ذة. بلغازي: ستظل نساء العدل والإحسان وَفِيّات لمشروعهن الدعوي مُشاركات في أوراش خدمة الوطن والأمة

Cover Image for ذة. بلغازي: ستظل نساء العدل والإحسان وَفِيّات لمشروعهن الدعوي مُشاركات في أوراش خدمة الوطن والأمة
نشر بتاريخ

قالت الأستاذة نادية بلغازي، أمينة الهيئة العامة للعمل النسائي لجماعة العدل والإحسان، أن الهيئة تشتغل على العديد من المشاريع والواجهات الرئيسة التي تعنى بالمرأة والأسرة والطفولة والمجتمع، منوهة إلى أن أمام عمل نساء الجماعة طموحات يَرُمن تحقيقها ونصب أعينهن “نماذج للكمال لنساء وعين أدوارهن فتوجهن بما أوتين من قوة وعزم لخدمة الغاية الإسلامية ونشر دعوة الله تعالى في الآفاق، وأخذ حظهن من العلوم دون أن يغفلن عن واجهتهن الأساسية في الاهتمام بالأسرة وصناعة الأجيال”.

بلغازي، التي تم انتخابها عقب وفاة الأمينة السابقة الأستاذة حبيبة حمداوي رحمها الله، قالت في هذا الحوار المعمق الذي أجرته معها بوابة العدل والإحسان أن نساء الجماعة باعتبارهن جزءًا من النسيج المجتمعي المغربي “حاضرات في القطاعات الوظيفية؛ إذ منهن الطبيبات والعاملات والمدرسات والمحاميات وغيرها من الوظائف، ومنهن ربات البيوت، وجميعهن آلين على أنفسهن تبليغ دعوة الله تعالى، مقتديات في ذلك بنساء السلف الصالح اللاتي لم تمنعهن وظائف الأمومة وحسن التبعل من المشاركة الفاعلة في بناء الأمة”.

الحوار الغني يبسط جانبا من مسار الأستاذة بلغازي منذ طفولتها إلى تحملها مسؤولية قيادة نساء الجماعة، تطرق إلى العديد من القضايا الهامة، منها: تركيبة الهيئة العامة ومهامها وأهم البرامج التي تشتغل عليها، موقع نساء العدل والإحسان في بناء الجماعة ومشاريعها ورؤية الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله للمرأة ودورها، معركة طوفان الأقصى ومحوريتها في مسار القضية الفلسطينية والأمة والدور الطلائعي الذي تقوم به المرأة الفلسطينية المجاهدة الصابرة، دلالات وغايات تخليد الجماعة للذكرى الثانية عشرة لرحيل الإمام، الشباب وما المطلوب من هذه الفئة الاستراتيجية، وأخيرا ماذا تقدم نساء الجماعة للمرأة المغربية…

فيما يلي نص الحوار:

في البداية، نحب أن يتعرف القراء أكثر على الأستاذة نادية بلغازي أمينة الهيئة العامة للعمل النسائي لجماعة العدل والإحسان؛ أوضاعها الاجتماعية والأسرية، مسارها العلمي والأكاديمي، سيرها داخل الجماعة…

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على النبي المصطفى الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.

الشكر موصول لبوابة العدل والإحسان على استضافتها الكريمة، ولطاقمها الصحفي المميز على مجهوداته المشكورة في نصرة الكلمة الحرة في زمن كثرت فيه الرداءة.

نادية بلغازي، متزوجة وأم لشابتين وشاب، أدرّس في السلك الثانوي التأهيلي بأكاديمية فاس، حاصلة على الإجازة في الدراسات الإسلامية، ثم شهادة الأهلية التربوية من المدرسة العليا للأساتذة، فماجستير الفكر الإسلامي.

نشأت في وسط عائلي يعظم العلم والعلماء، ويشجع على التفوق، كان أبي الحبيب رحمه الله تعالى دائما يذكرني بقول الله تعالى من سورة الزمر: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ، ولا يبخل علي أبدا بما يشفي تطلعي المعرفي تحفيزا منه على إتقان الطلب، ولا أنسى أبدا أمي الحبيبة رحمها الله تعالى، وهي تقف مشجعة محفزة مقبّلة وقد وصلت من المدرسة محملة بشهادة “النجاح” في التعليم الأولي المخولة للانتقال للصف التحضيري، ما غرس فيّ حب التعلم، ودفعني لحث الخطى من أجل تحصيله.

