تحدث الأستاذ محمد حمداوي عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان، في كلمة مرئية نشرتها الصحفة الرسمية لجماعة العدل والإحسان في فيسبوك، عن شهر رجب العظيم وعن الفضائل التي أكرم الله بها أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر.
ونوه إلى أن شهر رجب من الأشهر الحرم التي قال الله عز وجل فيها في سورة التوبة: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ.
وفي تفسير الآية قال الأستاذ حمداوي إن “عدة الأشهر القمرية كما قال الله عز وجل إثنا عشر شهرا، جعل منها سبحانه أربعة حرما، أي أنها معظمة عند الله سبحانه وتعالى، منها ثلاثة متواليات هي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم، وشهر منفرد هو شهر رجب“.
وأضاف موضحا فضل شهر رجب بما هو واحد من هذه الأشهر: “هذه الأشهر الحرم عظمها الله تعالى وأمر بتعظيمها. عظمها أي زادها حرمة وبركة كما في هذه الآيات. والحديث عن شهر رجب والخير المكنون فيه هو كالحديث عن باقي الأشهر الحرم المباركة؛ يكفينا في إدراك قيمته وعظمته هذه الآيات من القرآن الكريم“، ونبه إلى عدم صحة ما جاء في بعض الأحاديث التي تروج في فضل بعض الأعمال المخصوصة في شهر رجب.
وانتقل الأستاذ حمداوي إلى شرح بعض معاني الآية الفاضلة السابق ذكرها:
“في كتاب الله” أي في حكم الله.
“الدين القيم” أي الدين القويم المتوازن الرفيع، دين الفطرة والخير والفضل العظيم.
“فلا تظلموا فيهن أنفسكم” أي في هذه الأشهر الحرم الأربعة، فنبهنا سبحانه أنها من صلب الدين القيم وأمرنا أن لا نظلم فيها أنفسنا.
واسترسل موضحا معنى الظلم في الآية: “هل نفهم أن الظلم جائز في الأشهر الأخرى؟ لا، ولكن المعنى أن الظلم محرم في جميع أشهر السنة، غير أن الحرمة أعظم في هذه الأشهر الأربعة، أي أن المعصية وزرها أعظم في هذه الأشهر، كما أن الحسنات أيضا أجرها أعظم“.
والآية إذن “دعوة إلى تجديد التوبة في هذه الأشهر العظيمة، والأعمال فيها أجرها كبير، من صيام وقراءة القرآن والأعمال الطيبة وأعمال الخيرات والتوبة العامة إلى الله تبارك وتعالى.. التي ينبغي أن نبادر إليها في هذه الأشهر وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ، فإذا قوي الإيمان في القلوب فإن الإنسان سيعظّم ما عظم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم”.
وأورد الأستاذ حمداوي فضل بعض الأعمال التي ينبغي الإكثار منها في هذا الشهر، وفي بقية الأشهر الحرم، انطلاقا من أحاديث نبوية.
ففي الصيام والقيام أحال على حديث النبي صلى الله عليه وسلم “أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل“، موضحا أن “المحرم من الأشهر الحرم، فلا شك أن ما يليه هي بقية الأشهر الحرم ومنها رجب“. وحذر من ترك الأعمال الصالحة بقية السنة، بل المطلوب هو المواظبة على الأعمال المباركة، يؤكد الأستاذ حمداوي، ويضيف: “ثم بعد رجب يأتي شعبان، ولئن قال النبي أن أفضل الصيام بعد رمضان صيام شهر المحرم، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يكثر الصوم في شعبان، وكلها من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قوله وعمله، وقيمة الصيام في شعبان كالنوافل التي تسبق الفريضة.. والأعمال الصالحة في رجب وشعبان يستعد بها المسلم لرمضان، فيجب أن يستجيب المؤمن لأمر الله في هذه الأشهر“.
وفي فضل الصيام أيضا ذكر الأستاذ حمداوي حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! مُرْني بأمر آخذه عنك، ينفعني الله به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عليك بالصوم، فإنه لا مِثلَ له” وفي رواية: “لا عِدلَ له”.
ومن الأعمال الصالحة التي يجب الإكثار منها في هذه الأشهر الحرم وفي رجب أيضا: “ذكر لله والاجتماع على ذكره تبارك وتعالى“، وفي فضل ذلك استحضر الأستاذ حمداوي الحديث النبوي: “ما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده“.
واستنبط من الحديث مجموعة من المعاني السنية، فـ”الإيمان تصديق بالجنان وقول باللسان وعمل بالأركان، وهو يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي والغفلة والعياذ بالله. والرسول ينبهنا لهذه الجوائز العظيمة لكي يحث الأمة أن تجتمع على الخير.. ولم يذكر الرسول المساجد حصرا لكي يتعدى المفهوم إلى كل البقاع التي تحتضن هذه المجالس، وهذا فيه حكمة من الله عز وجل فالمساجد اليوم لا تقوم بما أنيط بها من أدوار.. لذلك يجب أن تأخذ الأمة المبادرة لتتفقه في دينها. والبيوت التي يذكر فيها الله بيوت مشرفة مكرمة ومنورة، نسبها الله تعالى إليه“.
وفسّر “جوائز هذه المجالس التي يتلى فيها القرآن وتتم مدارسته، وما يلحق بالقرآن من أمور الدين” كما يلي:
“نزلت عليهم السكينة”: السكينة طمأنينة قلبية خاصة يشعر بها المؤمن في هذه المجالس.. هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ، فالسكينة لها أثر عميق في تقوية الإيمان.
غشيتهم الرحمة: تغطيهم رحمة من الله تبارك وتعالى.
حفتهم الملائكة: حضرت معهم الملائكة في مجالسهم حتى تملأ فراغات المجلس، “إنَّ لله ملائكةً سَيَّاحين في الأرضِ”، فالملائكة تبحث عن مجالس الذكر والعلم والقرآن لتحضرها، فإن حضرت كان المجلس منورا مكرما، فتملأ القلوب رحمة وبركة وسكينة.
ذكرهم الله فيمن عنده: الله سبحانه وتعالى يذكر هؤلاء المتجالسين فيه عنده في الملأ الأعلى، أي الطبقة الأولى من الملائكة المشرفين المكرمين عند الله عز وجل، فيشرف مجلسهم بهذا الذكر..”.
وفي رواية “وَمَن بَطَّأَ به عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ به نَسَبُهُ“، قال شارحا: “إن كان النسب معه الدين فهذا فيه تشريف، أما النسب بدون عمل فلا ينفع، لم ينفع نسب أعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، فإن كانت الصلة إلى رسول الله على منهجه صلى الله عليه وسلم فأنعم بها شرفا وتشريفا وكرما“.
وألحق الأستاذ حمداوي بهذه المجالس التي يتلى فيها القرآن كل مجلس تكون غايته زيادة الإيمان والتقوى ومدارسة حال أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مؤكدا أنها “كلها من الدين“.