أجرى موقع الجزيرة نت حوارا مطولا مع الأستاذ محمد عبادي الأمين العام لجماعة العدل والإحسان، حول العديد من القضايا الهامة؛ منها الاحتجاجات الاجتماعية القائمة في المغرب وموقف الجماعة منها، وموقفها من النظام الملكي، وتجربة الإسلاميين بعد الربيع العربي، وطبيعة الجماعة ومشروعها التربوي والسياسي، ومقترحها للانتقال نحو مرحلة انتقالية تضمن كرامة الشعب وحريته.
فيما يلي نص الحوار:
وجهت لكم وزارة الداخلية اتهاما مباشرا بالوقوف وراء الاحتجاجات بمدينة جرادة، ما هو ردكم؟
ليست هذه المرة الأولى التي يتهم فيها النظام جماعة العدل والإحسان بالوقوف وراء الاحتجاجات، فالدولة تريد أن تشوّه سمعة الجماعة وتفصلها عن الشعب وتصورها للناس كأنها مصدر للقلاقل والفتن إمعانا في حصارها. إن ما أخرج الناس للاحتجاج هو الجوع والقهر والظلم والحياة البئيسة التي يعيشونها.
هذه هي الدوافع التي تخرج المظاهرات والاحتجاجات، وعوض أن تعالج السلطة هذه المشاكل الحقيقية وتتجاوب مع مطالب المتظاهرين السلميين، تختار الهروب إلى الأمام وتبحث عن شماعة تعلّق عليها الفشل.
قبل جرادة، كانت هناك احتجاجات في الحسيمة وزاكورة ومدن توصف بأنها تنتمي للهامش، كيف تنظرون لهذه الاحتجاجات؟
ستتناسل هذه الاحتجاجات وتتكاثر وتعمّ ما دامت الدواعي إليها موجودة، والضغط يولد الانفجار. فالإنسان الذي يُحرم من حريته ويُقهر ويهان وتنتهك كرامته ويفقر وتنهب ثروته وتبدد يمينا وشمالا في كل مجالات الفساد، سيحتج مهما أراد أن يضغط على نفسه ليتحمل أكثر، فطبيعته وغريزة حب البقاء تدفعه لأن يثور وأن يحتج وأن يطالب بحقوقه، ولن يسكت إلا إذا نالها. ولذلك نرى أن هذه الاحتجاجات ستتكاثر ما دام أن الدافع إليها موجود بقوة ويتفاقم.
هل تشارك جماعة العدل والإحسان في هذه الاحتجاجات؟
تشارك لأنها معنية بالأمر وهي جزء من الشعب، وهي تُكوى كما يكوى الآخرون، ولكنها لا تقود هذه الاحتجاجات ولا تتصدرها، فنحن نكون في الوسط لا متأخرين ولا متصدرين.
هل تؤطرون هذه الاحتجاجات؟
إلى حد ما، لكننا لا نتصدر هذا التأطير، بل نشارك في الاحتجاجات وفي الخروج مع الناس، ونحرص على ألا تذهب إلى الفوضى، فإخواننا يشكلون صمام أمان في هذه الاحتجاجات.
هل اعتقل أعضاء من الجماعة بسبب مشاركتهم في هذه الاحتجاجات؟
الذي أعلمه أنها استنطقت بعض الإخوان من أعضاء الجماعة، لكننا في دفاعنا ومواقفنا لا نفرق بين المظلومين أيا كانت اتجاهاتهم وعقيدتهم وأيديولوجيتهم، فدفاعنا عن المظلوم أمر عقيدة ودين وليس أمر سياسة، لأن الله عز وجل أمرنا أن نقف إلى جانب المستضعفين سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين.
ما رأيكم في تعامل الحكومة المغربية مع هذه الاحتجاجات؟
المعالجة المهيمنة هي القبضة الأمنية، والمعالجة الأمنية قد تُسكت الناس لفترة ما، لكن سرعان ما يزول مفعولها في ظل غياب المعالجة الجذرية لمشاكل الشعب، وأيضا في ظل التكسير التدريجي لحاجز الخوف. والحال أن المعالجة الحقيقية التي ينبغي أن تقوم بها الدولة هي الاستجابة لمطالب الناس المشروعة، وأن ترفع عنهم الظلم والضيم، وبهذا وحده تعالج جذور الأزمة وتنتهي أسباب الانتفاضات.