تربيت في وسط عائلي محافظ جدا، يرسم خطوطا للعلاقات الاجتماعية ويهتم للعادات المحكمة التي لا تنافي الدين ولا تضاد المكرمات، منفتح على الآخر لكن في حدود الاحترام المتبادل، لذلك كانت تربيتي مبنية على الحرية في اتخاذ القرار دون ضغط ولا إجبار، لكنها حرية تأسست في عمقها على قاعدة متينة من القيم التي تجعلك سيد نفسك لكنك في الآن ذاته شديد التقدير لمحيطك ولأسرتك التي وضعت ثقتها فيك فلا تفكر أبدا في خذلانها، لا أتذكر أن أبي أو أمي منعاني يوما عن فعل شيء أحبه. كنت أعتبر هذه الثقة الكبيرة تاجا فوق رأسي تشعرني باستقلالية الذات، وتحتم علي في الآن ذاته أن أصونها وأن أتعامل معها بمسؤولية.

كنت مهتمة بالرياضة بتشجيع من والديّ رحمهما الله تعالى.

فرح والداي يوم ارتدائي للزي الشرعي، يومها كنت أدرس بالثانوية، وكان أبي إذا وجدني أتلو كتاب الله تعالى يلتزمني بقوة ويقول لي راجيا: “هكذا ستفعل بك مولاتنا لالا فاطمة الزهراء، الله يرضي عليك رضى لا سخط بعده “. هذا التقدير منهما، جدد الله تعالى عليهما الرحمات بلا انقطاع، كان ولا يزال يحفزني على الانضباط ويجعلني على رجاء دائم أن أكون من عملهما الصالح الذي لا ينقطع بجوده وكرمه وحسن توفيقه.

أسئلة كثيرة رافقت بداية مشواري الأكاديمي، ورغبة ملحة في الارتقاء الروحي، والانخراط لخدمة دعوة الله تعالى، لكن ما السبيل يا الله في حقل طلابي مليء بالتوجهات والأفكار والفصائل، بحثت، قرأت، أنصت لتسجيلات كثيرة، تحاورت، ووقع في يدي ذات يوم مجلد لأعداد من مجلة الجماعة التي نشر فيها “المنهاج النبوي” للأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى، قرأته بنهم من يبحث عن حلول لأحوال أمتنا، وتجاوز فتنتها. وجدت إجابات كافية شافية لحرقة نفسي ولواقع أمتي، ويقينا مبسوطا على صفحات الكتاب يبشر بغد الإسلام. اطمأنت روحي بعد استخارة بين يدي الملك الوهاب، فكان الانخراط في العمل الدعوي ضمن جماعة العدل والإحسان.

منّ الله تعالى عليّ بالتعرف على الأستاذة الفاضلة ندية ياسين حفظها الله تعالى، رأيت فيها نموذجا للمؤمنة الشاهدة بالقسط، ومثالا حيا لامرأة من ذلك العيار الثقيل، تربية وعلما وفهما وأدبا ورقيا، كنت في رفقتها في أحد الأيام، إذ مررنا ببيت الإمام رحمة الله عليه، في أولى سنوات الحصار، خرج إلينا رحمه الله تعالى وحدثنا من باب بيته العامر. دقائق وصال كانت كفيلة بغرس حبه في سويداء الفؤاد، أب حان، ومصحوب كريم يدل على الله تعالى بكلمات بسيطة جامعة، وابتسامة مؤلفة ورفق كبير، ومرب محفز شجعني من أول لقاء على الكتابة.

تدرجت في العمل رفقة أخواتي داخل الجماعة، نجلس مجالس العلم والذكر طالبات ومؤطرات، ثم ارتقت مسؤولياتي التنظيمية لأجد نفسي لاحقا على ورش الطفولة، وعضوا في جمعية إنصاف للأسرة والطفل، ثم لجنة البرمجة والتخطيط المركزية برعاية الأستاذة حبيبة حمداوي رحمها الله تعالى، ثم منسقة للجنة البرامج التعليمية والتكوينية القُطرية، وعضوا في الهيئة العامة للعمل النسائي، فعضوا في مكتب الإعلام، إلى ما تعرفونه الآن.

وبين هذا وذاك مسؤوليات متفرقة منها عضوية في مؤسسة الدائرة السياسية محليا، وعضوة في هيئة تحرير موقع أخوات الآخرة، فمسؤولة عنه. نسأله سبحانه السداد والتوفيق والنفع لأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا الوطن الحبيب.

