منذ التدخل الوحشي في حق مرابطي رابعة والنهضة وما تلاه، طاحت عني العبارة، وفنيت مني الإشارة، وما حاولت شعرا إلا وخانتني القوافي، حتى جاءت ذكرى حبيبنا سيدي عبد السلام ياسين رحمه الله. وما زلتُ أقدم حرفا وأؤخر آخر حتى أهاب بي أحبابي في جماعة العدل والإحسان بمدينة طنجة، فإذا الكلمات هونا يلتئم شتاتها أُبَيَّاتٍ، نسأل الله أن ينفعنا بها يوم لقائه، ونعوذ به سبحانه من فتنة القول والعمل.
دَعاني إلى الأشعار كَيُّ الأضالع
وشوقٌ إلى الأحباب أجرى مدامعي
وكنتُ وقد غارَتْ شُموسي وأنْجُمي
وماطَلَ صُبْحي في تَوالي الفَجائِعِ
خَرقْتُ سَفينَ الشِّعْرِ لاَ يَغْصِبَنَّهُ
مَليكٌ بأهْوائي قَبيحُ الصَّنائِعِ
وَصِرْتُ أُساقي القَلْبَ تِرْياقَ دائِهِ
زُعافًا رآهُ النَّاسُ لَيْسَ بِنافِعي
وكانت بناتُ الشِّعْرِ قدْ بيعَ حرفُها
لِكُلِّ أخي وَجهَيْنِ في الُّذِّل قابِعِ
فدِفْتُ القوافي في فيافي تجاهُلي
لِرَشْفِ المَراقي مِنْ سواقي الصَّوامِعِ
وجئتُ الزوايا غافِلاتٍ عَنِ الخَنَى
حَواضِرَ قَلْبٍ في المَواجيدِ راتِعِ
تُلاقيكَ صفحاتُ الوجوهِ وفوقَها
ترانيمُ آيٍِ تَزْدَهي للمُطالِع
فأذْهَلَني قُربي وبُعْدِيَ واقِعٌ
سَكِرْتُ بنورِ القُرْبِ عنْ بُعْدِ واقِعِي
وَقالوا هِيَ الِّذكرى تَعودُ فقلتُ لي
أأشْدو؟ وقد طَلَّقْتُ قبلاً روائِعي؟
وأرْثي حبيبًا عندَ ذِكْر رحيلِه
وأبناؤهُ الأبْرارُ فخْرُ المَجامِعِ
تُذَكِّرُنا سَمْتَ الفَقيدِ سِماتُهُم
وتَحْفَظُ فينَا سِرَّه كالوَدائِعِ
أتيتُ الحِمَى سائِلاً عَنْ قرابَةٍ
تحجب كالعذراء خلف البراقع
تَستَّرُ بالأسماء ضنًّا بوسْمِها
وتُفلِتُ للعُشّاقِ بين الذرائع
وليست تُميطُ الحُجْبَ إلاَّ لِقَاصِدٍ
قليلِ التَّواني صادقِ العَزْمِ خاشِعِ
أتيتُ حِماها ناثِرا لِمَواجِدي
كَنثْرِ السَّماءِ الدَّمْعَ فوق المَرابعِ
وما هُوَ بالشِّعْرِ الَّذي رَقَّ نَظْمُه
ولا هُوَ بالنَّثْرِ ارْتقى حَرْفَ ساجِعِ
ولكنَّه ذَوْبُ التَّراقي ولوعةٌ
تَصادَتْ نَشيدًا شاهِقًا بالزّعازِعِ
مضى الحَوْلُ خَطْفًا عَنْ وِصالٍ وَجيرَةٍ
تُدَفِّئُ أوصالَ المُريدِ المُتابعِ
تُهَدْهِدُ منهُ العقلَ والقلبَ مثلما
تُهَدْهِدُ أطفالاً حُجُورُ المَراضِعِ
مضى ساربًا والُعمرُ في إْثر طيِفه
يسيرُ فمُْثرٍ أو قليلُ الَمنافعِ
وما سِيَرُ الأمجادِ إلاَّ مواعظٌ
وما ذكرُهم إلا بريُد اللوائعِ
سقى اللهُ هاتيكَ المَحاضِنِ إنَّها