ينظر للتجربة المغربية في إدماج الإسلاميين في السلطة على أنها ناجحة بدليل قيادة حزب ذي مرجعية إسلامية الحكومة للمرة الثانية على التوالي، كيف تنظرون لهذه التجربة ولخيار الإصلاح في ظل الاستقرار الذي يتبناه حزب العدالة والتنمية وحليفه الاستراتيجي حركة التوحيد والإصلاح؟
لو طرح هذا السؤال في بداية ما سميته تجربة لكان من الممكن المجادلة في منطقها والغاية منها ومآلاتها. أما ونحن بصدد انتكاسة كبيرة ومدوية لهذا المسار فلا حاجة لمزيد من الإيضاح لما وقع.
الاستقرار يصنعه العدل، وإذا أرادت الدولة أن يبقى المجتمع مستقرا آمنا مطمئنا فعليها أن تعدل بين الناس، وتقسم الأرزاق وثروات الناس على الناس، وأن توقف البطش بالشعب، عند ذلك يحصل الاستقرار. وما دام الوضع كما نعيشه حاليا فلا يمكن أن نتحدث عن الاستقرار، اللهم إلا إذا اعتبرنا هذا الاستقرار بمثابة الهدوء الذي يسود قبل العاصفة. هذا الاستقرار يشبه هذا الوضع، والاستقرار الحقيقي يضمنه العدل.
أنتم بخلاف جماعات إسلامية أخرى مغربية وعربية ترفضون التغيير من داخل المؤسسات وتقاطعون الانتخابات، واخترتم الضغط من خارج المؤسسات وتربية الإنسان، إلى أي حد هذا الأسلوب أجدى لإحداث التغيير الذي تنشدونه؟
لا نرفض التغيير من داخل المؤسسات، هذه تهمة أيضا. لو كانت هناك ديمقراطية حقيقية لكان من الممكن أن نخوض نحن أيضا التجربة لتغيير الواقع من الداخل. ولكن الديمقراطية عندنا هي واجهة للعالم الخارجي، أما ما يطبق داخليا فهي التعليمات التي لا تخضع لأي قانون ولأي مصداقية أو شرعية، فالتعليمات هي المطبقة.
أما واجهة الديمقراطية فهي فقط للتمويه تجاه الخارج، ولجلب الشركات للاستثمار، ولضمان الاقتراض من البنوك، وما يطبق داخليا لا علاقة له بالديمقراطية. ونحن اخترنا ممارسة التغيير من خارج هذه المؤسسات، ونركز على بناء الإنسان لأننا نعلم أن هذه الخطة هي الصائبة، وهي الخطة التي سلكها الأنبياء عليهم السلام والصالحون، بناء الإنسان هو الذي يبني المجتمع وهو الذي يبني الدولة.
وما دام الإنسان مخربا من الداخل وطُمست فطرته، فلن يرجى تغيير من الأسوأ إلى الأحسن إلا إذا تغيّر هذا الإنسان. فتركيزنا منصب على بناء الإنسان وتربيته وتكوينه ليكون فعالا في تغيير محيطه نحو الأفضل، لأننا نسعى إلى تغيير شامل يشمل المجال الاجتماعي والتربوي والسياسي، وهذا يحتاج لأمد بعيد.
توصف الجماعة بالعدمية لكونها تتجاهل التقدم التدريجي الذي حقّقه المغرب على مستوى الديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان واستقراره السياسي مقارنة مع دول عربية مجاورة، لماذا تديرون ظهركم للجزء الممتلئ من الكأس؟
صحيح أن هناك بعض الإنجازات هنا وهناك، ونحن لسنا عدميين لننكر هذا، ولسنا في نفس الوقت بوقا لنسوّق لإنجازات نعتبرها هشة وبسيطة مقارنة مع حاجات المجتمع المغربي وانتظاراته ومقارنة أيضا مع النزيف الخطير الذي تتعرض له ثرواته جراء استشراء الفساد بصورة بنيوية داخل نظام الدولة. نحن في الحقيقة لسنا بصدد تقدم، بل مجرد إنجازات بسيطة تحولها آلة الدعاية الضخمة للسلطة إلى أهرامات وهمية، فعن أي تقدم نتحدث؟
والجواب عن هذا التقدم تكشفه التقارير الدولية والمحلية كذلك حيث تضع المغرب في أدنى المراتب في كل المجالات، في مجال التنمية البشرية ومجال التعليم، والحريات… وهو دائما يحتل المراتب الأخيرة. التقدم معناه أن تسير إلى الأمام، أما إذا كان الوضع يزداد سوءا ويزداد تدهورا واندحارا، فكيف نسميه تقدما؟
تعرفون أنفسكم بأنكم جماعة دعوية وسياسية، ألا ترون أن النزعة السياسية تطغى على الخطاب الدعوي والتربوي؟
العكس هو الصواب، نحن نهتم بالجانب الدعوي وبالأساس التربوي أكثر من اهتمامنا بالجانب السياسي، ونعتبره الأساس المهم من أسس العمل، ونرى أن السياسة جزء من اهتماماتنا، وهو جزء مهم لأنه منطلق لتحقيق العدل الذي من دونه ومن دون المدافعة عن هموم ومعاش الناس فلن يسمعوا دعوة ولا خطابا.