اختارك أخواتك في نساء العدل والإحسان لتقودي عملهن. ونحن ندرك طبعا أن الجماعة تربي نساءها ورجالها على عدم التشوف للقيادة بل والوجل مما ترتبه من مسؤوليات أمام الحق سبحانه وتعالى، كيف استقبلت اختيار أخواتك لك؟ وما أهم الخطوات الأولى التي باشرتها؟

ابتداء، ألم فراق الحبيبة الأريبة الأستاذة حبيبة حمداوي جدد الله تعالى عليها الرحمات بلا عد ولا حد وعلى كل من سبقنا إلى الله تعالى، لم يكن هينا، لا زالت تعتلج صدورنا لوعة الفراق، استرجعنا وبكينا من لوعة الفقد. حان وقت الانتخابات وما فارقنا معها شعور الفقد وثقل المسؤولية.

نتربى داخل الجماعة على أن التشوف إلى المسؤولية منبوذ مرفوض، وهذا من صميم السنة النبوية الشريفة، عند الإمام البخاري رحمه الله تعالى، عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال: “قالَ لي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ سَمُرَةَ لا تَسْأَلِ الإمَارَةَ، فإنْ أُعْطِيتَهَا عن مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إلَيْهَا، وإنْ أُعْطِيتَهَا عن غيرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا”، هذا رجاؤنا في الله الوهاب سبحانه وتعالى، أن يعيننا عليها.

ما يهون وقع التكليف، ثقة المؤمنين والمؤمنات ودعواتهم الصالحات، وأن المسؤولية أداة تنظيمية، وإلا فالمؤسسة تسير بمجموع عضواتها الفاضلات جميعهن، القويات في تخصصاتهن، الأمينات على ثغورهن الدعوية، وسفينة دعوة الله تعالى، مبحرة تمخر عباب الواقع بنتوءاته ومعيقاته نحو بر الأمان والتمكين لدين الله تعالى. شعارنا الدائم في الهيأة العامة للعمل النسائي الاستمرار في خدمة دعوة الله تعالى والحفاظ على إرث الصحبة ضمن عمل مؤسساتي متين، مخطط له تجنبا للارتجالية، وتتحمل كل عضوة ضمنه مسؤولية الثغر الذي تقف عليه بحنكة وقوة وأمانة.

خلفت سيدة أجمعت الشهادات على فضلها وأخلاقها وسلوكها واستقامتها وحسن قيامها بمهامها. في الوقت الذي بلغتنا -على لسان من عايشها- العديد من هذه الخلال والخصال، هلا قدّمت لنا بعضا من إرث الأستاذة حبيبة حمداوي رحمها الله في قيادة عمل نساء العدل والإحسان، من حيث التخطيط والتدبير وإدارة المشاريع المتنوعة التي عملتن عليها تحت إشرافها؟

الأستاذة حبيبة حمداوي رحمات الله تعالى عليها سيدة راقية خلوقة متقنة في سائر أعمالها، رفيقة بمن معها، صبورة بلا حدود، ومعطاءة بلا قيود، فعلا وعت غاية وجودها فسارت قاصدة نحو تحقيق مراد الله تعالى منها، لا تفي الكلمات بذكر محامدها، ولا الألفاظ بتعداد مناقبها. قادت العمل النسائي بقوة وأمانة، وجمعت كلمته، بحنو كبير وقوة حازمة، فكان أن أرست، رفقة أخواتها، هياكله ونظمت تفاصيله، لا تمل من احتضان المؤمنات وتحفيزهن وتشجيعهن وتفقيههن بأدوارهن في خدمة دعوة الله تعالى، وأداء مهامهن الأسرية والاجتماعية والمهنية بتوازن واقتدار.

وهي إلى هذا حريصة على توزيع الأدوار على المؤمنات بما يتلاءم مع ميولاتهن وتخصصاتهن، وعلى متابعة أعمالها من التخطيط إلى التنزيل بحنكة متناهية، مع حرصها على الإشراك وكذا التنسيق مع المؤسسات ذات الهم المشترك.

