موجة التطبيع لا يمكن أن تخترق الرفض الشعبي الراسخ
يرى الأستاذ محمد عبادي أن “موجة التطبيع” الراهنة في المنطقة العربية، هي “جزء رئيس من مخطط تصفية القضية الفلسطينية ضمن ما يُعرف بصفقة القرن، وهي بدورها جزء من إعادة ترسيم الشرق الأوسط وسائر المنطقة بما يخدم مصالح القوى المستكبرة النافذة دوليا والأنظمة العربية المتسلطة محليا وإقليميا”. ومواجهة هذه الخطة الصهيونية رهين بتماسك الجبهة الفلسطينية الداخلية، وبطبيعة الفعل الشعبي.
ولفت الأمين العام لجماعة العدل والإحسان في حوار أجراه معه موقع “عربي 21” يوم أمس إلى أن الرفض الشعبي الراسخ للتطبيع في دول التطبيع القديمة (مصر والأردن) وفي الموجة الجديدة، ومعه تنامي المقاطعة الثقافية والأكاديمية وحتى التجارية في عدد من دول أوربا والعالم، يكشف “أن الجدار صلب أمام محاولة الاختراق الصهيوني هذه، وليس بالرخاوة التي يتوقعها المُطبّعون”.
وفي الحوار ذاته يوضح الأستاذ عبادي أن خيارات جماعة العدل والإحسان في مواجهة التطبيع من خيار الشعب المغربي وعموم الأمة المسلمة، وهي متعددة؛ “تنطلق من الرفض المبدئي الراسخ في قناعات الأفراد، وتمر عبر التعبير الصريح القاطع بكافة أشكال التعبير من الكلمة إلى المشاركة في الأشكال الرافضة مثل الاحتجاج، والسعي في تكتل القوى المدنية والسياسية والدعوية والعلمائية، ووضع الأحلاف والمواثيق الرافضة لهذا الاختراق، الذي يريد من خلاله كيان الاحتلال الصهيوني تطبيع وجوده في وعي وواقع الأمة”.
وذهب المتحدث إلى أن التطبيع لا يمكن تمريره بسهولة، ولا يمكن أن ينطلي على الشعوب التي آمنت بقضيتها، وهو ما يظهر في مصر منذ اتفاقية كامب ديفيد قبل 41 سنة، وفي الأردن منذ اتفاق وادي عربة قبل 26 سنة، وفي فلسطين نفسها منذ اتفاق أوسلو قبل 27 سنة وما لحقه. وكل ذلك، وغيره من خيانات الأنظمة، لم يكشف وفق الأستاذ عبادي “إلا أننا إزاء أمة عظيمة، تواصل المقاومة، وتراهن على قرارها الذاتي المنفصل عن قرار حكامها، وتعتمد طول النفس، وتنظر إلى الأمام، مهما كانت لحظة التطبيع الرسمي كالحة، ومهما بدا لوهلة أن الأمر تم وانقضى”.
القرارات للملك وباقي المؤسسات للتبرير والتسويغ
واستغرب الأمين العام من تبرير الجمع بين “ادعاء دعم القضية الفلسطينية ووضع اليد في يد مغتصب فلسطين الذي شرّد أهلها وما زال يحتل أقدس بقاعها ومعظم أراضيها ويعتقل خيرة شبابها. وكأن ما سيجنيه الاحتلال من معاملات تجارية، مثلا، مع المغرب سيضعه في رصيد الفلسطينيين”.
وبينما يرى فضيلة الأمين العام للجماعة أن العقلاء لا يرون تعارضا بين القضايا الوطنية وتبنّي القضايا الإنسانية والإسلامية العادلة، يشدد على أنهم “لا يتنكّرون لإنسانيتهم ولقيمهم الأصيلة التي تعطي للقدس والأقصى وفلسطين مكانة معتبرة في المنظومة الحضارية الإسلامية من أجل وهم مصلحة خاصة”.
وإذا كانت المؤسسة الملكية هي التي اتخذت قرار التطبيع وغيره من القرارات التي تحتكرها في القضايا الكبرى والمهمة والاستراتيجية، وهو “ما يحملها المسؤولية الأولى عن هذا القرار الخطير”. إلا أن “المؤسسات الشكلية من رئاسة الحكومة، والحكومة، وغيرهما، مما يقع تحت مسمى المؤسسات المنتخبة تتحمل كامل مسؤوليتها في التوقيع والتبرير وتسويغ والدفاع عن هذا القرار في هذه اللحظة الصعبة. والتاريخ حَكَم، وهو يسجل. والمسؤولية جسيمة غدا يوم القيامة”. يقول الأستاذ عبادي.
وأوضح الأستاذ عبادي أن حدث التطبيع في الحالة المغربية -بقراره والتبرير له رغم وضوح خطئه- جاء “ليكشف ما كان مخبّأَ ولتستفيق فئات عريضة من النخبة غير المغربية على الحقيقة المرّة”، في وقت بطّأ فيه ضعفُ الاطلاع والتتبع؛ من انكشاف الواقع الحقيقي لوضع السلطة في المغرب، ولآفاق الإصلاح والتغيير خاصة من قبل التيار الإسلامي المنخرط في السلطة بالشروط المجحفة التي بات يعلمها الجميع.
