صحح وجهة سفرك

Cover Image for صحح وجهة سفرك
نشر بتاريخ

ذهب آدم إلى المحطة ليستقل القطار المتوجه إلى مدينة العلم والعرفان فاس (في الشمال الشرقي للمغرب) حيث جامع القرويين ليستقي أنوار المعرفة.

وصل المحطة، وجد قطارين متوقفين، فاستقل أقربهم إليه. لم ينتبه لاتجاهه ولم يسأل أحدا عن الوجهة، جلس في إحدى القاطرات، نظر في وجوه الركاب أمامه، لكنه لم يكلم أحدا منهم. وما أن تحرك القطار حتى غط في نوم عميق.

حضر مراقب التذاكر فوجده نائما. لم يرغب بإيقاظه من ذلك السبات، تركه ومضى يكمل عمله. ثم عاد إليه قبل بلوغ محطة الوصول ببضع دقائق. وجده يصلح من وضعية جلوسه وملابسه. طلب منه التذكرة فناوله إياها. فلما نظر إليها تملكه العجب والغضب فسأل صاحبها عن وجهته فقال له: “أنا متوجه الى مدينة فاس”.

رد عليه المراقب: “ولكن هذا القطار متوجه لمدينة مراكش” (المدينة السياحية في الجنوب).

اضطربت فرائس آدم ووقف شعر رأسه وهو يسمع كلمات التوبيخ من المراقب.

هل تتوقع ما هي هذه الكلمات عزيزي القارئ؟ مجنون، جاهل، متكبر…

وطبعا يمكنك أن تخمن التساؤلات التي وجهت إليه من الركاب؛ لماذا لم تسأل قبل صعود القطار؟ لماذا لم تقرأ التذكرة؟ لماذا لم تستعلم من مرشد المحطة عن اتجاه القطار الذي ستركبه؟ لماذا..

لكن هو الآن أمام أمر واقع. ماذا تنتظر منه أن يفعل؟ وما النصيحة التي ستوجهها إليه؟

اختار آدم أن يستكشف المدينة التي وصلها بالخطأ. أخذته أضواؤها الساحرة ولياليها المقمرة ومأكولاتها الشهية… وظل ينتقل من مكان إلى مكان حتى جاء يوم أحس فيه بقرب انتهاء ما معه من مال، فوقع في حيرة كبيرة، فهو لا يستطيع أن يعود إلى أهله، كما ليس بمقدوره مع نفاد ماله أن يستقل قطارا إلى الشمال، ولا أن يستنجد بأصدقائه لأنهم سيسخرون منه… إنه ضائع في هذه الدنيا، ويحس نفسه وحيدا. فماذا يفعل في نظركم؟ هل تستطيعون التخمين أو التوقع؟  

إن آدم هذا ليس إلا أنا وأنت. لأننا وجدنا في هذه الحياة لغاية نعرفها وهي تحقيق العبودية لله عز وجل، ومحبته وطاعته. ونعلم أن السبيل إلى ذلك هو اتباع منهاج الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وسنته، كما نعلم أن الله جعل علينا رقيبا وكتبة يحصون أقوالنا وأعمالنا، ونعلم أيضا أن الله اصطفى من عباده من يرشدنا إلى الوجهة الصحيحة، بما معهم من علم وفقه بسبل الطريق وممراته وفجاجه وعقباته.

إن لجوءنا إلى الصالحين والصادقين يسهل علينا سبيل العودة والإنابة، يعينونا على مشقة الطريق،  ويوسعون لنا أفقه الضيق الذي ما تعسر إلا بجهلنا وغفلتنا وأنانيتنا..

ويا لحسرة الضائعين في الآخرة.

آدم كنت أم حواء؛ نحن مطالبون بالثبات على الاستقامة، وبتصحيح وجهة سفرنا إلى الآخرة، كي لا يضيع سعينا في هذه الحياة. مطالبون ألا نتنكب عن المحجة البيضاء، وأن نرسخ أقدامنا على الصراط المستقيم لنكون مع المنعم عليهم من الصالحين.

ولا يتحقق ذلك إلا بمعية من يرشدنا ويقول لنا: من هنا الطريق، وبمن يعيننا على شدائده، ومن يرفع هممنا لطلب ما عند الله، وطلب وجه الله سبحانه عز وجل.