اشتغلنا، تحت قيادتها الرشيدة، على جملة من المشاريع أذكر منها تمثيلا لا حصرا، هندسة وتنزيل جملة من البرامج والدلائل منها “حنين الجدع” وهو برنامج تعليمي من تنسيقها، رحمها الله تعالى، للعمل به ضمن الأسر التعليمية، و”على خطى الكاملات” للمرحلة التهييئية، وبرنامج “مدرسة الفاعلات” لتأهيل المؤمنات أطر الدعوة، و”بيوت مطمئنة” خاص بالأسرة، وغيرها، كما أسهمنا مع مؤسسات الجماعة في الاشتغال على ورش المدونة. عقدنا منتديات لنساء العدل والإحسان، وتضييفات مركزية للمؤمنات، وإصدار إنتاجات إعلامية، ومهرجانات قرآنية، وندوات ومحاضرات، ولقاءات تواصلية داخلية وخارجية، كما أسهمنا في جملة من المحطات والمناسبات… كل ذلك بالموازاة مع المحطات التربوية والتعليمية والتكوينية الدورية.

ولا يفوتني التنبيه إلى مجلس كان قريبا إلى قلب الأستاذة حبيبة، رحمها الله تعالى، وهو مجلس “على خطى الكاملات” الذي يدل اسمه على أهدافه.

الرجاء في الله الوهاب أن يسدد عملنا على الدوام، وأن يستمر وهج دعوتنا قربة لله تعالى، وخدمة لأمة رسوله صلى الله عليه وسلم، ووفاء لعهد من سبقونا بإحسان.

لعل القارئ وهو يسمع الهيئة العامة للعمل النسائي لجماعة العدل والإحسان يريد أن يتعرف أكثر على هذه المؤسسة؛ تركيبتها ومهامها ومسؤولياتها وأهم البرامج التي تشتغل عليها؟

الهيأة العامة للعمل النسائي المعروفة اختزالا باسم “عملن”، هي المؤسسة العليا المفوض لها الإشراف العام على عمل المؤمنات، وتتكون من عدة عضوات تمتد عضويتهن لولاية كاملة قابلة للتجديد المبني على اختيار المنتخِبات. وضمن العضوات منسقات لجان مركزية تابعة للهيأة تعنى بالقرآن الكريم والتربية والنصيحة والدعوة والبرامج التعليمية والأسرة والطفل والإعلام.

وتشتغل “عملن” ضمن مجالات عمل متعددة أهمها:

  • رعاية التصور المنهاجي لقضية المرأة والسهر على توحيده وانسجام مختلف واجهات عمل المؤمنات توحيدا للرؤية وضبطا للأسس التصورية…
  • رعاية الأساس التربوي لنساء الجماعة من خلال ترسيخ الثوابت التربوية…
  • رعاية الشأن الدعوي والإشعاع الخارجي للمؤمنات وتطوير التواصل مع القوى الحية، وإذكاء الهم الدعوي في صفوفهن وتطوير خطابه، وتجديد آلياته…
  • رعاية الشأن التعليمي والتكويني تجويدا للأداء وتثبيتا للهياكل والمؤسسات من خلال هندسة وبناء البرامج التعليمية والتكوينية لنساء الجماعة، ومتابعة سير العملية التعليمية والتكوينية والعمل على تطويرها والتجديد في أساليبها…
  • ترسيخ محورية الأسرة في مشروعنا التغييري من خلال التأهيل الأسري والاجتهاد في معالجة القضايا المرتبطة بالأسرة والطفل بهدف تحقيق الاستقرار، وإعداد مناهج وبرامج تعليمية وتكوينية لمكونات الأسرة.
  • الإشراف على عمل المؤمنات واحتضان مؤسساته مركزيا وإقليميا، ومتابعة عمل اللجن الوظيفية والعمل على تجويد أدائها وتكامل واجهاتها وانسجام برامجها.

اليقين أن أمام عمل نساء العدل والإحسان طموحات يروم تحقيقها ونصب عينيه نماذج للكمال لنساء وعين أدوارهن فتوجهن بما أوتين من قوة وعزم لخدمة الغاية الإسلامية ونشر دعوة الله تعالى في الآفاق، وأخذ حظهن من العلوم دون أن يغفلن عن واجهتهن الأساسية في الاهتمام بالأسرة وصناعة الأجيال. لمثل هذه النماذج نهفو عسى الله المنان ألا يحرمنا فضله.

