التحق الإمام عبد السلام ياسين بمدرسة سيدي المختار السوسي وهو في عشريته الأولى من العمر، وذلك خلال الفترة الممتدة من سنة 1357 إلى سنة 1364 هجرية الموافق ل(1937-1944 ميلادية). صنف سيدي المختار السوسي المتعلمين في المدرسة إلى “طوائف” حسب قدراتهم المعرفية، مركزا على تحفيظ القرآن الكريم وتحصيل العلوم الشرعية والعلوم الكونية.
لما حل “سيدي محمد أيت الطالب” بالزاوية مدرسة الفقيه سيدي محمد المختار السوسي كطالب ومعلم أسند إليه الفقيه سيدي محمد المختار السوسي طائفة من التلاميذ ليسهر على تعليمهم وتحفيظهم القرآن العظيم. كان من بين التلاميذ الذين تولى “سيدي محمد أيت الطالب” تعليمهم، الإمام عبد السلام ياسين.
سيدي محمد المختار السوسي عالم مجاهد ترك بصمة قوية في شخصية الطفل عبد السلام، لما حباه الله – زيادة على الفضل والعلم- بالتقوى والاستقامة والصلاح. كما تعلق قلب وعقل الطفل بمدرسة الفقيه التي وضع لها برنامجا متكاملا وتكوينا مزدوجا لتعليم الناشئة تعليما متوازنا.ومما ميز مدرسة الفقيه نخبة المتعلمين الذين أخذوا العلم من أفواه الرجال، ومن أبرزهم عبد الرحمان بن فارس رحمه الله الذي كان شاباً من الشباب الصالحين الذين يحلقون حول محمد المختار السوسي. فقد وعظ التلاميذ الصغار موعظة بليغة، وهم كانوا يومئذ على أعتاب المراهقة في العاشرة أو الحادية عشرة. قال لهم: إنكم ستشعرون في جسمكم بقوة وبحيوية جديدة -وكأنه كان يشير رحمه الله إلى البلوغ وإلى المراهقة- فاتقوا الله فيما تفعلون).
كان لهذه الكلمة أثر بليغ جداً في حياة الإمام وفي مستقبل أيامه. وظل الإمام يَذكر بها وبغيرها ما كان لهؤلاء الرجال رحمهم الله من الفضل الكبير (العلامة سيدي المختار السوسي ومعاونوه السيد محمد بن لحسن المعروف بالسيد محمد بلقائد الذي كان أديبا وديعا لينا في تصرفاته، والشاب المرحوم الجريء الأديب السيد عبد الرحمان بن فارس الذي كان أديبا يقوم بتدريس العربية بفنونها للطبقة الأولى من المتعلمين، وكذلك المرحوم سيدي محمد العلام المشهور بالدليمي وسيدي محمد أيت الطالب المعروف بالسيد محمد “أدناس” اللذين كانا يعلمان القرآن…).
قبيل وفاة “سيدي محمد أيت الطالب” رحمه الله سألناه -نحن أبناء مدرسة العدل والإحسان- في زيارة صلة رحم -عن تلميذه الإمام عبد السلام ياسين، وكيف كان في مدرسة الأستاذ العلامة الفقيه الأديب الشاعر المعلِّم محمد المختار السوسي رحمه الله؟
فرح “سيدي محمد أيت الطالب” رحمه الله بالزائرين وبأسئلتهم، التي تؤكد أن عبد السلام ياسين لم يمت، بل ترك رجالا ونساء يحملون مشعل العلم وراية العمل… وأعطى شهادة حق بحاله ومقاله في حق تلميذه الإمام عبد السلام ياسين أصبح علينا لزاما نشرها بين الناس. فالمعلم والمتعلم انتقلا إلى جوار ربهما، وعلم من سبق أمانة في أعناق من هو حي يرزق.
قال “سيدي محمد أيت الطالب” رحمه الله: … إن السيد عبد السلام ياسين نشأ تلميذا مستقيما نظيفا بعيدا عما يشغل الأولاد من الملاهي وضياع الوقت… ولم يكن شاذا ولا ميالا للانغماس فيما لا يعنيه كالجدال مع أقرانه… كما ظهر عليه النبوغ والذكاء، وكان الفقيه يلزم تلاميذه كل مساء أن يحفظوا في منازلهم عشرة أبيات من منظومة ألفية ابن مالك، والسيد عبد السلام يكلفه بحفظ عشرين بيتا من المنظومة المذكورة ويأتي وقد حفظها عن ظهر قلب… وكان كالتلاميذ يكتب لوحه في الصباح حيث يظل التلاميذ يقرأون ما في ألواحهم ويجدون ويجتهدون، وحينما يطالبهم معلمهم باستظهار ما في ألواحهم يسبقهم السيد ياسين ليستظهر حصته بكل سهولة وبإتقان… ومما اشتهر به السيد ياسين الجد والصدق، وإنه نشأ في طاعة الله وكان الوحيد لأبويه لا ثاني له من أجل ذلك كان محبوبا لديهما، يعتنيان به أشد الاعتناء ويستجيبان لمطالبه كيفما كانت ولا تكون إلا ملائمة لسنه وتربيته…).
يقول الإمام عن مدرسة المختار السوسي رحمه الله وفضل رجالها عليه، في كتاب حوار مع صديقي الأمازيغي، ص37:
img id=”0″ class=”wrapper” title=”صورة – محمد المختار السوسي رحمه الله ” src=”../../../../upload/noon-aljar/77954_large.jpg” alt=”” /) توفي أستاذنا العلامة الفقيه الأديب الشاعر المعلِّم محمد المختار السوسي رحمه الله منذ ثلاثين سنة. أنتَسِبُ إليه بالتلمذة وإن كنت لم أحضر إلا بعض مجالسه العلمية العامة في مسجد الرميلة بمراكش بعد رجوعه من المنفى.أنتسب إليه وأعتز بالانتساب إليه اعترافا بالفضل، لا عصبية شلحية. رحم الله الوالد قادني إلى مدرسة المختار السوسي بالرميلة صبيا. كان جُل معلمي هذه المدرسة الحرة من شلوح قبائل الحوز وسوس. حفظونا القرآن ومبادئ العربية. ومع الحفظ والتعليم علمونا إقامة الصلاة التي كانت جزءا من البرنامج اليومي في أوقاتها.)رحمهم الله وأجزل لهم المَثُوبة ولأستاذنا الذي كانوا يتلَقَّون عنه دروسهم في أصناف العلوم. فكان منهم أدباء وفقهاء. كان رحمه الله مدرسة علم وقدوة تقوى).