رائدة من بيت النبوة.. السيدة خديجة رضي الله عنها

Cover Image for رائدة من بيت النبوة.. السيدة خديجة رضي الله عنها
نشر بتاريخ

إن البناء المجتمعي بناء متماسك ترتبط لبناته بعضها ببعض، لتنسج لنا نسيجا تتآلف مكوناته فيما بينها، مخلفة أثرا إيجابيا ينحى به إلى الرقي والسمو المجتمعي. ولعل من شروط هذا الانسجام، التوافق بين جنسيه الذكر والأنثى.

وما المجتمع المسلم في العصر النبوي إلا نموذج سام ومثالي لهذا الأمر. فالتشريع الإسلامي أعاد التوازن المجتمعي بعد عصور من الانحطاط والتهميش للمرأة، ليجعل منها رائدة، كأخيها الرجل، في مجالات عدة، وأناط بها أدوارا طلائعية في إقامة أسسه التي لا يقوم المجتمع إلا بحضورها.

ولقد أثبتت المرأة في العصر النبوي كفاءتها وجدارتها لتصدر هذا الأمر، فقدمت لنا نماذج رائدة في مجالات عديدة كان لها السبق في اقتحامها، مهدت السبيل لمن سيأتي بعدها.

ولعل الرائدة الأولى التي تخرجت من بين جدران بيت النبوة؛ أم المؤمنين “السيدة خديجة”، السباقة في مجالات عدة، أهمها أنها أول من صدقت بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإذا كان علماء اللغة قد عرفوا مصطلح “الريادة” بأنه السبق في بدء مشروع وانطلاقه، وبأنه اقتحام ميدان عمل ما، فإن السيدة “خديجة” قد اقتحمت ميدانا لم يتجرأ سادة قريش وكبراؤها على اقتحامه، فكانت أولى النساء القائمات بذلك، فآمنت وصدقت بدين غير دينها ودين آبائها وأجدادها. أضف إلى ذلك أنها كانت رائدة في زمانها بكسر عادة وعرف من أعراف قومها، إذ أبدت إعجابها ورغبتها في الزواج من رسول الله صلى الله عليه وهو أصغر منها سنا، وأقل منها مالا، بل ويشتغل في تجارتها.

يقول ابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة: “.. إن السيدة خديجة – رضي الله عنها – كانت ذات شرف وجمال في قريش، وإن النبي – صلى الله عليه وسلم – خرج في تجارة لها – رضي الله عنها – إلى سوق بصرى، فربح ضعف ما كان غيره يربح. قالت نفيسة، أخت يعلى بن أمية، فأرسلتني خديجة إليه دسيسا (خفية) أَعرض عليه نكاحها، فقبل وتزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة، والذي زوجها عمها عمرو، لأن أباها كان قد مات في الجاهلية. وحين تزوجها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كانت أيِّما، بنت أربعين سنة، وكان كل شريف من قريش يتمنى أن يتزوجها، فآثرت أن تتزوج برسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأصابت بذلك خيري الدنيا والآخرة”.

لقد كان لخطوتها هاته الخير الوفير الذي انعكس على دعوة الله عز وجل، فسجلت بذلك صفحات مشرقة مثقلة بالبذل والعطاء المادي والمعنوي، فكانت رائدة في حبها ودعمها لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أصعب وأحلك اللحظات؛ لحظة بدء نزول الوحي لتثبته بكل قوة وعزم مخاطبة إياه بكل يقين: “والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الدهر”.

فأي ريادة تعلو وتسبق ريادتها في موقف يحير فيه العقل ويعجز فيه اللسان، ليجعلها الله أول من آمن وصدق وساند وآوى ونصر.

فلله درك من امرأة رائدة يا أم المؤمنين! كنت وما زلت نعم النموذج المحتذى.