بل إننا لن نمتثل لمجموع الخطاب الإلهي الذي يأمرنا بالعدل والإحسان معا، لذلك ذكر الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله أنه “من أوثق عرى اﻹحسان العدل”. ولكن البعض لا يرى في الجماعة إلا الوجه السياسي فقط بحكم الحصار الذي تعيشه، ولو رُفع الحصار عن هذه الجماعة لاكتشف الناس أن الهم الأساسي والأول لها هو الهم التربوي والدعوي.
مرت حوالي خمس سنوات على وفاة مؤسس الجماعة ومرشدها الشيخ عبد السلام ياسين، هل أنتم استمرار لرؤى وأفكار المؤسس الدعوية والسياسية، أم كانت هناك اجتهادات وعمل من أجل مراجعة هذه الرؤى بما يتواءم مع التحولات الوطنية والإقليمية؟
الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله أمضى عقودا طويلة في الاجتهاد والتفكير العميق، والبحث والتأليف فيما ينصر دين الله وأمة رسوله صلى الله عليه وسلم وينفع الإنسانية، فالثوابت التربوية والدعوية والسياسية لا محيد عنها، سيرا إحسانيا إلى الله على محجة السلوك الميداني العملي الجماعي، ومدافعة للإفساد في الأرض والاستبداد، ودعوة الإنسان إلى الله برفق ورحمة.
أما ما كان من أمور تدبيرية أو تخطيطية، فتطويرها وتغييرها وتبديلها ساري المفعول دائما وأبدا في حياته وبعد وفاته. فالجماعة بطبيعة الحال بما لديها من مؤسسات شورية دائما تطوّر أساليبها وتطور شؤون إدارتها.
قلتم في وقت سابق إنكم لا تحرصون على الخلافة كشكل للحكم، وبالمقابل لا تقترحون أي شكل معين للنظام الحاكم، وإن ما يهمكم هو الحرية والعدل وحقوق الناس، أليس هذا الكلام مراجعة لأحد الأسس التي قامت عليها الجماعة وهو الدعوة لنظام حكم قائم على الخلافة على منهاج النبوة؟
لم نغيّر وجهة نظرنا، لأننا نقصد بالخلافة جوهرها ولبّها وليس شكلها، وكأن البعض يظن أننا سنعود بالعالم إلى حياة الجمال والخيام، هذا لا يقول به عاقل، فنحن أبناء العصر. نحرص على أن يكون لب الخلافة حاضرا، العدل والشورى والحرية والكرامة وحقوق الإنسان وبناء مجتمع قائم على التضامن وعلى التآخي والتكارم والتآزر، هذا هو لبّ الخلافة.
أما شكلها ووسائلها التدبيرية التنظيمية فهذا متروك للاجتهاد حسب مقتضيات العصر، وعندما تتحرر الأقطار الإسلامية من واقع الاستبداد والفساد وتعود للشعوب سيادتها وإرادتها، وحين تطرح قضية الشكل الممكن لتجميع قوى الدول الإسلامية، حينها سندلي باقتراحنا حول النظام السياسي الذي نراه إلى جانب المقترحات المتداولة، وتبقى للشعوب حرية الاختيار.
هل يمكن أن تلخصوا لنا باختصار ووضوح مشروعكم الدعوي والسياسي؟
مشروعنا الدعوي والسياسي يلخصه شعار الجماعة: العدل والإحسان، فالإحسان نقصد به التربية التي توصل الإنسان إلى المراتب العليا في التقرب من الله عز وجل، ليترقى في مدارج الدين من إسلام إلى إيمان إلى إحسان. ونقصد كذلك بالإحسان الدلالة العامة على فعل الخير للناس، ونقصد بالإحسان أيضا الإتقان في إنجاز المهام والمسؤوليات. وكل من قام بعمل ما ينبغي أن يجيده وأن يحسنه، هذا ما نقصد بمفهوم الإحسان.
