روح الخدمة خدمة للروح

Cover Image for روح الخدمة خدمة للروح
نشر بتاريخ

قرنت مادة خدم وخادم وخادمة بكل معاني الذل والاحتقار والمهانة والاستصغار حتى أصبحت النفوس تأنف وتكره أن توصف بها خصوصا إذا كانت بصيغة المبالغة خدّام وخدّامة، والكل يترفع أن يكون كذلك ولو لأقرب المقربين حتى وجدنا من الأمهات من تترفع عن خدمة أطفالها فلذات كبدها، وحتى وجدنا من الزوجات من تعتبر أن سقي زوجها شربة ماء يدخل ضمن المفهوم السلبي للكلمة، ووجدنا من الأبناء من يتعفف عن مد والديه بقطعة خبز من أقرب الأماكن، ووجدنا من الجيران من يهمل نظافة أفنية البيوت المشتركة تهربا من أن يصدق عليهم مفهوم هذا المصطلح، حتى ماتت في أنفسنا روح الخدمة ونسينا ما ذكر في حقها من معاني إيجابية تذكر فضلها وأجر من تفضل بخدمة الناس، كل الناس الأقرب فالأقرب والأبعد فالأبعد، حتى تصبح هذه الخدمة خادمة للروح مسعدة لها بإسعاد غيرها، رافعة إياها في درجات محبة الله، فالخلق:“عيال الله، وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله”صدق رسول الله الذي كان يحمل الكل قبل أن يبعث نبيا رسولا، ويخدم أهله ويخيط ثوبه وهو النبي المرسل، وحق لصحبه من قبل وإخوانه من بعدهم أن يتأسوا به ويكونوا خدما للناس قائمين على أمورهم سائرين في حاجاتهم:“فالله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه “ 1 .

وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:“إن لله خلقا خلقهم لحوائج الناس يفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله” 2 . وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:“إن لله أقواما اختصهم بالنعم لمنافع العباد يقرهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم “ 3 ، فهذه الأحاديث وغيرها كثير تظهر المكانة التي يتبوؤها من يسير في قضاء حوائج الناس وخدمتهم، فطوبى لمن استطاع أن يستجلب كرامة نفسه بإكرام الناس والنزول عند احتياجاتهم طوبى لمن جاهد نفسه الجهاد الأكبر وروضها على التواضع ورجع بغنيمة تكون له ذخرا يوم لا يغنيه ماله وولده من الله شيئا.

قتل النفس في سبيل الله بمعنى قتل تلك النخوة الكاذبة التي تأبى أن يكون المرء خادما لعيال الله بكل ما حباه الله من نعم؛ وقته وجهده وماله وجسده يده ورجله وسمعه وبصره كلها مسخرة لخدمة عباد الله ونفعهم وهو بهذا يخدم هذه الروح التي تبحث عن السعادة وتتمسك بكل أمر يمكن أن يوصل إليها، تلك السعادة الحقيقية واللذة الأصيلة في ذات النفس وتستمر معها إلى أن تلقى ربها وتنظر إلى وجهه الكريموجوه يومئذ ناظرة لربها ناضرة.

فعلى قدر الهمة والصدق والإخلاص يعطى المرء. فماذا يعطى خادم المؤمنين بالجد والتفاني؟.

إنه حب الله

فمن أعطي حب الله كان في عنايته ورعايته الدائمة وعاش في كنفه وفاز بحفظه ودعى المنادي أن ينادي أهل الأرض أن قد أحببت فلانا فأحبوه فوجب له حبهم. فأصبح محط تقديرهم واحترامهم.

السعادة

فمطلب كل امرئ أن يعيش سعيدا ويذوق طعم الطمأنينة، والخدوم يستشعر سعادة وحلاوة في قلبه حين يسعد الآخرين، لأن المرء كلما مد يده للبذل كلما أخذ ونهل، ويكفيه من الجزاء تلك الفرحة التي تغمر قلبه وهو يخدم غيره فإن كان ذلك بإحسان وإتقان فذلك هو الكمال المنشود.

الكرامة

عزة المؤمن يكتسبها من تذلله للمؤمنين، هي معادلة شرعية ثابتة فكرامته يتمتع بها أثناء خدمته لهم وبعدها.

حب الله والسعادة والكرامة كلها تستحق أن ننمي روح الخدمة في أنفسنا حتى تصبح ملكة راسخة فيها كأنها فطرة فطرت النفس عليها دون استثقال ولا تكلف فتكون روح خدمة الناس خادمة للنفس.


[1] رواه مسلم وأبو داود والترمذي
[2] رواه ابن أبي الدنيا في كتاب اصطناع المعروف عن الحسن مرسلا
[3] رواه ابن أبي الدنيا والطبراني