اتفق الفقهاء على أنه يشترط لوجوب الحج، الشروط الآتية: 1 – الإسلام. 2 – البلوغ. 3 – العقل. 4 – الحرية. 5 – الاستطاعة. فمن لم تتحقق فيه هذه الشروط، فلا يجب عليه الحج. وذلك أن الإسلام، والبلوغ، والعقل، شرط التكليف في أية عبادة من العبادات. وفي الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “رفع القلم عن ثلاث، عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل”. والحرية شرط لوجوب الحج، لأنه عبادة تقتضي وقتا، ويشترط فيها الاستطاعة، بينما العبد مشغول بحقوق سيده وغير مستطيع.
وأما الاستطاعة، فلقول الله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا 1.
بم تتحقق الاستطاعة؟
تتحقق الاستطاعة التي هي شرط من شروط الوجوب بما يأتي:
1 – أن يكون المكلف صحيح البدن، فإن عجز عن الحج لشيخوخته، أو زمانة، أو مرض لا يرجى شفاؤه، لزمه إحجاج غيره عنه إن كان له مال.
2 – أن تكون الطريق آمنة، بحيث يأمن الحاج على نفسه وماله. فلو خاف على نفسه من قطاع الطريق، أو وباء، أو خاف على ماله من أن يسلب منه، فهو ممن لم يستطع إليه سبيلا. وقد اختلف العلماء فيما يؤخذ في الطريق، من المكس والكوشان، هل يعد عذرا مسقطا للحج أم لا؟. ذهب الشافعي وغيره، إلى اعتباره عذرا مسقطا للحج، وإن قل المأخوذ. وعند المالكية: لا يعد عذر، إلا إذا أجحف بصاحبه أو تكرر أخذه.
3، 4 – أن يكون مالكا للزاد، والراحلة. والمعتبر في الزاد: أن يملك ما يكفيه مما يصح به بدنه، ويكفي من يعوله كفايز فاضلة عن حوائجه الأصلية، من ملبس ومسك ومركب، وآلة حرفة حتى يؤدي الفريضة ويعود. والمعتبر في الراحلة أن تمكنه من الذهاب والاياب، سواء أكان ذلك عن طريق البر، أو البحر، أو الجو. وهذا بالنسبة لما لا يمكنه المشي لبعده عن مكة. فأما القريب الذي يمكنه المشي، فلا يعتبر وجود الراحلة في حقه، لأنها مسافة قريبة يمكنه المشي إليها. وقد جاء في بعض روايات الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسر السبيل بالزاد والراحلة. فعن أنس رضي الله عنه، قال: “قيل يا رسول الله ما السبيل؟ قال: “الزاد والراحلة”” 2.
قال الحافظ: (والراجح إرساله: وأخرجه الترمذي من حديث ابن عمر أيضا، وفي إسناده ضعف). وقال عبد الحق: طرقه كلها ضعيفة). وقال ابن المنذر: (لا يثبت الحديث في ذلك مسندا، والصحيح رواية الحسن المرسلة). وعن علي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج، فلا عليه أن يموت إن شاء يهوديا، وإن شاء نصرانيا، وذلك أن الله تعالى يقول: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)” 3.
والأحاديث، وإن كانت كلها ضعيفة، إلا أن أكثر العلماء يشترط لإيجاب الحج الزاد والراحلة لمن نأت داره فمن لم يجد زادا ولا راحلة فلا حج عليه. قال ابن تيمية: (فهذه الأحاديث – مسندة من طرق حسان، ومرسلة، وموقوفة – تدل على أن مناط الوجوب الزاد والراحلة، مع علم النبي صلى الله عليه وسلم أن كثيرا من الناس يقدرون على المشي. وأيضا فإن الله قال: في الج: “من استطاع إليه سبيلا” إما أن يعني القدرة المعتبرة في جميع العبادات -وهو مطلق المكنة- أو قدرا زائدا على ذلك، فإن كان المعتبر الأول لم تحتج إلى هذا التقييد، كما لم يحتج إليه في آية الصوم والصلاة فعلم أن المعتبر قدر زائدا على ذلك، وليس هو إلا المال. وأيضا فإن الحج عبادة مفتقرة إلى مسفاة فافتقر وجوبها إلى ملك الزاد والراحلة، كالجهاد. ودليل الأصل) 4 قوله تعالى: ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إلى قوله: ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم، قلت لا أجد ما أحملكم عليه. وفي المهذب: وإن وجد ما يشتري به الزاد والراحلة وهو محتاج إليه لدين عليه، لم يلزمه، حالا كان الدين ومؤجلا، لأن الدين الحال على الفور، والحج على التراخي، فقدم عليه، والمؤجل يحل عليه، فإذا صرف ما معه في الحج لم يجد ما يقضي به الدين. قال: وإن احتاج إليه لمسكن لا بد من مثله، أو خادمك يحتاج إلى خدمته. لم يلزمه. وإن احتاج إلى النكاح – وهو يخاف العنت – قدم النكاح، لأن الحاجة إلى ذلك على الفور. وإن احتاج إليه في بضاعة يتجر فيها، ليحصل منها ما يحتاج إليه للنفقة، فقد قال أبو العباس، ابن صريح: لا يلزمه الحج، لأنه محتاج إليه، فهو كالمسكن والخادم. وفي المغني: إن كان دين على ملئ باذل له يكفيه للحج لزمه، لأنه قادر، وإن كان على معسر، أو تعذر استيفاؤه عليه لم يلزمه. وعند الشافعية: أنه إذا بذل رجل لآخر راحلة من غير عوض لم يلزمه قبولها، لأن عليه في قبول ذلك منة، وفي تحمل المنة مشقة، إلا إذا بذل له ولده ما يتمكن به من الحج لزمه، لأنه أمكنه الحج من غيره منة تلزمه. وقالت الحنابلة: لا يلزمه الحج ببذل غيره له، ولا يصير مستطيعا بذلك، سواء كان الباذل قريبا أو أجنبيا. وسواء بذل له الركوب والزاد، أو بذل له مالا.
5 – أن لا يوجد ما يمنع الناس من الذهاب إلى الحج كالحبس والخوف من سلطان جائر يمنع الناس منه.