لقد أولى الإسلام العائلة عناية خاصة، وحَاطها بنظم وآداب حتى تبقى أواصرها قوية وأفرادها مجتمعين، وجعل التواصل فيما بين الأقربين مما أمر الله به أن يوصل، ونهى عن قطع تلك الصلة.
وهكذا نرى الشارع يعتبر أقوى أسباب الإرث القرابة، حيث تحدث عمن يرثون بالفرض أو التعصيب أو هما معا، بانيا ذلك على أصل الفطرة وصلة الأقربين من المتوفى، بغض “النظر عن المحبة وضدها”، وتولى الباري سبحانه بحكمته وعلمه توزيع هذه التركة على الوارثين الأقرباء، إذ هو العليم بمصالح العباد، الحكيم بما فرض وقدّر، وما ترك فرض ذلك إلى الناس خشية تلاشي آصرة القرابة، وتأدية ذلك إلى قطع الصلة بين الأرحام، إذ قد يعطى من المال المتروك من لا يستحق، وقد يحرم من العطاء من هو أهل له وأحق به. قال تعالى: آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (النساء، 11).
والناظر في أحكام المواريث يرى درجة التكافل والتضامن بين أعضاء العائلة الواحدة كل حسب قربه أو بعده من المتوفى، دون مَيْز بين صغير وكبير، أو رجل وامرأة، حتى إن وجوب النفقة بين الأقربين هو متماش مع نظام الإرث في أغلب الأحوال إعمالا لقاعدة الغرم بالغنم.
وأما الذين تعالوا عن هذه الأحكام المفروضة من لدن حكيم عليم، وغلب عليهم حبُّ المال واكتساب الثروة دون الاهتداء بشرع، حيث سطوا على ما تركه أقاربهم غلبة وقهرا، فإنهم بهذا الصنيع يقطعون ما أمر الله به أن يوصل، ويكونون سببا في تلاشي العلاقات العائلية وإضعاف مكانتها في المجتمع. وهذا ما كان سائدا قبل نزول آية المواريث، ففي مسند الإمام أحمد أن جابر بن عبد الله قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنتيها من سعد، فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قتل أبوهما معك في أحد شهيدا، وإن عمهما أخذ مالهما، ولا ينكحان إلا ولهما مال. قال: فنزلت آية الميراث، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال: «أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك».
إن مقصد بقاء الأقارب على صلة قوية بينهم ووصل بعضهم لبعض هو الذي حدا بعدد من الفقهاء إلى القول بتوريث ذوي الأرحام، وهم الأقارب الذين لا فرض لهم ولا تعصيب، مستندين إلى قوله تعالى: وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله (الأنفال، 75).
ومنهم من راعى هذا المقصد النبيل كذلك فقال بجواز أن يوصي المسلم لقرابته الذين لا يرثون لسبب من الأسباب كأن يكونوا محجوبين من غيرهم، شرط أن يكونوا ذوي حاجة، فالله تعالى كتب الوصية للوالدين والأقربين، وخرج بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا وصية لوارث» الوارثون، فبقي سائر الأقارب على الوصية لهم.
إن نظام الإرث وفقه الوصايا بما قُعِّد فيهما من أحكام مُقَوّيان لا محالة لآصرة القرابة، ومسهمان في صلة الرحم، خلافا لمن يزعم أن هذه الأحكام سبب في قطع الصلة.