لِكُل أخي عِشْقٍ شِفاءُ المَواجِعِ
مَحاضِنُ يُلْقي عندَها الصَّبُّ بَوْحَه
فَلا الصَّدَّ يَخشى لا خِداعَ المُنازِع
يُنيخُ بها ذو الثِّقْلِ يَنْزاحُ ثِقْلُه
وَتُرْخي لَدَيْها النَّفْخَ أمُّ الزَّوابِعِ
تَميسُ رُخاءً – بعدَما مالَ عودُها
– زُهورُ المَعاني في رِياضِ المَسامِعِ
وَتَروي غُيوثُ الذِّكْرِ – نَشْوى بِنَفْحِها
عَلى مُهَجِ الغَرْثى – ُبذورَ اللَّواذِعِ
أتاها بأعرابِيَّةِ الطَّبْعِ وافِدٌ
فَغَادَرَ للشِّعْرى سَنِيَّ النَّوازِعِ
فَلِلَّهِ أيُّ الفضْلِ فَضْلٌ لِحارِثٍ
نفوساً بهذا النّورِ فيهِنَّ زارِع
يكابِدُ ليلا زَمْهَريرا لِكَيْ يَرى
نَؤومُ الضُّحى وَجْهَ الشُّموسِ السَّواطِعِ
ويألَمُ – والَهْفاهُ – حتَّى كأنَّما
لهُ الألمُ الوهَّاجُ أمرُ الشَّرائعِ
ويَبْسِمُ رَغْمَ الضُّرِّ لَيْسَ بِذي وَنىً
إذا السُّفَها لَجُّوا ولا ذي تَراجُعِ
وَيَمْتَدُّ سَهْلاً للضَّعيفِ مُطاوِعًا
وَيعْلُو أشَمًّا للعَنيفِ المُقارِعِ
مكارِمُ يُفْني المَرْءُ فيها حَياتَهُ
وَتَغْلِبُ فيها سَيِّئاتُ الطَّبائِعِ
ولكنَّه ميراثُ أحْمَدَ في الوَرى
وياسينُ في الميراثِ شَيْخُ الطلائعِ
فذلِكُمُ ياسينُ ليتَ شِعْرِيَ لَمْ أجِدْ
عديلا لهُ في الَّناسِ غيْرَ مُصانعِ
ويا إخْوَةً في اللِه هَذي إلَيْكُمُ
بِحُبّي وتَحْناني كُفوفُ المُبايِعِ
نَعَمْ لي أبٌ في الخَيْرِ لَيْسَ ببائِعي
وإخْوانُ صَفْوٍ مِنْهُ طُهْرُ المَنابع
وهمُ وأْنتُمْ نَحْوَ أحمَدَ قَدْ غَدَتْ
بِكُمْ سُفُنُ الإيمانِ غَيْرُ جَوازِعِ
فإنْ كانَ في بَحْرٍ غَشَوْهُ قَواصِفٌ
ولَطْمٌ لأمْواجٍ قِباحٍ نَواقِعِ
فأنْتُمْ لَهُمْ رِدْءٌ وَرِدْءُ دُعَاؤكُم
وَهُمْ – لَيْتَ شِعْري – كاشِفَاتُ الْمَطالِعِ
وَكَمْ رَشْفَةٍ للدَّاء كانَ بهَا الدَّوا
وَكَمْ زَلَّةٍ كانَتْ دَليلَ الْمُراجِعِ
سَقَى اللهُ جِسْماً في الرَّباطِ مَقيلُه
ورُوحاً لَهَا الأرْواحُ خيرُ المَضاجِعِ
وَفِكْراً سَرِيّاً بارَكَ اللهُ مَدَّهُ
وعُمْراً مَضَى في الحَقِّ ليسَ بخانِعِ
فأيَّتُها الذِّكرى ذَكَرْتُ بكِ العُلا
وَحَرَّكَتِ الأشْواقُ مِنِّي أصابِعي
ذَكَرْتُ بكِ الأمجادَ والبَغْيُ راغِلٌ
بأُمَّتِنَا مِثْلَ البَعيرِ المُمَانِعِ
وألْوِيَةُ الرَّحمنِ تَخْفقُ في الحَشَى
غَداً سوفَ تُعْلى في الرّوابي الشَّواسِع
هُوَ الوَعْدُ لا كِذْبا أتانا بهِ المدَى
وأنْتُمْ بهذا الوَعْدِ خَيرُ الصَّوادِعِ