بحكم مسؤوليتك، ما رهانات نساء العدل والإحسان خلال المرحلة المقبلة؟ وما أهم المشاريع التي تشتغلن عليها؟

المسؤولية في تصورنا ابتداء، استمرار والتزام ووفاء وسعي للتطوير في وسائل وأساليب التسيير والتدبير. جاء في المنهاج النبوي: “نحن مسؤولون أمام الله عز وجل، نعرف ذلك ونؤمن به ونعمل على ضوئه. إن كان غيرنا ينفعل مع الأحداث، فيكون تصرفه رد فعل زمني، فنحن مسؤولون أن نصمد إلى الهدف الذي من أجل تحقيقه نتحرك. لكي يصبح مشروعنا في التغيير عملا ناجحا”، ومن ثمة فالأوراش التي تشتغل عليها نساء العدل والإحسان متعددة ولا شك، منها ما هو ثابت يرتبط بتخصصات المؤسسة، ومنها ما تمليه الظروف المحيطة ومقتضيات الحال، فنتفاعل معها من منطلق التهمم بأحوال الأمة، ووضعية المرأة والأسرة والطفل، وواقع الدعوة، وأحوال مجتمعاتنا ومطالبها العادلة.

المطلوب باستمرار خدمة العمل النسائي وأداء المهام الدعوية وضبط وسائلها المساعدة؛ ومنها إخراج جملة من البرامج التربوية والتأهيلية للنور، مع متابعة اشتغالنا على مشروع رئيسي يمضي بخطى حثيثة ليرى النور بعد زمن، من شأنه أن يحدث دينامية جديدة في عمل المؤمنات، ويساعدهن في أن يعشن خصوصيتهن وأن يرسخن بفعالية أكبر التوازن بين مطالب الدعوة والاحتياجات الأسرية والاجتماعية.

سنظل، نحن نساء العدل والإحسان، وفيات لمشروعنا الدعوي، مادّات الأيادي للمشاركة في كل الأوراش التي تمكننا من خدمة وطننا وأمتنا ونصرة قضاياها المركزية والبر الشامل بالإنسان.

الأمة تعيش معركة طوفان الأقصى المفصلية في سيرها عامة ومسار قضيتها المركزية فلسطين خاصة. ما قراءتكم لهذه المواجهة الجارية اليوم مع الصهيونية ومن ورائها الاستكبار العالمي؟ وكيف تُقوّمون عاما وشهرين من “طوفان الأقصى”؟

نعتبر في بلدنا المغرب وداخل جماعة العدل والإحسان باعتبارنا جزءا لا يتجزأ من مكونات وطننا الحبيب، قضية فلسطين قضية محورية، فهي المسرى والقبلة الأولى وثالث الحرمين ومنطلق المعراج المبارك، هي التاريخ التليد والعضد المجيد، وأشاوس هذه البقعة الطاهرة يؤدون باسم الأمة ضريبة العزة والشرف.

نعتقد اعتقادا جازما أن المعركة، اليوم والبارحة وغدا إلى أن يأذن الله الناصر بالفتح المبين الذي يحرر فلسطين وسائر بلاد المسلمين، معركة حياة أو موت، معركة وجود أو عدم، معركة أهل الحق في الأرض والعرض ضد أهل الباطل المغتصبين والمسانَدين من قوى الشر في العالم، طائفة محاصرة من أهل الأرض يقاتلون بعزة وشموخ الاستكبار العالمي وأذنابه من المنبطحين والمطبعين.

إن المعركة معركة مصيرية وكأنها تختزل الصراع الدائر بين أمتنا من جانب ومن جانب آخر الأعداء المتربصين بكينونتها التاريخية الرمزية واستمرار وهجها العقدي في إنقاذ الأمم، وعمقها الروحي المحتضن للغافلين والمضلَّلين، وحضورها الاقتصادي الذي أريد له أن ينتكس، وقوتها السياسية المستلبة منذ عهود، وأصالتها الفكرية التي تئن تحت وطأة الانقياد والاستلاب.

والخير، على قتامة المشهد، لا ريب موصول في الأمة، ولا نشك قيد أنملة، أن معركة طوفان الأقصى بداية تحرير ويقظة فعلية وصمود ميداني غير مسبوق، رغم صنوف الإبادة وألوان التقتيل والتشريد والتضييق، ستشرق شمس الحرية من قتامة الليل البهيم. لا نشك في كونها شوطا مشرفا ومقدمة عظيمة لتحقيق وعد الآخرة المشروط بالتحقق من العبودية لله تعالى وإعداد القوة مصداقا لقول الله جل وعلا في سورة الإسراء: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7).

