تتوالى على الأمة الإسلامية فضائل شهر الله المحرم ونفحاته، فبعد حدث الهجرة الذي قلب موازين التاريخ وغيّر وجه البشرية وشكّل اللبنة الأولى لبناء دولة الإسلام والتمكين للرسالة المحمدية الخالدة، تأتي ذكرى عاشوراء المجيدة التي تحل علينا كل سنة في اليوم العاشر من شهر الله المحرم، وهو اليوم الذي نجى الله فيه سيدنا موسى عليه السلام ومن آمن معه من بطش فرعون وجنوده، فصامه كليم الله شكرا لله، وصامه الحبيب عليه الصلاة والسلام فيما بعد فرحا بنجاة أخيه موسى عليه السلام.
ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء وهو لا يزال في مكة لما لليوم من قدسية وحرمة قديمة، حيث كان صيامه معروفا عند أهل الكتاب وعند قريش قبل البعثة كسنة من السنن المتبقية من رسالة سيدنا إبراهيم عليه السلام، ولكنه لم يأمر بصيامه.
وبعد الهجرة النبوية الشريفة إلى المدينة صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصى الأمة بصيامه، وسبب ذلك ما أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا؟؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى شكرا لله فنحن نصومه تعظيما له. فقال عليه الصلاة والسلام: فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه. وخرج مناد ينادي في المسلمين: “من أصبح منكم صائما فليتم ومن أصبح مفطرا فليمسك”.
وهكذا كان الحبيب عليه الصلاة والسلام يتحرى صيام يوم عاشوراء لما له من مكانة وفضل، فقد ورد في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان”.
وأما عن أجر صيامه فقد جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن فضل صيام يوم عاشوراء فقال: “أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله”.. وفي هذا قال الإمام النووي رحمه الله: فإن وجد ما يكفره من الصغائر كفره، وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كتبت له به حسنات ورفعت له به درجات، وإن صادف كبائر ولم يصادف صغائر رجونا أن يخفف من الكبائر.
وإذا كان صيام عاشوراء سنة فعلية فعلها الحبيب عليه الصلاة والسلام، فهناك يوم آخر يستحب صيامه مع عاشوراء وهو يوم تاسوعاء؛ كسنة قولية نوى المصطفى عليه الصلاة والسلام فعلها وأوصى بها ولكن الأجل لم يمهله فطبقها الصحابة والأمة من بعده. فقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: “لما صام رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى!! فقال: إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع. قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم“ (رواه مسلم).
وهكذا عزم النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا يصوم يوم عاشوراء مفردا كما كانت اليهود تفعل، بل يضم إليه يوما آخر مخالفة لهم. فأصبح المسلمون من بعده يصومون تاسوعاء وعاشوراء.
فاللهم وفقنا لكل خير وتقبل منا ياكريم.