أما مفهوم العدل فنقصد به تقسيم الأرزاق على قدر الاستحقاق بدلا من أن تستأثر بها فئة معينة، العدل في قسمة الأرزاق. والعدل في الحكم بدلا من أن يكون الحكم دكتاتوريا إجباريا، فلا بد من أن يكون الحكم قائما على الشورى والديمقراطية، ثم العدل بصفة عامة في كل ما يجري في هذا العالم.
قلتم إن ما يهمكم هو تحقيق العدل كيفما كان شكل النظام، هل هذا يعني أنكم لستم ضد النظام المغربي، بل أنتم تعارضون مظاهر الظلم وغياب الديمقراطية؟
لا مشاحة في المصطلحات، الذي يهمنا هو المضمون وماهية السياسة التي يمارسها النظام في تدبير شؤون الأمة، هل هي قائمة على العدل ومراعاة مصلحة العامة وتقسيم الأرزاق على الناس حسب الاحتياج والاستحقاق، أم أنه نظام استبدادي جبري قهري يتحكم في رقاب الناس يستغل ثرواتهم؟ وهذا هو الواقع الذي نعيشه.
إذن أنتم لستم ضد الملكية في المغرب وإنما تنتقدون ممارسات منافية للشورى والعدل..
نحن ضد الظُّلم، ولا نتشبث بالمصطلحات بل نتشبث بالجوهر. فكم من ملكيات عادلة قبل الإسلام وبعده، فالنجاشي كان من أعدل الناس وهو كان ملكا، وكم من أنظمة جمهورية تحمل هذا العنوان ولكنّها تُمارس الظلم والقهر في أبشع صوره كما هو الأمر في العالم العربي، وكم من ملكيات في أوروبا مثل بريطانيا تترك الأمر للأمة والشعب ليتصرف في شؤونه الخاصة وتبقى هي ملكية رمزية فقط. فالأهم عندنا هو إنشاء نظام عادل، وهذا ما نرحب به من غير الحاجة إلى السقوط في دوامة المصطلحات الخادعة.
يجري نقاش داخل الحركات الإسلامية في العالم العربي بشأن التمايز بين الدعوي والسياسي، أين أنتم من هذا النقاش؟
نحن نرى أن يكون هناك نوع من التمايز باعتبار التخصصات، لكن العمل العام في المجتمع والإسهام في الحفاظ على تماسكه ووحدته وهويته ينبغي أن يكون أساسيا للتربية والدعوة.
والإسهام في تربية الكفاءات المتصدرة للعمل السياسي والحرص على اتصافها بالصدق والأمانة ورعاية المسؤولية، حصانة للمجتمع وتربية وتوجيها دون تدخل في التفاصيل والجزئيات التدبيرية لها أهلها وتوكل إلى من له الخبرة والقدرة في تسييرها.
ولكن الوجهة العامة التي يسير بها المجتمع وتسير بها الدولة ينبغي أن تكون تحت سمع وبصر نخب وجمعيات المجتمع ومنها الهيئات التربوية والدعوية بعلمائها، الذين أكرمهم الله عز وجل بالنظرة الاجتهادية الربانية الجامعة للحفاظ على هوية الأمة والحفاظ على هوية المجتمع.
والتجارب السابقة في التاريخ بينت أن السياسة تطغى على الدعوة، تبتدئ الحركات التغييرية وتنطلق من المسجد، لكن مع مرور الأيام تتحول من الدعوة الربانية الإسلامية إلى سياسة محضة لا علاقة لها بالدعوة.
ونخشى أن نقع في نفس التجربة فلا بد أن يكون هنا وصل وتكامل لأن السياسة جزء لا يتجزأ من العمل الإسلامي. ونجتهد كما يجتهد غيرنا في حدود الالتقاء وحدود الانفصال بين ما هو دعوي وما هو سياسي.
