير، وأنت على كل شيء قدير. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك، وأتوب إليك، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته