ذة. مسامح: رمضان فرصة لتجديد معاني الاجتماع الأسري وتوثيق عرى التواد

Cover Image for ذة. مسامح: رمضان فرصة لتجديد معاني الاجتماع الأسري وتوثيق عرى التواد
نشر بتاريخ

كشفت الأستاذة خديجة مسامح، عضو الهيئة العامة للعمل النسائي، أن الهيئة أطلقت حملة (#آجي نقول لك كليمة #باش اللمة تبقى ديما) في هذا الشهر العظيم، بهدف جعله فرصة لتجديد معاني الوصل بين أفراد الأسرة وإحياء معاني الاجتماع الرحمي وبث قيم التواصل وتوثيق عرى التواد بينهم عن طريق التوسل بكل السبل الموصلة إلى القصد، وذلك لاستثمار عطايا الرحمان في شهر رمضان حيث يجتمع فيه ما يتفرق في غيره.

وأفصحت في تصريح لبوابة العدل والإحسان أن الدافع لهذه الحملة هو ما أصبحت تعيشه مجموعة من الأسر من تفكك وافتراق بين أفرادها، حتى وإن كانوا يعيشون في بيت واحد وتحت سقف واحد، نتيجة تغيرات اجتماعية وتحولات ثقافية وثورة تكنولوجية سهلت التواصل مع العوالم الخارجية، وقلصت بشكل كبير العلاقات بين ذوي القربى وأهل الرحم، حيث تجد الفرد منفتحا على العالم بأسره عبر وسائل التواصل الاجتماعي بينما تجده منقطعا عن عالم أسرته حتى يكاد لا يعلم عنهم شيئا في بعض الحالات. فحل محل التواصل والتآزر والتآلف الأنانية والفردانية وحب الذات.

المتحدثة أكدت أن العلاقات عندما تصبغ بالصبغة الدينية وتكون الغاية منها تعبدية وتتعدى كونها عادات موروثة وثقافات مألوفة، لاشك أنها تزيد الصلات توثيقا والمحبة تعميقا، لأن الصائم المؤمن والمحتسب يستحضر في رمضان حقوق الله عليه من عبادة وطاعة وشكر وتعظيم وأداء لحقوق عباده، وأقرب العباد إلى الفرد أولى وأحق بالصلة، وذلك بانتقاء أطايب الكلام معه، وما يستصحبه من أخلاق العناية والاحترام المتبادل والتقدير والتعظيم والتشجيع والمواساة وحسن الإنصات. فإذا كان المؤمن يصل بحسن خلقه درجة القائم الصائم فكيف إذا اجتمعت لديه المحاسن كلها: صيام وقيام وحسن خلق مع الناس أجمعين، وفي مقدمتهم الأهل وذوي الرحم.

وتسترسل مسامح في ذكر نعم الله تعالى على عباده المخلصين في هذا الشهر الفضيل؛ حيث يصفد الشياطين فتعسر المعصية ويكره الفسوق ويذهب الحنق ويغيب الغضب، ويفتح أبواب الجنان فييسر الطاعات ويحبب الإيمان في القلوب، فتصبح الأوعية مستعدة للتراحم والتسامح والاجتماع على ذكر الله والتعاون على طاعة الله تعالى.

وتضيف مفصلة في آثار هذه الفضائل على تقوية الوشائج الأسرية قائلة: فإذا كان للاجتماع على طاعة الله تعالى من البشائر والفضائل ما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم في حديثه (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) 1، فإن أهل البيت إذا اجتمعوا لاشك أن هذا الفضل يعمهم، فيستبشرون بنعمة الله عليهم وفضله، فالحديث عام في كل قوم تربطهم رابطة الأخوة الإيمانية ورابطة الصحبة، فكيف إذا جمعتهم مع ذلك رابطة الرحم وشراكة الدم. تجتمع الرابطتان فيتحقق المقصود الأعظم الأجل الأكمل. يجعلون بيتهم قبلة، يشدون أزر بعضهم، تربطهم حبال المودة والرحمة الضامنة للطمأنينة والسكينة ومن ثم الفوز بالحياة الطيبة في الدنيا والآخرة. يتعاونون على البر والتقوى أعظم مقاصد رمضان قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183].

يجتمعون على تلاوة كلام الله في شهر القرآن؛ يتدارسونه ويقفون على معانيه بتدبر، ويستخلصون منه ما يهديهم لطريق الاستقامة على منهج الله فتنزل عليهم السكينة، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت: 30]. والسكينة هدوء روحي وسلامة قلب، قال ابن قيم الجوزية في ذكر منزلة السكينة هي: “سكون ينزله الله في قلب عبده عند اضطرابه من شدة المخاوف، فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه، يوجب له زيادة الإيمان وقوة اليقين والثبات” 2، فتعمهم رحمة من الله يتراحمون بها فيما بينهم، والرحمة محبة ومودة تسري بينهم، وتوفيق وبركة ويسر في الدنيا ومغفرة ودخول إلى الجنة، ولقاء في الجنة جمعا. فـ“المرء مع من أحب” كما أخبر صلى الله عليه وسلم. إخوة على سرر متقابلين، وأزواج على الأرائك متكؤون يلحق الله بهم ذريتهم. يجتمعون على الإيمان في الدنيا فيجمع الله بينهم في الآخرة.

يحيط جمعهم الملائكة فتنسحب الشياطين خانسين، فلا تجتمع الملائكة إلا في أماكن الطاعة والذكر، فيذكرهم الله في الملإ الأعلى عنده، أعظم شرف يتحقق لمن رضي الله عنهم ورضوا عنه.

يجتمعون في رمضان كي يسبحوا الله كثيرا ويذكروا الله كثيرا ويتذاكرون في أمور دينهم ودنياهم فيسعَدون ويُسعدون، يحرصون على استثمار عدد الأنفاس في اليوم والليلة في طاعة الله والفرار من كل الملهيات والشواغل عن القصد، فيكون هو بداية المسير نحو تحقيق الوحدة المجتمعية الضامنة لوحدة الأمة.


[1] رواه مسلم في صحيحه باب استحباب الاجتماع على القراءة.
[2] ابن قيم الجوزية مدارج السالكين، م 2، ص 471.