الأستاذ محمد الحبابي أستاذ جامعي ومناضل سياسي كبير من جيل عبد الرحيم بوعبيد والمهدي بنبركة وعلال الفاسي وعبد الرحمن اليوسفي والحبيب الفرقاني وغيرهم، وأحد معتقلي سجن ميسور، وهو أحد مؤسسي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية مع الزعيمين المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد، وهو معتقل سياسي سابق، وكاتب. زار رفقة صديقه الأستاذ الحبيب الفرقاني الأستاذ ياسين في بيته بسلا، في يناير 2000م، بعدما نشرت رسالة “مذكرة إلى من يهمه الأمر”، وقضيا برفقته أمسية بكاملها، ناقشوا خلالها عدة مواضيع تهم البلد.
وعن تفاصيل الزيارة قال الحبابي: “زارني الحبيب الفرقاني، وقال لي: أنت دائما تتحدث عن الكتلة التاريخية، التي تجمع اليساريين والإسلاميين وغيرهم من القوى الحية في البلاد، لإنجاز مهام التحرر والديمقراطية الحقيقية وإقرار عدالة سياسية واجتماعية والقيام بتنمية مستقلة، فلماذا لا نقوم بزيارة لعبد السلام ياسين ونفتح معه حوارا حول هذه الأمور؟ فوافقت على الفور. وفعلا ضرب الحبيب الفرقاني موعدا مع عبد السلام ياسين، ثم ذهبنا لزيارته، حيث قضينا معه المساء كله، ولم نغادر بيته إلا حوالي منتصف الليل. وعندما كنا نهم بمغادرة بيته في سلا كانت عناصر من الشرطة بلباس مدني لا زالت ترابط أمامه، لكنها لم توقفنا” 1.
أما من جهة انطباعه عن الرجل من خلال مجالسته ومحاورته في الزيارة، فقد قال: “لقد كان الرجل بشوشا طيلة اللقاء، ومتفائلا بالمعنى العميق، ولم يكن متوترا أو متشنجا، بل كان يتمتع بهدوء واطمئنان وثقة في النفس مثل قديس «Un saint»، وقد أثر فيّ كثيرا… أحسست به صادقا، وليس مراوغا كالسياسيين الذين أعرفهم. وتأكدت من أن الرجل من النوع الذي إذا حدث واتفقت معه على أمر ما فلن ينقلب عليك أو يخدعك. هذا هو الانطباع الذي خلَّفه لديّ عبد السلام ياسين خلال لقائنا.” 2
خصال البشاشة المستمرة، والتفاؤل العميق، والهدوء، والاطمئنان، والثقة في النفس، وعدم المراوغة كأغلب السياسيين… لا تجتمع في نظر الحبابي إلا في من تقدس كيانه القلبي، فسَرت نورانيته في مُجالسيه وحصلت الثقة في مخاطبيه. ويضيف: “أذكر أن عبد السلام ياسين علَّق على كلامي بقوله: أنت متفائل كثيرا بحكم محمد السادس. والحقيقة أنني كنت أكثر تفاؤلا منه، لأنني كنت أرى أن الملك الجديد سوف يتغلب على العديد من الصعاب والمشاكل التي ورثها عن حكم أبيه؛ أما الشيخ ياسين فقد أجابني: أنا لست متفائلا مثلك، لكن لننتظر الآتي، فالتاريخ بين أيدينا. ثم أردف: نحن نموت، لكن أفكارنا تبقى” 3.
وعلى خلاف كثير من السياسيين الذين يوافقون على مضامين المذكرة لكنهم ولخشية انتقام السلطة منهم لا يصرحون بمواقفهم، رأى الحبابي أن “مذكرة إلى من يهمه الأمر” تحمل “الكثير من الأمور المتعلقة بإقامة العدالة الاجتماعية ورفع المظالم.. هي أفكار إنسانية، تجدها في الفكر الاشتراكي بقدر ما تجدها في الفكر الإسلامي. أما طرق تحقيقها فهي اجتهادات بشرية تكتسي هنا مسحة إسلامية وهناك اشتراكية” 4، أي أن الظلم هو نفسه مُدان عند الجميع، والحاجة إلى التغيير هي نفسها.
وعن عُمق نضاله الأخلاقي والسياسي والحقوقي يشهد معارفه أنه: “كان رجلا عصاميا في تكوينه وعلمه، زاهدا متجردا مقبلا على الله لا يلتفت يمينا ولا شمالا، يمضي فيما يراه من نصرة الحق وقوله وخدمته لا يخاف في الله لومة لائم” 5، إذ كان قدوة للمفكرين النزهاء والعلماء المخلصين وليس مجرد معارض سياسي، أمضى حياته مجتهدا ومستبصرا، يبذل جهدا استثنائيا بإرادة ماضية لإحياء الربانية في الأمة، وبناء كيانها من مِثالها، ويدعو في ذلك ليوافق اجتهادُه وجهاده قدرا نازلا في تغيير ما بهذه الأمة إلى أحسن حالٍ يجعل لها موقعا مُشرفا بين الأمم. ومع ذلك ومن أجله لا يُخفي موقفه المبدئي الرافض لما سمي تاريخيا بــ”إمرة الاستيلاء” 6 التي لا يقبلها شرع صحيح ولا عقل سليم، أي كل أشكال ومسميات نظام الحكم الجبري المطلق مهما كانت مسوغاته.
[2] المرجع نفسه.
[3] المرجع نفسه.
[4] المرجع نفسه.
[5] الريسوني، أحمد. “وفاة الشيخ عبد السلام ياسين خسارة للمغرب والمسلمين أجمعين”، منشور بموقع الإصلاح (http://alislah.ma)، يوم 13 دجنبر 2012م، وشوهد في 20 أبريل 2020م. (ويوجد المنشور مرئيا ومسموعا أيضا في الموقع نفسه).
[6] الماوردي، أبو الحسن. الأحكام السلطانية والولايات الدينية، تحقيق أحمد عبد السلام، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2014م، ص39.