بعد الربيع العربي، حققت الحركات الإسلامية في بعض الدول العربية اكتساحا انتخابيا، لكن هذه التجارب ما لبثت أن تراجعت وفشلت، كيف تفسرون هذا الصعود ثم الانتكاس؟
هو إفشال قبل أن يكون فشلا، فتكالب أصحاب الأهواء والمصالح محليا وإقليميا ودوليا بهذا الشكل الفاضح وبهذه الأساليب الفجة الجهنمية كان هو السبب الرئيس لما وصلت إليه الأوضاع في تلك البلدان.
كما أن الحركات الإسلامية لم تعط لها الفرصة للحكم عليها بالفشل. إنما اجتمع عليها القاصي والداني لإفشالها، وإن كان من لوم فهي لم تقدر حجم الكيد الداخلي والخارجي. ثم إن الفشل يرجع إلى عدم استيفاء الأسباب، لأن الله سبحانه وتعالى وعد من تحرك لأجل التغيير بالتمكين وبالنصر، فإذا تحرك في هذا الاتجاه المطابق لشرع الله عز وجل سيكون النصر حليفا له.
وإذا أخل بالأسباب إما في علاقته بربه سبحانه وتعالى بألا تكون علاقة عميقة فيها الإقبال عليه والتوكل والإنابة والخشية منه، أو في عدم استيفاء الأسباب وعدم مراعاة الظروف الراهنة ومراعاة الواقع والظروف الراهنة العالمية والإقليمية والمحلية، كأن تتسرع حركة ما إلى التغيير دون أن يكون في حسبانها ما يخططه الآخر وما يكيد لها، فتكون الانتكاسة كما هو حاصل وواقع في كثير من البلدان.
كُنتم من القوى المشاركة في حركة 20 فبراير ودعمتم الربيع العربي، ما هي قراءتكم للمشهد في العالم العربي بعد سبع سنوات من هذا الربيع؟
المشهد يعبّر عنه ما عليه الأوضاع الآن في العالم العربي والدول التي عاشت هذا الربيع العربي من فوضى ومن دمار ومن خراب ومن تقتيل ومن سفك الدماء. ولكن هذه الحالة لن تدوم إن شاء الله تعالى، فهو وضع يسهم في تربية الإنسان وإيقاظه من سباته ورده إلى ربه ليقبل عليه سبحانه وتعالى ليرفع عنه هذا الضيم وهذا الظلم والطغيان.
ثم إن هذا الوضع يدفع بالأمة كلها لأن تعيد النظر في علاقتها مع الآخر، مع الغرب الذي كان يتبنى في يوم ما شعارات براقة من قبيل حقوق الإنسان والشفافية والديمقراطية، فإذا الأحداث تكشف عن وجه بشع، ولم يعد عند شبابنا في توجهه العام من يعشق هذا النموذج.
أما بالنسبة للوضع الداخلي فقد كشف الواقع أن الحكام مجرد دمى تتلاعب بهم أهواؤهم وشياطينهم، وتتلاعب بهم القوى المستكبرة، وأنهم بعيدون عن الانحياز إلى قضايا الأمة والاهتمام بشؤونها. إن سنن الله وأقداره تجري لتوقظ الأمة كي تعيد النظرة فيما هي عليه فتقوم وتنشد الإصلاح والتغيير وتبني مجتمعها على أسس تضمن لها السعادة والاستقرار والأمن والطمأنينة دنيا وآخرة.
هل ترون أن العالم العربي بحاجة لربيع آخر؟
هذا ما أشرت إليه بالضبط، يقولون الحاجة هي أم الاختراع، والحاجة قائمة، فالوضع لا يرضي أحدا ولا يسرّ أحدا، الكل يتساءل ما المخرج؟ ما سبيل الخلاص؟ إذن هذا التساؤل سيفضي بالناس إلى البحث عن الطريق السوي لثورة أخرى، لانتفاضة أخرى، لحراك شعبي آخر، تراعى فيه شروط التمكين والانتصار. لقد كانت هذه الحركات التغييرية عفوية جماهيرية فقدت البوصلة، وفقدت من يُنظر لها ومن يخطط لها ومن يدفعها إلى الطريق السوي فكان مصيرها ما نراه في عالمنا العربي.
تورط عدد من الشباب المغاربة في أعمال إرهابية في أوروبا، وذهب عدد منهم للقتال في صفوف تنظيم الدولة المعروف بداعش، أي دور تقومون به كجماعة دعوية تربوية في تأطير الشباب وحمايتهم من الانجرار للتطرف الديني سواء داخل المغرب وخارجه؟
لا بد من أن نسأل ما الدافع لهؤلاء الشباب لأن ينتموا إلى تنظيمات عنيفة؟ بالنسبة لمن يعيش في الغرب عندما يرون أبناء الجالية المغربية يحشرون في مناطق هامشية لا تتوفر فيها شروط السكن ولا شروط الصحة.