فرادة مشروع العدل والإحسان
وعن سؤال يتعلق بـ “فرادة مشروعها التربوي والسياسي”، اعتبر الأمين العام للعدل والإحسان أن الجماعة “ترى أن جوهر الوجود الإنساني في هذه الحياة هو عبادة الله سبحانه وتعالى ومعرفته، وتركز على أن الدين ليس طقوسا شكلية ولا عبادات فارغة من كل روح. بل الدين عندها كما في حديث جبريل عليه السلام، إسلام وإيمان وإحسان، أي أن عملية تزكية النفس بصحبة الصالحين والأخيار وبالعبادات والذكر ومجاهدة النفس لا تتوقف حتى يأتينا اليقين (الموت)، لأن الترقي في معراج القرب من الخالق الكريم سبحانه لا حدود له”.
وتابع مسترسلا: “نريد أن نعرف ويعرف الناس، وأن نتعلم ويتعلم الناس، أن الله سبحانه يُحِب ويُحَبّ، وأن العلاقة برسوله الأكرم صلى الله عليه وسلم حيّة حبا واتباعا واستنانا واقتداءً، وبأن المسلم رفيق رحيم بخلق الله، صادق مع نفسه ومع مبادئه ومع غيره، إيجابي في هذه الحياة أينما حل وارتحل، يَعْمُرها بالخير والسلم والتعاون على البر والتقوى مع الجميع”.
وهذا البعد التربوي العميق (الإحساني)، الذي تركز عليه الجماعة، لا يكتمل وفق الأستاذ عبادي “دون البعد الثاني وهو المستوى السياسي (العدلي)، فهذا المؤمن والمسلم الذي نريد له خلاصا وربحا وفوزا عند مولاه، لن يسلك في أذنه هذا الخطاب الإيماني الإحساني إذا كانت تصده صواد الظلم الاجتماعي والاستبداد السياسي والاحتكار الاقتصادي، فلا يجد قوت يومه، ولا يصادف سوى الظلم والاحتقار والتخلف والدونية”.
أسس الميثاق الذي تطرحه الجماعة على الفرقاء
وفي حديثه عن “الميثاق الجامع” أشار المتحدث إلى أنه ميثاق يروم تحقيق التغيير حتى تصبح الدولة خادمة للمجتمع ومعبرة عنه. وهو ينبني على عدة ركائز أساسية، أولا أنه يتّسع للجميع ولا يقصي أحدا، “يتسع لجميع من يريد أن يبدأ خطوة إعادة البناء الصحيح من أجل خدمة المجتمع والإنسان والمواطن، لا ترسيخ حكم التسلط والاستبداد”. وثانيها أنه “لا يشترط حدودا حمراء ولا خطوطا صفراء ولا مناطق رمادية”، يطرح كل شيء للنقاش، وفي مقدمة ذلك نظام الحكم من حيث طبيعته ومؤسساته وصلاحياته وكيفية ارتداده إلى دوره الأصلي والأصيل.
وثالث الأسس التي ينبني عليها الميثاق في حديث الأمين العام، أنه “يجري على أعين الناس وتحت بصرهم، لا يدعو إلى السرية والنخبوية، ولا يرتهن للمصالح الخاصة على حساب عامة الشعب”. ورابعها أنه “يراعي المرحلة الانتقالية، ويدرك تماما أنه يريد أن يحدث تغييرا كبيرا وهائلا، فيطلب من أطرافه أن يراعوا أنهم يؤسسون لانتقال، والانتقالات تنبني على التدرج وتحتاج حكمة عالية وصبرا وذكاء ونكرانا للذات”، ومن تجليات هذه المرحلة يضيف عبادي “ألا ينزع أحد إلى الغلبة والاحتكار والاستقواء بعمقه الشعبي أو الانتخابي، وأن ننحاز جميعا إلى قيم التشارك والتعاون والتآزر”.
وضعية الجماعة بعد ثماني سنوات لرحيل الإمام المؤسس
وبينما دعا الأستاذ عبادي إلى “الاطلاع الموضوعي” على مشروع الإمام عبد السلام ياسين في الذكرى الثامنة لرحيله، “والنظر فيما عرضه على الأفراد والجماعات من خلاص في الدنيا والآخرة”، يرى في الوقت ذاته أن “الجماعة بحمد الله تمضي في المشروع الذي آمنت به وندبت نفسها له، يقودها رجال ونساء بقدر ما يتحلون بالتواضع ولا يدعون لخطهم العصمة عن الخطأ، بقدر يقينهم فيما هم فيه من سداد في الرؤية وصدق في الباعث وجد في العمل ويقين في المستقبل”.
وأوضح الأستاذ عبادي أن الجماعةَ “لا تزحزحها الأحداث والخطوب مهما عظمت، ومهما تخاذل مَن تخاذل وغيّر مَن غير وبدّل مَن بدل”. مردفا أن شعارها الدائم أمثال هذه الآيات المباركة من الكتاب العزيز: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ، وأضاف: “يقيننا نستمده من مولانا عز وجل، ولنا قرارنا المستقل الذي تؤسسه قواعد وآليات الشورى، ولنا تقديرنا السياسي الذي نبنيه على تصور سياسي أسسه الإمام ياسين رحمه الله وطوره وأنزله رجال وأطر الجماعة التي لها عملها المنضبط لبرامج عمل ولائية وسنوية ودورية، ولها أدوات التقييم والتقويم وتدارك الخلل والنقص وتعزيز الأداء والنجاح، سعيا نحو غايتها التي رسمتها لنفسها رضا الله عز وجل وسعادة الإنسان واستقرار المجتمع وعدل الدولة”.