تعريف الأمانة
الأمانة من أعظم القيم التي جاء بها الإسلام، وهي من الأخلاق التي يزكي بها المؤمن نفسه وتسمو بها روحه.
الأمانة في اللغة مأخوذة من الجذر “أمُن”، وهي الأمن والسكون وزوال الخوف، وهي ضد الخيانة. أما اصطلاحا، فتشمل كل حق لزم الإنسان أداؤه وحفظه. وقد عظم الله شأن الأمانة، فقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء: 58].
وهذه الآية الكريمة أمر صريح من الله سبحانه وتعالى لكل المؤمنين والمؤمنات بأداء الأمانة إلى أهلها دون تهاون أو تأخير. كما جاء في الحديث الشريف عن النبي ﷺ قوله: “لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له، ولا دينَ لمن لا عهدَ له” 1.
فالأمانة إذن ليست خلقا جزئيا أو سلوكا اجتماعيا، بل هي ركن من أركان الإيمان ومقياس صدق العقيدة في القلب.
تجليات الأمانة في حياة المؤمنين
الأمانة في حياة المؤمنين مفهوم شامل، يتجاوز حفظ الأموال والودائع، ليشمل كل جوانب الحياة. فهي أمانة الدين حين يؤدي المؤمن عباداته بإخلاص ويلتزم بما أمر الله به، وهي أمانة العلاقات حين يحفظ الأسرار ويفي بالعهود، وهي أمانة المال حين يؤدي الديون ويرد الحقوق إلى أهلها دون مماطلة، وهي أيضا أمانة المسؤولية حين يقوم بواجباته الأسرية والدعوية والاجتماعية بصدق وإتقان.
قال الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله في كتاب الإحسان: “والأمانة لازمة من لوازم الإيمان، لا تتساكن في جذر القلوب مع النفاق. فنفهم نزولها في القلوب نزولًا للإيمان فيها واستقرارًا” 2 وهذا يوافق قول النبي ﷺ في الحديث الذي رواه البخاري في باب الأمانة: “تنزل الأمانة في جذر قلوب الرجال” 3.
فالأمانة والإيمان قرينان لا يفترقان؛ إذا نُزعت الأمانة من القلب، ضعف الإيمان وغابت التقوى.
أهمية رد الأمانة وأداء الدين
يعلم المؤمن أن التهاون في أداء الحقوق ظلم للآخرين وتقصير في حق الله. لذلك، فواجب عليه أن يحرص على رد ما عليه من ديون وأمانات، وينقي ذمته وماله من كل نقص أو غش.
والأمانة طريق إلى رضا الله، وسبيل لنيل ثقة الناس ومحبتهم، فهي تجعل المؤمن صادقا في كلامه، وأمينا في معاملاته، ومقدرا لحقوق الآخرين.
وقد كانت أمنا خديجة رضي الله عنها مثالا حيا للأمانة في مالها ومعاملاتها، مقتدية برسول الله ﷺ الذي كان يعرف بالصدق والأمانة حتى لقب بـ”الصادق الأمين”.
الأمانة أيضًا تزرع في النفس شعورا بالمسؤولية والاتزان النفسي، وتكسب مكانة عالية في المجتمع، وتؤهل للقيادة والعمل الدعوي والأسري.
الأهداف التربوية للأمانة
تهدف التربية الإيمانية إلى غرس قيمة الأمانة في النفوس حتى تصير جزءًا من السلوك اليومي. فينبغي أن ندرك خطر التهاون في أداء الأمانة وردّ الدين، وأن نعلم أن ردّ الأمانة من صفات الإيمان، وأن الخيانة من علامات النفاق، كما قال النبي ﷺ: “آيةُ المنافقِ ثلاثٌ: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان” 4.
وقد قال الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله في كتاب المنهاج النبوي: “النفاق بشُعبه، وأهمها الكذب في الحديث، وإخلاف الوعد، وخيانة الأمانة، والفجور في الخصام” 5.
فالمؤمن الصادق يجاهد نفسه ليبتعد عن هذه الشعب المفسدة للقلب، ويتحلى بصفات الإخلاص والصدق والأمانة في القول والعمل. كما يتعلم أن الأمانة ليست فقط في المال، بل في كل ما يوضع تحت مسؤوليته من أسرار وأعمال ومهام، وأنها عبادة ترضي الله وتزكي النفس، وتثمر بركة في الحياة الأسرية والدعوية والاجتماعية.
الخاتمة
إن رد الأمانة وأداء الدين ليسا مجرد التزامات اجتماعية، بل هما عبادة وإيمان، ودليل على صفاء القلب واستقامته.
والمؤمن الصادق هو الذي يفي بالعهد ويحفظ الأمانة في السر والعلن، ويسعى في كل حين إلى رضا الله في تعامله مع خلقه، بهما يرتقي في مدارج الإيمان ومراتب الإحسان.