لعله من عظم الشهر الفضيل عند الله أن قدم له بشهري رجب وشعبان لكي يستعد المؤمنون له استعدادا يليق به، بما هو تجل ممن تجليات الرحمة الإلهية، وحفز الشارع على مختلف الخيرات في هذين الشهرين العظيمين وبذلك لا يصير رمضان مجرد شهر للصيام، بل هو محطة روحية عظيمة وفرصة ذهبية لتجديد العهد مع الله. إنه شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، حيث تتنزل البركات وتفتح أبواب الخير. ولضمان الاستفادة الكاملة منه، علينا أن نستعد له بقلوب نقية ونفوس متلهفة للطاعة، فهو ليس نهاية طريق، بل بداية وفرصة لمن أراد أن يسير إلى الله بخطوات ثابتة.
المداومة على التوبة وتجديد النية
بداية الطريق تكون بالتوبة الصادقة، والرجوع إلى الله بقلب منيب، فإن أعظم استعداد لرمضان أن نستقبله ونحن مطهرون من الذنوب. قال الله تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (النور: 31).فاذا كان رمضان مطهرا “جاءكم المطهر ” فنطهر له قلوبنا حتى نغنم الطهارة الكاملة.
لزوم الصحبة والجماعة
طريق الإيمان يحتاج إلى صحبة دالة على الله ومعينة على طاعة الله، فلنحرص جميعا على أن تحيط نفسك بمن يعينك على الطاعة، فالمسلم يتقوى بأخيه. اجتمع مع أهلك وأصدقائك على الخير، ولتكن المساجد وجهتك في رمضان، فإن للعبادة في الجماعة أثرًا عظيمًا في ثبات القلب.
إحياء القلب بالعبادة
” لن يكون أبدا من المحسنين من لم يكن أولا وأخيرا من العابدين”، رمضان شهر القرآن والقيام، فلا يكفي أن نصوم عن الطعام والشراب، بل يجب أن نصوم عن الغفلة والكسل. فلنكثر من تلاوة القرآن، ولنحرص على صلاة التراويح والتهجد، فإنها مدرسة للتقوى وصفاء الروح. قال رسول الله ﷺ: “من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه” (البخاري ومسلم).
يوم المؤمن وليلته: البرنامج الهدف
للكينونة مع العابدين لا مناص من تنظيم الوقت والخروج من زمن الغفلة في أتون العادات والدخول في زمن وأنوار العبادات، فليكن يومنا في رمضان مفعمًا بالذكر الكثير والطاعة وذلك بجعل الصلاة في وقتها محور اليوم وبوصلته الموجهة، ولنتزود من نور القرآن بالحفاظ على الورد اليومي من القرآن، ولنغتنم الأوقات الفضيلة ونفردها بالأعمال الجليلة استغفارا بالأسحار وتسبيحا في أطراف النهار. لا بد من التقليل من الملهيات بالنهار لينجمع القلب على الله.
ولنغتنم لحظات من الثلث الأخير من الليل في الدعاء بعد القيام، فرب دعوة تغير الأقدار وتنهض الهمة لطلب المعالي. ولنخرج إفطاراتنا وسحورنا من العادة الغذائية الاستهلاكية ولنغرسه في أرض السنةً بنية التقوي على العبادة.
كيف نعيش رمضان كمحطة للتغيير؟
اجعل رمضان بداية جديدة، وليس مجرد شهر عابر. تعلم كيف تستمر في الطاعة بعده، وحافظ على ما اعتدته فيه من قيام وصيام وصدقة. قال أحد الصالحين: “إن من علامة قبول الطاعة أن يتبعها العبد بطاعة أخرى”، فاجعل رمضان نقطة انطلاق لا محطة مؤقتة.
الخاتمة
ها هو رمضان بين أيدينا، فهل سنحسن استثمار الفرصة؟ اجعل نيتك خالصة لله، واستعد له بروح تواقة للخير، وهمة عالية في الطاعة. اللهم بارك لنا في رمضان وأعنا على صيامه وقيامه، واجعلنا فيه من المقبولين والمتقين. آمين.