كان، وما يزال، للمرأة الفلسطينية دور محوري في هذا الصمود الملهم والثبات الأسطوري الذي أظهره الشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة بقيادة مقاومته الباسلة. كيف استطاعت المرأة الفلسطينية أن تسهم في بناء هذا الجيل الشاب المقاوم؟ وكيف يمكن للمرأة على امتداد الأمة أن تستلهم منها القيم الكبرى المؤسِّسة لمستقبل التمكين؟

المرأة الفلسطينية عنصر محوري وركيزة أساسية في النضال الفلسطيني على الدوام، فهي حاملة السلاح والمحفزة على النضال وأم الشهيد وبنته وشقيقته… وهي الشهيدة المجيدة وحامية الهوية وراعية أجيال المقاومة ووعاؤها الأول، أبانت، رغم التضييق والتقتيل والظروف المحيطة، أنها رمز مشرّف للمقاومة ومنطلق شرارتها بما تبثه في الأجيال المتعاقبة من حب الشهادة في سبيل الله، ومن خلال مشاركتها الفاعلة في ساحات التدافع والجهاد.

لا يخفى على الملاحظ طبيعة التربية التي تنبت ذاك النوع الفريد من رجالات الأمة؛ تربية قرآنية من تجلياتها العناية بكتاب ربنا سبحانه حفظا ومدارسة، تلك الشامخة كانت ولا تزال تجلس لاستظهار كتاب الله تعالى في جلسة واحدة، وتجلس أولادها وأولاد الجيران والأحباب لنفس الطلبة العالية، موقنة أن درب القرآن هو درب الفوز، وتقف للتهجد والقيام بين يدي الله تعالى طلبا للزلفى عنده واستجلابا للفتح والنصر، امرأة تربي بالحال قبل المقال، وتنهض همم النشء لطلب العلم النافع وإعداد القوة رغم ظروف الحصار، تؤسس لتربية علومية وإن من خيمة تهز أطرافها الرياح، يقينا منها أن إعداد القوة من شروط التمكين.

ترضع أولادها لبان التقى والهدى والصمود استشرافا للنصر القابل، “نحن لا نكبر، نحن نولد لنستشهد”، بهذا يصرح أولادها الكبار رغم صغر سنهم وحداثة عهدهم بدنيا الناس.

هي نموذج للاستلهام، يذكر حالها بأحوال الصحابيات الجليلات اللائي ضحين بكل نفيس لله وفي الله، ومن أجل ذلك كانت هدفا دائما للمحتل الغاصب لعل بقتلها تتوقف ولادة الأبطال، وينتهي ضخ روح المقاومة في الأجيال.

تخلدون في جماعة العدل والإحسان الذكرى الثانية عشرة لرحيل الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله، وهي مناسبة لإعادة التذكير بالأساسات التي أسّس عليها الرجل مشروعه لتربية الإنسان وبناء الأمة. ما أهم ما اقترحه الرجل في مسألة المرأة وتمكينها لتسهم في بناء أسرتها وأمتها؟

أولا جدد الله الرحمات تثرى على الإمام عبد السلام ياسين، رفع الله قدره في أعلى درجات القرب عند المليك المقتدر، ذكراه تحيينا قبل أن نحييها، إذ لم يكن عبدا لله تعالى قضى وانتهى الأمر، بل هو حي في الأمة بمشروعه التجديدي الذي محوره الإنسان، وغايته الفوز بالله تعالى من خلال تحقيق مراده من الخلق عبودية وعمارة واستخلافا.

تعتبر قضية المرأة وتحريرها من مظلوميتها التاريخية وسبل انعتاقها وأخيها الرجل من الظلم الواقع عليهما معا من مرتكزات الفكر المنهاجي في قضية المرأة، بعيدا عن القراءات السياسوية المصلحية، والتقليدية التبريرية، والفقهية المنحبسة الضيقة، وعن الفهم التجزيئي الذي لا يضع قضيتها في إطار شمولي من خلال ربطها بالتردي العام لأحوال الأمة واعتبار علاجها جزءا من مطلب التغيير الشامل. كما يبعدها عن الفهم التسطيحي الذي يختزل قضيتها في صراع بين جنسين، مع دعوته إلى محاربة التقليد في تناول قضيتها بالدعوة لتجاوز القراءات الفقهية المذهبية الضيقة والمناداة بضرورة اجتهاد حقيقي ينهل من النبع الصافي: الكتاب والسنة..

يشدد الإمام رحمه الله تعالى على أن قضيتها تحل في إطار حل شامل لأمتها، ويوجهها ابتداء إلى تمكين نفسها من حقها في معرفة الله تعالى، ويدعوها للتشوف إلى الكمالات على خطى من سبقننا إلى الله تعالى من صالحات هذه الأمة، كما يدعوها إلى الانخراط في جبر كسر أمتها ومعالجة أدوائها بما لا يلغي أدوارها الفطرية التي لا يعوضها فيها أحد.

إن من المطالب التنويرية المهمة أن تدرك المرأة كمالاتها كما الرجل في تصور الجماعة وأدبياتها، يقول الإمام رحمه الله تعالى في كتابه “تنوير المومنات”2/27: “ليس الإيمان وحوافز الإيمان وكمال الإيمان ومراتب الإحسان حكرا على الرجال، فالشابة التي نشأت في عبادة الله كالشاب تُجزى بما يُجزى به”، و”ما يكون لكمالها العلمي والخلقي وتقواها إلا زينةٌ عقيمة إن أفادتها إفادة فهي فائدة محدودة، ينقطع بعد الموت عملها إن لم تُخَلِّفْ ذرية صالحة، إن لم تساهم في بناء الأمة، إن لم توظِّف كمالها العلمي والخلقي والقلبي في صنع مستقبل أمتها، واكتفَتْ بكونها معْبَراً لبروز الذرية، ومحطة لمرورها”.

من روح شعارنا العدل والإحسان، نستلهم روح العمل وأهداف المشروع؛ فلا نرضى بهدف اجتماعي سياسي دون “العدل” على شريعة الله، ولا نرضى بغاية تتطلع إليها همم المؤمنين والمؤمنات دون الإحسان.

اخترتم لتخليد هذا العام موضوع الشباب في فكر الإمام. لماذا هذا الموضوع الآن؟ وما المداخل الكبرى التي تقترحونها ليكون الشباب فاعلا بحق في نهضة الأمة؟

الشباب سواعد البر المسهمة في بث اليقظة داخل الأمة بفتوتها وهمتها العالية وأفكارها المبدعة، هم قاعدة البناء والتغيير، ودورهم مركزي في الإسهام في التدافع داخل الأمة والوقوف ضد محاولات تحييد الشباب وإبعاده عن التهمم بشأنه الخاص إحسانا والشأن العام عدلا من خلال خطابات التبخيس أو التيئيس، وعبر نشر البذاءة والرداءة وضرب القيم، إنهم مبعث الأمل في أمة شرفها الله تعالى بحمل كتابه، وكلفها بتبليغه.

اليقين أن جراحات الأمة عديدة، وجراحات الوطن تنزف بطالة وهشاشة وجهلا، والشباب القوي الأمين يمكن أن يشكل اليد الرفيقة الحانية والبلسم الشافي للجراح، يأسوها ويعين على الخير ويدل على الله تعالى، ويبادر إلى خدمة الصالح العام، ويشكل كوكبة الانعتاق والتحرير والتغيير داخل الأمة خاصة في ظل إرهاصات الواقع الذي تكشف الإحصائيات الرسمية ثقله، إذ إن عدد الشباب في المغرب بلغ حوالي 12 مليونا في عام 2023 ما يمثل حوالي ثلث الساكنة، يعاني حوالي ثلثهم من البطالة، و بلغت نسبة الطلاب في الجامعات المغربية، التي أصلا تعاني من الاكتظاظ، في الموسم الدراسي الحالي مليونا و300 ألف طالب وفقا لتصريح وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، كما أن أكثرهم من أبناء الطبقات الشعبية.

وقد اقترح الإمام رحمه الله تعالى جملة من المداخل ليكون الشباب قاطرة التغيير داخل الأمة؛ على رأسها العناية بتربيته تربية إيمانية خالصة عميقة وصادقة حتى يخلص سيره لله تعالى وترتقي همته وتكتمل رجولته ويعي وجهته والمطلوب منه، ليهب لتحقيقه بإرادة من حديد، كما اعتبر العلم النافع الكوني والشرعي المرتبط بالعمل قاعدة التغيير والتحرير، لأن بعلم الشرع يعرف المعلوم من دينه بالضرورة، وبالعلم الكوني يبز أصحاب الدنيا في دنياهم ويوطن للتكنولوجيا في بلاده، ولعلوم العصر وتقنياته حتى لا تبقى أمتنا خارج تاريخ التطور والتمدن والحضارة الإنسانية؛ لا تقوى على التصنيع ولا تملك قوتها ولا قوّتها.

ولأن الشباب قوة اقتحامية كبيرة، دعا الإمام إلى تعميق الثقة فيهم وإدماجهم في المسؤوليات لتظل الأمة قوية بحكمة كبارها وكفاءتهم، وحيوية شبابها وعطائهم.

