أجرى موقع الجماعة نت حواراً مع الأستاذة أمال عواد، عضو المكتب الوطني للقطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، تناول بعض الجوانب الملحة المرتبطة بقضية المرأة. وفي ما يلي النص الكامل لهذا الحوار.
كلما اقترب اليوم العالمي للمرأة تعالت الأصوات وتجددت المطالب بإنصاف المرأة، ما الذي تحقق في هذا المسار النضالي في نظرك؟
بداية تحية طيبة لكل النساء في العالم، حاملات مشعل البناء، وأبارك لهن هذه المناسبة التي تعتبر محطة للوقوف على حصيلة المكتسبات على امتداد سنة كاملة من الحضور الفاعل والنضال المتواصل للمرأة داخل المنابر المجتمعية للشعوب عبر أنحاء العالم، ومناسبة للوقوف على التحديات التي تعيق رفع الضرر والحيف المضروب عليهن.
في المغرب، رغم خطاب تمكين المرأة اجتماعيا واقتصاديا، ما زلنا نلاحظ استمرار ظواهر تعيق أي تقدم للمرأة من قبيل: ارتفاع نسبة الأمية في صفوف النساء، ارتفاع نسبة الهدر المدرسي للفتاة القروية، استمرار التحرش والاستغلال الجنسي للمرأة خاصة في العمل، الاستغلال المفرط وبكل أشكاله للمرأة العاملة وخاصة القطاع الفلاحي، عدم توفر الحق في الخدمات الطبية للمرأة الحامل خاصة في المناطق النائية، ارتفاع نسب الفقر والهشاشة في صفوف النساء… أما في المجال السياسي، فرغم الترسانة القانونية في مجال الرفع بالمشاركة السياسية للمرأة والآليات المحفزة لولوجها مراكز القرار السياسي إلا أن الواقع يثبت الشرخ الكبير بين الخطاب والممارسة، بل أصبحت هذه الآليات وسيلة للريع السياسي ومجرد وسيلة لتأثيث المشهد السياسي ولتسويق الوجه الديمقراطي للمغرب. إذن، ما زالت هناك العديد من العقبات التي يتعين رفعها للنهوض بوضعية المرأة لتلعب دورها في التغيير.
ما هو، برأيك، الدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة في تحقيق التغيير؟
لا يمكن المراهنة على أي تغيير مع إغفال الدور الحيوي والطليعي للمرأة، فالتغيير لا يقوم به الرجل وحده بل مع المرأة وبمشاركتها الفعالة، المرأة معنية بقضية التغيير أيضاً، تغيير النفوس لتكون طائعة لله تعالى محسنة، وتغيير الأمة، لترتفع من انحطاطها ومن أمراض الجهل والظلم والتخلف إلى سماء العدل والحرية والازدهار. فالمرأة مطالبة بتحرير إرادتها للقيام بالمهام المنوطة بها لرفع الظلم عن نفسها ومجتمعها، وهي مدعوة لكسب الفضائل ومقاومة الرذائل، وامتلاك القوة الإيمانية الإرادية للترقي صعدا في معارج الكمال الروحي والخلقي والجهادي، وعليها جهاد لاقتحام عقبات الفكر والعادات والفقه المنحبس…
دور المرأة في التغيير أساسي من خلال العمل على تربية أطفالها نفسيا وعقليا ليتأهلوا في الاندماج الاجتماعي، والإنتاج الاقتصادي. دور أساسي في القضاء على الأمية الأبجدية والفكرية ورفع المستوى الثقافي لبنات جنسها وزيادة وعيهن ليكن فاعلات في بناء المجتمع وتطوره، تتصالح المرأة مع ذاتها أولاً وتؤمن بأنها قادرة على بناء مجتمعها. وإعادة بناء الأمة لا يمكن أن يتم إلا بتعبئة طاقات نسائها ورجالها معا. وهذا ما ركز عليه الإمام المجدد رحمه الله في مشروعه التغييري .
فما هو إذا الموقع الذي تحتله قضية المرأة في هذا المشروع؟
تحتل المسألة النسائية الصدارة في مشروع جماعة العدل والإحسان، ويبسط كتاب “تنوير المؤمنات” للإمام المجدد الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله قراءته لقضية المرأة ونظرته لها. قراءة تتميز بتجاوزها للموقف التقليدي للمسلمين، المتأرجح بين سياسة النعامة في النظر لقضية المرأة والمقاربة التبريرية الاعتذارية.
يرى الأستاذ عبد السلام ياسين أن طريق المرأة نحو الإنصاف يمر بالضرورة عبر إنصاف المجتمع ككل، أي لا يمكن حل قضية المرأة إلا في ظل حل شامل يتقاطع فيه ما هو اقتصادي بما هو سياسي بما هو اجتماعي بما هو تربوي، فإذا حل عدل الله على أرضه ألقى بظلاله على كافة خلقه. ولا يمكن أن يتحقق ذلك ما لم يكن الهم الأول لكل مؤمن ومؤمنة نيل رضى الله، فالمرأة المؤمنة مطالبة بتحرير إرادتها للقيام بالمهام المنوطة بها لرفع الظلم عن نفسها ومجتمعها قدوتها في ذلك خريجات المدرسة النبوية.
كيف تنظرون إلى إمكانية النجاح في قضية المرأة من معركة التغيير ضد الاستبداد مع اختلاف بل تضارب مرجعيات المرشحين لهذا التغيير المنتظر؟
إن الخاسر الأكبر من تشرذم النضال النسائي هو قضية المرأة، لم نفلح لحد الآن في الانعتاق من تخوفاتنا تجاه الآخر ولا من القوالب التي ننظر من خلالها إلى الآخر. المفروض أن يكون الهم الأول هو الانتصار للمرأة والبحث عن سبل إنصافها ورفع الحيف عنها بعيدا عن الخلفيات الإيديولوجية والمرجعيات المتباينة، ومع تعدد المرجعيات لنا اليقين أن ثمة مساحات مشتركة كثيرة يمكننا أن نلتقي فيها ونتعاون عليها ونؤجل المختلف فيه أو نتحاور فيه حوارا مفتوحا مسؤولاً، وقد نكتشف أن اختلافنا حول عدد من القضايا راجع لانسداد قنوات الحوار.
ومن جهة ثانية علينا أن نعي أن النضال من أجل تمكين النساء وإنصافهن بوابته الأساس هي النضال من أجل إرساء قيم الديمقراطية وتوسيع مساحات الحرية. وفي غياب هذا سيظل النضال النسائي في ظل الفساد والاستبداد نضالا في الطريق الخطإ. وما دعوات القطاع النسائي المتكررة من أجل التأسيس لجبهة نسائية ضد الفساد والاستبداد إلا مقترح في هذا الاتجاه.
في اليوم العالمي للمرأة تحضر المطالب العدلية بقوة، فهل استطاعت الحركة الإسلامية، وأنتم طيف من أطيافها، أن تثير الانتباه، بالقدر المطلوب، إلى الشق الإحساني من شعاركم في التغيير؟
أنا لن أتحدث باسم الحركة الإسلامية فلا هي كتلة واحدة ولا أنا مخولة بالحديث نيابة عنها، لكن باعتبار عضويتي داخل جماعة العدل والإحسان وهي جزء مهم من الحركة الإسلامية كما تفضلتم يمكنني القول بأن هذا المطلب الإحساني هو كلمتنا التي نقترحها على كل الغيورات والمهتمات والمناضلات، نحن بالفعل نناضل من أجل الحق في العدالة والكرامة والحرية لكننا ننسى الحق الأكبر؛ حق معرفة الله وحق السير إلى الله وحق طلب وجه الله. إن أكبر وأعظم قضية يمكن أن نناضل من أجلها هي قضيتنا مع الله تعالى، إن ربحناها تأتي القضايا الأخرى تبعاً ويصبح نضالنا من أجلها عقيدة ودينا وعبادة.
ما هي رسالتك التي تودين إيصالها إلى المرأة المغربية في يوم عيدها العالمي؟
كي تتجاوز المرأة واقع المظلومية عليها أن تسعى لنفض غبار الإقصاء والتهميش عنها، وأستشهد هنا بمقولة للإمام المجدد في كتاب التنوير: “حقوقك التي كفلها الشرع تنتزعينها من تعسف الرجل، وتتقدمين عليه بالعلم كي لا يحتكر هو الجهاد ويميل به إلى سوء استعمال الدرجة، ثم واجباتك في صد العدوان على الدين مما يليك علما يشرق في القلوب إيمانا وتصديقا وفي العقول تدبيرا وتطبيقا”. فالعلم سلاح ضروري لخوض معركة التغيير، علم يشع معرفة بالله وطلبا لوجهه، وجهاد توعية ومحوا للأمية العقلية والسياسية. وفي الأخير أدعو كل الغيورات والغيورين والفضليات والفضلاء من رجال ونساء هذا البلد إلى تعاون حقيقي في البحث عن حلول جادة للرقي بالمرأة للمساهمة الكاملة والفعالة في مجتمعها جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل.