هناك سبعة أسباب واضحة كافية تجعل النظام الأساسي الجديد لموظفي قطاع التربية الوطنية مرفوضا:
1. مرتكزاته المرجعية مفروضة ممنوحة متحكم فيها لكونها صنعت في دواليب الدولة العميقة بالمنهجية ذاتها التي أعدت بها مختلف إصلاحات التعليم الفاشلة بالمغرب؛ كأحكام القانون الإطار الذي جاء -بزعم الإجماع الوطني- لتسييج المجال التربوي وتقنينه وضبطه بتصورات وإجراءات تغلق عقل التفكير التربوي أمام إمكانات “التغيير” خارج ما يعرضه الصندوق “المخزني”. وكتوجهات النموذج التنموي الجديد الذي صنع على أعين فرنسا، ودعا هو الآخر إلى تسييج بنية المجتمع عبر فرض “ميثاق وطني للتنمية” يسد المجال المجتمعي بأقفال اللاتفكير إلا في الحدود المرسومة سلفا. وكذا التزامات خارطة الطريق التي تمثل “برنامجا استعجاليا جديدا” لتسريع تنزيل “الرؤية” المتعثرة، والتهام المال العمومي من خلال برامج مستوردة. وكأهداف البرنامج الحكومي الذي تتبدد وعوده يوما بعد يوم في تدعيم “الدولة الاجتماعية” وتتحطم بفعل سياسات تزيد المواطن غرقا في بؤر الفقر والهشاشة والتخلف التنموي. ثم إن هذه المستندات المرجعية متداخلة ومختلطة وغير منسجمة لجمعها ما بين ما عد قوانين مؤطرة، وما هو في حكم النوايا البرمجية، وما هو اتفاقات مع شركاء نقابيين، وما هو خليط من المراسيم والقوانين التي يعود بعضها إلى فترات زمنية مختلفة.
2. رؤيته في مقاربة سياقات التنزيل غير صادقة ولا نسقية؛ إذ في الوقت الذي يتم فيه التركيز على سياق الوضعية “المقلقة” للقطاع، وهي صيغة لطيفة للتعبير عن “الكارثة” العامة التي تحياها المنظومة التربوية، يتم السكوت عن سياق عام ومتردد عنوانه البارز “الفشل” في “إصلاحات” المنظومة التربوية، و”الفشل” في مبادرات التنمية البشرية، و”الفشل” في احتواء تصاعد مظاهر الاحتقان والاحتجاج في المجال التعليمي خصوصا والاجتماعي عموما. كما يتم إخفاء وتغييب سياق أعم وأشمل هو المضي في تنفيذ الالتزامات الدولية للمغرب، والاستجابة النجيبة لإملاءات المؤسسات العالمية المانحة، ومن هنا نفهم الصمت المريب عن ذكر “الميثاق الوطني للتربية والتكوين” في المرجعيات المؤطرة لهذا النظام الأساسي الذي تحتوي مضامينه بذور مختلف ما يتم إقراره على مستوى تدبير الموارد البشرية.
3. نظرته تقنوية تجزيئية؛ حين يراهن واضعو هذا النظام ذوو الخلفية التقنية مشربا وتكوينا على النظرة الضيقة التي ترهن واقع التعليم والتربية بالمغرب بإجراءات تدبيرية، لا تسائل من منظور تقييمي علمي مسار النهج الإصلاحي للتعليم منذ عهود، ولا تعي التركيبة المعقدة لـ”بنيوية” الأزمة في المنظومة، ولا تفهم نسقية الارتباط بين وضع التعليم والمنظومة السياسية الجامعة بين السلطة والثروة والانخراط العام غير المشروط في سياق العولمة الدولية. ولعله من هنا اعتقد واضعو النظام الجديد أن الحديث عن معايير الاستحقاق والتحفيز والتثمين والمردودية والمسؤولية والمحاسبة كاف للنهوض بأوضاع الفاعل البشري في سياق منظومة مجتمعية مفتقدة لأي قيم ضامنة لربط المسؤولية بالمحاسبة.
4. منهجيته غير تشاورية ولا إشراكية؛ فالسرية لزمت مسار الإعداد، وذاعت الإشاعات والتسريبات، وكثر اللغط حول البنود والمضامين، وتعددت الرؤى حول المستجدات والمكتسبات، بل لقد قيل إن الانقلاب وقع حتى على النقابات التي أشركت، وكما غابت الديموقراطية في الإعداد غابت في التمرير القانوني بتغييب النقاش المجتمعي، من كان حجم الرفض من طرف الشغيلة التعليمية قويا والاتحاد حول النضال لإسقاطه متناميا. عدا هذا وعلى فرض وجود شيء من “الإشراك” فإن المسار الذي سيأخذه التنزيل باعتماد هذا الكم الكبير من المراسيم والنصوص التنظيمية المرجأة سيكون طويلا كالمعتاد، وسيختفي كالمعتاد أيضا في تفاصيلها شياطين البطء والالتواء وتمرير المراد المقصود الظاهر والخفي.
5. مخرجاته غير منصفة وغير عادلة؛ إذ به سيتم تحطيم ما تبقى من الوضع الاعتباري لرجل التعليم، وتأبيد نهج التحكم في القطاع، من خلال فرض التعاقد والتوظيف الجهوي، وتقييد الولوج لوظيفة التعليم، وتعويم المهام والخلط فيها، وترسيم مهام جديدة من دون تعويض مادي، ورهن الحرية في التنقل بدعوى الاستقرار البيداغوجي، والتهديد في الممارسة المهنية عبر سلسلة العقوبات، وتنزيل برامج تمييزية، وفرض نظام للتقييم والترقي في ظل شروط عمل مجحفة، وغير ذلك من الإجراءات التي تهدد الاستقرار النفسي والاجتماعي للفاعل البشري في مجال حيوي كالتعليم.
6. مقاربته الإصلاحية غير تربوية؛ لأنها تصدر عن منظور تسليعي للعملية التعليمية التربوية لما يحول النظام الأساسي الفاعلين في القطاع إلى مجرد “موارد بشرية”، ولما يوظف مفاهيم ولغة ذات حمولات مقاولاتية، ولما يتحدث عن تحسين مردودية المدرسة، وجودة الممارسة المهنية، والتحفيز المهني وكلها مقولات تجعل المدرسة كالمعمل، والمعلم كالعامل، والتلميذ كالزبون، والتعليم كالبضاعة. والحال أن التعامل مع الكائن البشري لا يمكن أن يشبه التعامل مع المواد والبضائع التجارية، والحديث عن تثمين الاستحقاق وتحفيز المبادرات الجيدة لا يصح في ظل غياب بنية مادية وبشرية ملائمة متكاملة الأركان تهيء الشرط الموضوعي لممارسة تربوية وتعليمية سليمة.
7. موارده المالية شحيحة؛ ففي الوقت الذي نلحظ مسارعة هيئات وظيفية أخرى لتحقيق مكاسب مادية مهمة جدا، نجد الشح والبخل والتقتير سمات تلزم الإنفاق على مجال التربية والتعليم. وهكذا إذا كان النموذج التنموي الجديد قد وعد بتعبئة مبلغ مالي قيمته 15.5 مليار درهم سنويا، منها (12 مليار / سنة، بما يمثل 1% من الناتج المحلي الإجمالي) للنظام الأساسي، نجد أن التمويل المادي المرصود الذي تتحدث عنه الوزارة قد حدد التكلفة المالية لتنزيل مقتضيات النظام الأساسي الجديد خلال الأربع سنوات المقبلة ما بين سنة 2024 وسنة 2027 في 9 ملايير درهم. بمعدل سنوي يصل حوالي 2,5 مليار درهم. وهو ما يطرح السؤال التالي: أين تذهب أموال القطاع؟ سواء تلك الموعودة أو المحصلة من الدعم الدولي، وهو ما يجعلنا أمام أسئلة الحكامة المالية في القطاع التي سودت في هدرها تقارير المجالس السيادية من دون جدوى.