صحبة الخير

Cover Image for صحبة الخير
نشر بتاريخ

سئلت يوما ما أغلى شيء يمكن الحصول عليه؟

فكرت لثوان، ثم بدون تردد أجبت: الصحبة الخيرة.

هي الكنز الثمين الذي لا يمكن أن يعثر عليه بسهولة، ولا يشترى بثمن.

الصداقة الصادقة أو الأخوة في الله لا يمكن أن يعبر عن معانيها الحقيقية إلا من عاشها وذاق حلاوتها.

الصحبة هي عندما تكون في عمق أحزانك وأشد أزماتك فيأتي من يمد لك يده، وبابتسامة دافئة يذهب عنك آلامك.

الصحبة تعطيك ولا تأخذ منك، تقويك ولا تهدك، تدفعك إلى الأمام ولا تشدك.

تترك الصحبة فيك أثرا عميقا يجعل مسحها من ذاكرتك أمرا محالا؛ كيف لا وهي تتقوى وتتغذى مع مرور الزمان، تنغرس وتثبت في القلب مثلما تنغرس الشجرة الطيبة في الأرض، في حضن جمع طيب يدلك على الله، ويدفع بك إلى الإحسان، ويوقظك من غفلتك، ويخفف عنك أثقالك.

أحكي عن صداقة عشت حلاوتها في مراتع نيرة بسمو ما اجتمعت له وعليه، صداقة تكونت جذورها في مجالس الذكر والإيمان، ونمت أغصانها في محطات الرباطات والقيام، وتفتحت زهورها وأثمرت في جو من الأخوة والوئام. تدارست الذكر، وتعهدت حفظ كتاب الله، وتنافست في فعل الخيرات امتثالا لقول الكريم الرحمان: وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (المطففين، 26).  بذلت الوقت والجهد في ما يرضي الله وما ينفع الأمة.

مع صحبة الخير تشارك أحلامك وتتقاسم أفراحك، ولا غرو ففرحة النجاح لا تكتمل إلا بها و معها، بل أكاد أجزم أن كل نجاح حققته كانت لها اليد الطولى فيه، كيف لا وكل خطوة خطوتها إلا ودفئ أحضانها كان وقود إنجازاتي، فهي من شجعت وحفزت، بل يقينا تبقى فروعها وكل ما أثمرت جمعا يحمي بعد تفرقها من أن تزل الأقدام، هي الرجاء والوجاء وسط هذا العالم الموار، فصحبة الأخيار لا تتزلزل مع تقلب الأحوال، مهما فرقها المكان والزمان تبقى مخلصة، صدوقة، صادقة، تردد من أجلك لحن الأمل والوفاء، وتحتفظ بك في ذاكرتها، وتحبك محبة خالصة لله تعالى.

لكم أقول؛ يا صحبة تحتفظ بي في ذاكرتها بعد مرور الأعوام، يا من أبعدتني عنها الظروف والأحوال، يا من تعلقت روحي بها، وسكن حبها الفؤاد، يا من كانت أول من لون حياتي بألوان الصداقة الخالصة.. لكم أقول الكلمة التي عددها كعدد أصابع اليد، لكن معناها عميق وبعيد: أحبكم.