فعندما يذهب ابن المغربي أو الجزائري إلى المدرسة وفي الشارع فيعاني من التمييز في المعاملة هذا سيولّد في قلبه الحقد على الغرب، فيبحث عن متنفس، فإذا وجد خطابا يبشره ويغريه بنموذج حياة أفضل سيستجيب، وكذلك بالنسبة للعالم العربي الذي ذهبت مجموعات منه إلى الانخراط في منظمات خارجية عنيفة.
بمعنى أن الوضع القائم هو من يدفع الناس للانضمام إلى الحركة التغييرية العنيفة التي يسمونها “جهادية”. ولو فسح لنا المجال لكانت تجربتنا الدعوية التربوية ظاهرة بينة أكثر للعيان. الآن من ينتمي إلى هذه الجماعة (العدل والإحسان) من الشباب يجد بيئة توفر له الحصانة من الانجرار إلى العنف وإلى المسارات المظلمة.
ثم إن سؤالا مهما ينبغي أن يطرح في هذا السياق حول من سهل أسفار هؤلاء الشباب الذين اختاروا سبيل العنف، وهم يعبرون المطارات والحواجز الرسمية ومن دعمهم وسلحهم وآواهم.
تهتم الدولة المغربية بشكل ملحوظ بدعم التصوف وتشجيع الزوايا ودعمها ماديا ومعنويا. أنتم كجماعة بملامح صوفية، كيف تنظرون إلى هذه الرعاية والاهتمام؟
لسنا صوفية، والتزكية التربوية التي نعتمدها في منهاجنا هي أساس هذا الدين. ونستمد أصلها من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنن أصحابه والعلماء المربين السائرين على منهاجه.
أما الدولة فتبحث عمن يؤيد سياستها ويتبنى أيديولوجيتها، وبما أن الزوايا الصوفية لها شعبية في المغرب فهي تريد أن تكسبها إلى صفها، فتغدق عليها الأموال والرعاية وتفسح لها المجال لأجل تبنيها ولأجل موالاتها، ولتجعل منها خصما لمن يقوم في وجهها، كي تبقي الحكم انطلاقا من سياستها المبنية على شعارها فرّق تسد، وتأبيد الصراع والتطاحن داخل المجتمع، حتى لا يتفطن الناس لما يراد بهم وحتى لا يشتغلوا بقضاياهم المصيرية التي هي تحقيق العدل ورفع الظلم عن الناس.
انفتحتم مؤخرا على بعض الوجوه اليسارية، ودعوتموهم إلى التنسيق بين القوى الحية الوطنية بناء على أرضية مشتركة، هل تشتغلون على إنشاء جبهة معارضة للنظام؟
نحن ندعو الغيورين على هذا البلد إلى ميثاق يشترك فيه الجميع، يضع خطة طريق للخروج من هذا المأزق الذي يعيشه المغرب على جميع المستويات. هذا النداء وجهناه مرارا ولا نزال نوجهه للجميع. والميدان يجمعنا، ونحن نريد أن يشترك الجميع في هذه الخطة، وفي وضع معالم للخروج من هذه الأزمة الخانقة.
والاستجابة محدودة وبطيئة الآن نظرا لطبيعة ما تستعمله الدولة من أساليب التخويف والترهيب، إذ تكبح جماح البعض وتمنعه من الانخراط في هذا المشروع. لكننا نظن أن الوضع سيزداد سوءا وسيضطر كل من له غيرة على هذه البلاد أن يجتمع حول طاولة الحوار لأجل صياغة ميثاق نضع من خلاله خطة تخرج هذا البلد من الوضع المتردي.
ونحن لا نريد لهذا البلد أن يصير لا قدر الله إلى فتنة قد لا يعلم أولها من آخرها، ونرى أن مرحلة انتقالية ومتدرجة وجدية ومعبئة لكل كفاءات البلد كفيلة إن شاء الله بنقل البلد إلى وضع أفضل تحترم فيه هوية الشعب وإرادته المستقلة وحريته، وتصان فيه كرامته وتبسط من خلاله العدالة الاجتماعية على الجميع دون تهميش أو تمييز أو إقصاء.