يطل علينا اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، والمرأة الفلسطينية الغزاوية تعاني أبشع أنواع الظلم والعنف جراء جرائم الحرب التي يقترفها الكيان الصهيوني الغاصب في حق المدنيين العزل، ضاربا عرض الحائط بكل المواثيق الدولية التي تحرم قتل الأطفال والنساء وسط الصمت المخزي للمجتمع الدولي.
ومن صور العنف الذي تتعرض له نساء غزة وفتياتها:
1. العنف الجسدي الذي يشكل أشنع صور الاعتداءات التي طالت المرأة الغزاوية، حيث استهدف العدو بطريقة واضحة جسدها، محاولا قتلها باعتبارها ركيزة الأسرة ووعاء الولد.
وقد تفنن العدو الصهيوني في التمثيل بأجساد النساء الغزّاويات، واستعمل ضدهنّ كل الأسلحة الفتّاكة التي كبّدتهن خسائر كبيرة في الأرواح، فأغلب الغارات الصهيونية تستهدف البيوت والمدارس والمساجد والمستشفيات التي تلجأ إليها المرأة الغزاوية خوفا من القصف، فتكون النتيجة ما نراه على الشاشات من مشاهد مؤلمة لم يسبق لها في التاريخ مثيل؛ رؤوس مبتورة، أيد وأرجل منثورة، جثث تحت الأنقاض تسمع أنينها ولكن ما باليد حيلة للإنقاذ والإنجاد. وأخفّ الأضرار جروح غائرة وحروق عميقة بفعل القنابل الفسفورية المحرمة دوليا. هذه الجروح التي ستبقى ندوبها محفورة على أجساد نساء غزة وقلوبهن، شاهدة على دناءة العدو وبشاعة الجريمة. ومن هؤلاء النساء من سيعانين من إعاقات جسدية مستديمة جراء بتر أرجلهن أو أيديهن، مما سيتسبب لهن في مشاكل نفسية واجتماعية واقتصادية خطيرة.
2. العنف الجنسي المتمثل في الاغتصاب الذي تتعرض له نساء غزّة الحرائر وسط السجون الصهيونية. ونحن نعلم بشاعة الحرب وخسائرها الفظيعة في حق النساء الحرائر خاصة في مجتمع إسلامي يؤمن بالمثل العليا والشرف، فقد تعددت قصص وروايات الفتيات والنساء الفلسطينيات حول ما تعرضن له من استغلال جنسي وسط هذه السجون وفي نقاط التفتيش ومخافر الشرطة، بل من هؤلاء النساء والفتيات من رفعن دعاوي قضائية ضد جنود الاحتلال المغتصبين، ولكن كيف تنصف الحرائر في زمن الاحتلال الذي يكون فيه الجلاد هو القاضي.
3. العنف النفسي وهو نتيجة حتمية لكلّ هذه الأهوال التي عاشتها الأنثى الغزاوية في كلّ مراحل عمرها؛ طفلة وشابة وعجوزا، حيث تتجرع كل يوم آلاما نفسية قاسية جراء العنف والقصف والتهجير والتدمير، ففي أيام “السلم” كانت هناك مداهمات ومضايقات واعتقالات، وفي أيام الحرب هناك فزع وهلع وقتل وتخريب. فكيف لا تعاني نفسيا زوج فقدت زوجها، وكيف لا تجنّ أم ثكلت أولادها، وكيف تصمد طفلة اجتثت أسرتها، وكيف تصبر عجوز انهدّ بيتها وضاعت كل ذكرياتها، بل كيف يكون حال أمّ تجري حاملة وليدها بين ذراعيها تهرع به إلى المشفى لإنعاشه، ثمّ بعد برهة تخرج وهي يائسة بائسة تضمّ جثته إلى صدرها تشمّه وتقبّله مودعة صارخة تشكو إلى الله ظلم العدو وخذلان الصديق.. ومن أشد صور العذاب النفسي الذي عاشته المرأة الغزاوية هو خروجها من بيتها ونزوحها نحو الجنوب، هذا النزوح الذي ذكرها بعام النكبة والذي أصابها في مقتل وترك شرخا كبيرا في نفسيتها ونفسية كل سكان غزة.
وحتى لو انتهت هذه الحرب الهمجية على قطاع غزّة، فستحتاج المرأة الغزاوية إلى مواكبة نفسية طويلة المدى تخفّف عنها ما رأت من بشائع، وتحمل معها ما تحمّلت من فظائع، جراء القصف المتواصل على بيتها، والخوف الدائم على أحبابها.
4. العنف الاقتصادي المتمثل في الحصار المضروب على غزة وأهلها، حيث تعاني المرأة الغزاوية من تبعات إغلاق المعابر، ومنع دخول المواد الغذائية، والأدوية، والمساعدات الطبية.. مما جعلها محرومة من أبسط ضروريات العيش، بدءا بالمأكل والمشرب وانتهاء بالتطبيب والعلاج. فنساء غزّة معرضات للفقر والمجاعة، وكذا التسممات الغذائية والأمراض الناتجة عن انتشار الأوبئة، خاصة مع انعدام النظافة وشح المياه، ولعل صور الملاجئ التي يأوي إليها النازحين خير دليل على هذه الكارثة الإنسانية التي قد تتسبب في المزيد من القتلى في صفوف النساء والأطفال.
ويبدو أن المرأة الغزاوية ستبقى في منأى عن شعار مناهضة العنف ضد المرأة، إلى أن يستيقظ الضمير العالمي أو إلى أن ينتصر العدل ويعم السلام في فلسطين.