الحمد لله المتعبد بالفرض والنفل، بالليل والنهار، في السر والعلن، في السراء والضراء، في كل الأحوال، وعلى كل حال، والصلاة والسلام على النبي الهمام خير من صلى وصام، وعلى آله وصحبه الكرام، وعلى من اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
يحرص المؤمن دائما على ما يقربه إلى الله عز وجل، ويغتنم كل فرصة وكل مناسبة ليكثر فيها الزاد، ويحصل بها الاستعداد ليوم المعاد، وقد وردت الأحاديث صحيحة -كثيرة- في فضل صيام التطوع؛ فمنها ما يكفر ذنوب السنة الماضية والقابلة كصيام يوم عرفة لغير الحاج، ومنها ما يكفر ذنوب السنة الماضية كعاشوراء، ومنها ما يعادل صيام السنة كلها كصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وستة أيام من شهر شوال، ومنها ما كان يصومه النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ تعرض فيه الأعمال (الإثنين والخميس).
ومن الفوائد الكثيرة لصيام التطوع والنفل أذكر ما يلي:
– أنه سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان كثير الصيام، وقد وردت أحاديث صحيحة عن صيامه عليه السلام، وكان أئمتنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثرون من الصيام، وكان منهم ومن سلفنا الصالح من يصوم أيام الحر.
– الصيام جنة: أي وقاية من الأمراض الحسية والمعنوية، ودربة على ترك الفحش، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل” 1.
– يؤمِّن الله تعالى من يكثر الصيام من عذاب جهنم، ويبعد وجهه عن النار مسيرة سبعين عاما، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار سبعين خريفا” 2.
– يدعى الصائم إلى الجنة من باب الريان، عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن في الجنة بابا يقال له الريان، فإذا كان يوم القيامة قيل: أين الصائمون؟ فإذا دخلوا أغلق فيشربون منه، فمن شرب منه لم يظمأ أبدا” 3.
– أنه لا يعرف مقدار أجره؛ لكثرة أجر الصائم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الصيام جُنة، فإذا كان أحدهم صائما فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو شاتم فليقل: إني صائم، إني صائم، وقال: والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، إنما يـذر شهوته وشرابه من أجلي، فالصيام لي وأنا أجزي به، كل حسنة بعشر أمثلها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به” 4.
– التقرب إلى الله بالنوافل يوجب محبته، ومعيته في كل شيء، في مشيك وبطشك وسماعك وتبصرك، ففي الحديث القدسي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله تعالى قال: “من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطنيه، ولئن استعاذ لأعيـذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته”” 5.
– النوافل والمستحبات والسنن والتطوع، كلها تدخل في مسمى: المندوب، وهو استعداد ودربة للمؤمن ليستقبل الفريضة ويوفيها حقها، وهو أيضا رياضة للنفس لتستنهض الهمة وتحفزها لعدم التفريط في الفرض والواجب.
ونختم بكلام الإمام المجدد الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله: “إن هذه النفوس أقرب ما تكون للالتئام والتحاب والتعاون إن تهذبت من كدورات الشهوات، وسمـت عن الماديات. في رمضان تسود روحانيات خاصة، لولا تحويل الناس لياليه للتخمة والعبث. فعلى جند الله أن يحافظوا للشهر المبارك بوظيفته، ويستمروا السنة كلها، إن استطاعوا، على ذلك المستوى من الشفافية مستعينين بصوم الاثنين والخميس، والأيام البيض، ويوم عرفة لغير الحاج، ويوم عاشوراء، والستة من شوال، ويكثروا الصيام في شعبان والمحرم، وعليهم أن يغنموا يوما في الأسبوع في الأسر للإفطار المشترك رجاء أن يجمع الله شملهم عنده في مقعد الصدق، يفرحون عنده كما يفرحون بالفطر جماعة” 6.
أسأل الله أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
[2] حديث متفق عليه، واللفظ لمسلم، في صحيحه، كتاب: الصوم، باب: فضل الصوم، حديث رقم: 167.
[3] رواه الإمام الترمذي، كتاب: الصوم، باب: ما جاء في فضل الصوم، حديث رقم: 765.
[4] رواه الإمام البخاري، كتاب: الصوم، باب: فضل الصوم، حديث رقم: 1894. والإمام مسلم، كتاب: الصيام، باب: فضل الصيام، حديث رقم: 162/1151، والإمام مالك في الموطأ، كتاب: الصيام، باب: جامع الصيام، حديث رقم: 689/59.
[5] رواه الإمام البخاري، كتاب: الرقائق، باب: التواضع، حديث رقم: 6502.
[6] المنهاج النبوي للأستاذ عبد السلام ياسين، ص: 300.