شكرا جزيلا… أيها المحسنون… أيها المتصدّقون… أيها الراحمون المتراحمون…
يكلّ -في الحقيقة- لساني عن شكركم، ويعجز قلمي عن مدحكم… وما أملك إلاّ دموع عيني أجعلها مدادا لأكتب لكم: جزاكم الله خيرا على ما فعلتم وما به جدتم…
ففي الوقت الذي تستولي فيه الأنانيات على عروش النفوس، ويضيق الأخ ذرعا بأخيه، ويفضّل بعضهم كلبه على بني أبيه، وتغتنمها الوحوش الآدمية فرصة لأكل لحوم المستضعفين وسفك ما تبقى من دمائهم التي مصّتها على مدى ثلاث سنوات عجاف خفافيش الظلم والظلام… ها أنتم أولاء تعودون بنا إلى العهد الأول… إلى العصر الذهبي الفاضل… إلى الزمن المبارك… لتتألق الأشعرية فيكم من جديد… وتعطي لأعداء هذا الدين درسا في الإيثار والبذل والعطاء.
لا شكّ أنّ سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فرح بكم يقول أنتم مني وأنا منكم…
أما إنكم أعطيتم دراهمكم لإخوتكم حتى يبعثوا بها إلى آخرتكم… وقد فعلوا… لكنهم رأوا منها ما لم تروا… رأوا أثرها على معاق خانته قدماه… رأوا بصمتها على وجه أرملة فرّجتم كُربتها… رأوا لمستها السّاحرة ابتسامة عريضة -بل قل ضحكة كبيرة- على محيا يتيم وارى الترابُ أباه…
مهما قلت لكم… ومهما وصفت لكم… فلن أستطيع أن أعطي هذه اللحظات اللذيذة حقّها من التعبير… لكني أكتفي بأن أنقل لكم تلك الدعوات التي كانت تتهاطل على إخوتكم -الذين تحمّلوا أمانة تبليغ صدقاتكم إلى مستحقّيها -كلما طرقوا باب عجوز أو أرملة أو مسكين ليضعوا أمام بيته خروفا، أو جذعة من الضأن، أو أسخنوا في يديه المرتعشتين بما يستطيع به أن يلج سوق الأغنام…
“سيروا كيفما فرجتوها علينا الله يفرجها عليكم دنيا وأخرى”، “سيروا كيفما فرحتو لي وليداتي بغيت ربي يفرحكم و يفرح وليداتكم”…
دعوات كانوا يستقبلونها بعيون دامعة ورؤوس مطأطأة وقلوب وجلة… وألسنتهم تقول: “ليس نحن… ليس نحن… نحن الموصلون وهم الواصلون… نحن المبلّغون وهم المتصدّقون…”
فشكرا لكم أيها الواصلون… وشكرا لكم أيها الموصلون…
نعم الناس أنتم… ونعم المعرفة معرفتكم… ونعم الأخوة أخوتكم…
وصلى الله على سيدنا محمد وآله و صحبه وحزبه.