عام على ترنح الصنم

Cover Image for عام على ترنح الصنم
نشر بتاريخ

مر عام على ترنح صنم الدولة الصهيونية البغيضة، التي ظلت لعقود تتبجح بثباتها واستحالة سقوطها، فصدق العالم روايتها وصنعوا منها صنما يُعبد، وركعوا له وتعبدوا بين يديه، غير آبهين بقول ﷲ سبحانه وتعالى: مَثَلُ اُ۬لذِينَ اَ۪تَّخَذُواْ مِن دُونِ اِ۬للَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ اِ۬لْعَنكَبُوتِ اِ۪تَّخَذَتْ بَيْتاٗۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ اَ۬لْبُيُوتِ لَبَيْتُ اُ۬لْعَنكَبُوتِۖ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَۖ ٤١ [العنكبوت: 41].

فالله القوي المتين، الجبار المتكبر، وصف دول وبيوت أهل الكفر وأولياء الشيطان والطاغوت بالوهن، كبيت العنكبوت، مهما هالتك صورة حضارتهم، وكثرة عددهم، ومتانة اقتصادهم، وقوة عدتهم، فما هو إلا كخيوط بيت العنكبوت، لا يحتاج منك إلا حركة خفيفة مليئة بيقين قوي حتى يتهاوى ويصبح أثرا بعد عين.

فبعد ملحمة طوفان الأقصى؛ العملية البطولية لأبناء المقاومة الإسلامية في غزة الأبية في السابع من أكتوبر الماضي، ضرب بيت العنكبوت وترنح صنم الصهيونية، وظهر للعالم ضعف بنيته، وقلة حيلته، وهوان شأنه، وأن كل الهيلمان الذي يتغنى به العالم في حق هذه الشرذمة المحتلة، وقوة هذه الدولة المصطنعة، مؤكدين على عدم القدرة على هزيمتها ودحرها، كل ذلك ما هو إلا تهويل وتضخيم لقدراتها، وتعظيم لعدتها وعتادها.

وفي هذا الصدد قال الامام المجدد عبد السلام ياسين رحمه ﷲ مبينا وقت تنزل نصر الله: “يتنزل نصره وعونه على جند الله متى تعبأوا وأعدوا القوة، وأخلصوا النية وعبدوه جل شأنه لا يشركون به شيئا. وحسبوا مع ذلك للعقبة المتمثلة في القوى المعادية خارجية وداخلية حسابها في سلم ناموس الكون لا يتعاظمون هول ما يرون من قوة العدو عدداً وعدداً، ولا يستهينون بشيء من أسبابه مما في وسعهم أن يناهضوه بأسباب مثلها. ثم يأتي الفرج من عند الله، والنصر من عند ﷲ، والفتح من عند الله لا إله إلا الله محمد رسول ﷲ”.

بعد هذه البطولة التي سيخلدها التاريخ، والتي تمكن فيها المقاومون من زعزعة الصنم الصهيوني، أخذ الكيان الغاصب الغاضب في رد الاعتبار لقوته الرادعة التي جعلها طوال عقود فزاعة يخيف بها المرجفون والمنافقون الذين ليس لديهم إيمان ولا يقين بأن ﷲ هو القوي العزيز، فشرع يدمر ويقتل ويجوع إخوتنا في غزة بمشاركة دول الاستكبار الغربي، ومساعدة دول الخنوع والنفاق العربي، ويصب جام غضبه وحقده على المستضعفين من أهل تلك الأرض المباركة المجاهدة، لكن مع ذلك لم تستطع هذه الجرثومة أن تتغلب على مناعة وصلابة المقاومة ورجالها في الميدان، رغم العدة والعتاد، ورغم الدعم من كل حدب وصوب، ظهر عجز الباطل أمام الحق، القليل العدة والمحاصر من كل جانب.

عام لم تفلح كل الوسائل التي استعملها الباطل ليظفر بالنصر، من دبابات ومسيرات وقنابل بأشكال وأنواع، باءت كلها بالفشل أمام صمود أهل القرآن والإيمان أهل الشام الذين قال فيهم رسول ﷲ ﷺ: (لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة) [ رواه مسلم].

إنهم رجال ونساء وأطفال تربوا على الإيمان الحق، واليقين الصادق بأن الجهاد فرض، والثبات واجب، وبأن الشهادة أسمى ما يطلبه المؤمن القوي الإيمان، فظهر ذلك في سلوكهم وبانت نتيجته في صمودهم الذي عجب من عظمته القاصي والداني، فما كان من العلي القدير إلا أن يبارك جهادهم ويعلي شأنهم في أرجاء العالم، الذي بات يسأل عن عقيدة هذه العصابة المؤمنة الشجاعة؛ ليتوافد الشباب في شتى أصقاع العالم على أبواب الإسلام يعتنقونه، لأنهم تأكدوا أن هؤلاء لا يمكن إلا أن تكون عقيدتهم هي الحقيقة وهي السبب في ثباتهم وصمودهم.

هذه الثلة المجاهدة الصابرة أعادت إحياء قضية فلسطين ونفخ الروح فيها من جديد، لكي تتبوأ مكانتها الحقيقية في مقدمة قضايا الأمة الإسلامية وشعوبها، تلكم القضية التي عمل الكيان الغاصب للأرض على محاولة قتلها وطمس معالمها، ومعه المنافقون من بني جلدتنا.

عام ونحن نعيش في ظل قوله سبحانه وتعالى: قَدْ كَانَ لَكُمُۥٓ ءَايَةٞ فِے فِئَتَيْنِ اِ۪لْتَقَتَاۖ فِئَةٞ تُقَٰتِلُ فِے سَبِيلِ اِ۬للَّهِ وَأُخْر۪يٰ كَافِرَةٞ تَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ اَ۬لْعَيْنِۖ وَاللَّهُ يُوَ۬يِّدُ بِنَصْرِهِۦ مَنْ يَّشَآءُۖ اِ۪نَّ فِے ذَٰلِكَ لَعِبْرَةٗ لِّأُوْلِے اِ۬لَابْصٰ۪رِۖ ١٣ [آل عمران: 13]

آية تشهد علينا وتوثق خذلان الأمة للمؤمنين المجاهدين، الذين أوجب ﷲ عز وجل نصرتهم، وإعانتهم كونهم يدافعون عن دين ﷲ ومقدساته، وينافحون عن الأمة، لكن لا حياة لمن تنادي، فالحكام باعوا دينهم بعرض من الدنيا، وتخلوا عن الجهاد الذي به فضلهم ﷲ على سائر الأمم، وتصالحوا مع العدو خوفا من فقد كراسيهم وعروشهم.

واليوم ونحن نؤرخ للذكرى الأولى لتلكم البطولة المجيدة، التي مازال إخوتنا المجاهدون وأهل غزة صامدون في ظل كل ما يعانون من ويلات حقد وجنون الكيان الغاصب، الذي لا يدخر وسيلة لقتلهم والتنكيل بهم؛ نرجو من العلي القدير أن يعجل بسقوط الصنم وأن يجعل هذه العملية طوفانا لتحرير بيت المقدس وما حوله من الأرض المباركة، ومنارة لكل أحرار المسلمين لتحرير أوطانهم من الاستعمار بشتى أنواعه وأشكاله، وبداية فتح ونصر وتمكين لأمة الاسلام.