من المقاطع المعبرة في أغاني فرقة ناس الغيوان، وذات المعنى الممتد في الزمان والمكان، قولهم: ما هموني غير الرجال إلا ضاعوا، أما الحيوط إلا رابو كلها يبني دار. ويقصدون بها فقدان الأشخاص ذوي المكانة المعتبرة بين ذويهم وعائلاتهم ومجتمعهم وبلدانهم. فقدانهم بسبب موت أو تغييب قسري أو نائبة من نوائب الدهر الكثيرة المتكررة.
تحضرني أغنية ناس الغيوان هذه التي غنيت مطلع السبعينات من القرن الماضي والمغرب يعيش تحت هول ما خلفه زلزال الجمعة الثامن من شتنبر، والذي ترك خسائر كبيرة الحجم عظيمة الأثر والتأثير في حاضر ومستقبل المغرب والمغاربة. لكن أفظع هذه المخلفات هي تلك التي سجلت في الأرواح، إذ تأكد حسب الإحصاءات الأولية أن عدد الوفيات قد شارف الثلاثة آلاف شهيد رحمهم الله تعالى، ومثلهم من الجرحى والمصابين عجل الله بشفائهم.
كل القتلى في هذا الزلزال سيترك غيابهم خرقا لا يرقع وجرحا لا يندمل في حياة ذويهم ومجتمعهم، لكن هذا الغياب يزداد حجمه وتطول مدته عندما يتعلق الأمر بأشخاص كانوا بمثابة ملح البلد في هذه المناطق، وما ذلك إلا للأدوار التي كانوا يقومون بها والرسائل التي كانوا يحملونها إلى باقي أفراد المجتمع.
مِن هؤلاء؛ حملة كتاب الله تعالى الذين قضى عدد منهم بهذه المناطق تحت أنقاض الجوامع والمدارس القرآنية، وهم يضطلعون بمهمات الأنبياء في التعليم والدعوة والموعظة. ثم إلى جانبهم استشهد عدد غير قليل من رجال ونساء التعليم الذين التحق معظمهم حديثا بهذه المهمة النبيلة، بل إن من بينهم من هو أو هي حديث التعيين والمزاولة لمهنة التربية والتعليم. ثم كان كذلك من ضحايا الزلزال نفر من أصحاب البدلة البيضاء نساء ورجال الصحة والتطبيب، وهم الذين كانوا يتحملون المشاق في إنجاد المرضى والمصابين على طول الشهور والأعوام.
في ديننا الإسلامي الحنيف تظهر جلية أهمية ومكانة الإنسان قبل البنيان، ومركزية الفرد قبل الحيطان، وقد دعا الإسلام إلى ذلك وركّز عليه، حيث جاء في حديث الإمام الترمذي الذي يرويه عن سفينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “المؤمن أعظم حرمة من الكعبة”.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: “ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وأن نظن به إلا خيراً” رواه ابن ماجة.
رحم الله شهداء الزلزال من نساء ورجال وأطفال وشيوخ مغرب الظل، الذي لا تصله كاميرات الإعلام وعيون السلطة إلا عند الحدوث النكبات، وأنعم على المصابين بنعم الصحة والعافية والمعافاة الدائمة، وجعل هذا البلد آمنا في أهله وأرزاقهم وأقواتهم.