بهذا يمكن للشباب بتوفيق الله تعالى، أن يشكلوا الطليعة المجاهدة الواعية بحساسية المرحلة ودقة التحدي حتى ينبعثوا لتحقيق عملية التغيير المسؤولة عن قيادة الأمة نحو المطالب العالية متى تحققت من واجبها في التحلي بالإيمان القوي، واليقين الصادق، والعلم النافع، واليقظة اللازمة، والتعبئة الجيدة والوعي بالمطلوب، طليعة ربانية مجاهدة هاديها نور القرآن وهدي سيد الأنام عليه الصلاة والسلام، وتربية أهل الإحسان، طابعها صفاء السريرة والأخوة المحتضنة واليقظة القلبية والتطهر من حظوظ النفس والأهواء. يقول الإمام في هذا الصدد في كتابه إمامة الأمة: “إن كان مع جند الله الطليعةِ سرُّ تربية الإيمان، وكانوا هم أنفسُهم هاجروا تلك الهجرةَ المعنوية في النيات والجهاد، وأشرفت أرواحُهم على مقامات الإحسان، فبوُسعهم أن يدفعوا الأمة، ويتقدموا بها، ويقودوها في هجرتها، من الخرافة، والنفاق في العقيدة، والنفاق الاجتماعي، و”دين الانقياد” للحاكم، والاستقالة من الاهتمام بأمر الأمة، والسكوت والإمساك عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والكسل عن العمل، واستهلاك ما لا نُنْتِجُ، إلى غير هذا من الأمراض الموروثة عن فتنتنا الداخلية، أو المعدية بواسطة الاستعمار والغزو الثقافي الاقتصادي الحضاري”.

تحدثنا في خضم هذا الحوار عن المشاريع التي تشتغلن عليها. ما أثرها بالنسبة للمرأة المغربية عموما؟ وكيف يمكن أن نتلمس انعكاس برامجكن على واقع النساء والأسرة والمجتمع؟

تصورنا داخل الجماعة أن الولاية قائمة بين المؤمنين والمؤمنات، ولا ينسخ عمل المؤمنة داخل البيت عملها خارجه، فهي مأمورة مثل أخيها الرجل بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمشاركة في تحقيق التغيير، ونساء العدل والإحسان جزء من النسيج المجتمعي المغربي، يؤدين الوظائف والمهام المنوطة بهن داخل البيت وخارجه ويضطلعن كذلك بواجب الدعوة إلى الله تعالى، يدعين بنات جنسهن خاصة والناس عموما إلى طريق الله تعالى وإلى سبيل معرفته.

هن حاضرات في القطاعات الوظيفية؛ إذ منهن الطبيبات والعاملات والمدرسات والمحاميات وغيرها من الوظائف، ومنهن ربات البيوت، وجميعهن آلين على أنفسهن تبليغ دعوة الله تعالى، مقتديات في ذلك بنساء السلف الصالح اللاتي لم تمنعهن وظائف الأمومة وحسن التبعل من المشاركة الفاعلة في بناء الأمة.

ويشكلن كذلك قوة فاعلة لنصرة قضايا الأمة، وتربية بنات جنسهن ومحو الأمية الأبجدية والأمية الفقهية عنهن، وتعليمهن دينهن وكتاب ربهن، وتوعيتهن بحقوقهن التي يأتي في مقدمتها حقهن في معرفة الله تعالى.

لو تكرمت بتعليقات قصيرة على كل موضوع:

  • واجباتنا تجاه “طوفان الأقصى”: النصرة بكل وسائلها الممكنة، والدعاء الملح لأن الله تعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
  • مهماتنا صوب “الجيل Z”: يمثل شباب اليوم، المعول عليه بفضل الله تعالى، في كل تغيير وإصلاح، جيل شديد الذكاء، باهتمامات قد تكون مختلفة جذريا عن اهتماماتنا في مثل سنه، هجمت عليه تكنولوجيا الإعلام من بابها الواسع بكثرة معارفها وتعدد بياناتها، رعايته واحتضانه بطرق ملائمة وتحفيزه والترفق به، كل ذلك من شأنه أن يفتق إبداعه وتميزه.
  • كيف نحفظ “مشروع الإمام”؟: بحفظ إرث الصحبة والانخراط الصادق في الجماعة، بالاستمرار على نهجه، وبالتعريف بمشروعه ونقله ومدارسته.