خير ما نبدأ به في هذا اليوم المبارك من هذه السنة الهحرية الجديدة، والتي نسأل الله تعالى فيها أن تكون سنة سلام وحب وعفو وعافية من كل الذنوب والأسقام، الوقوف مع آية قرآنية من كتاب الله، نستجلي مضامينا، نعطر بها أنفاسنا ونزكي بها قلوبنا ونروح بها عن أجسادنا، ذلك الجسد الذي أخبرنا عنه النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ». (متفق عليه) (1).
يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: “القوم إذا صلحت قلوبهم فلم يبقَ فيها إرادة لغير الله عز وجل صلحت جوارحهم فلم تتحرك إلا لله عز وجل، وبما فيه رضاه”. ومن هنا فإن صلاح القلب لايكون إلا بصلاح الجوارح، كي يتحرك القلب بما يرضي الله لابدأن يكون حبه كله له، وقصده له، وبدنه له، وأعماله له، ونومه له، ويقظته له.. وذلك يستوجب منا تغييرا كاملا ونية صافية صادقة العهد مع لله.
قال تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِم (الرعد: 11).
قال الإمام ابن كثير: «قال ابن أبى حاتم: أوحى الله إلى نبي من أنبياء بنى إسرائيل أن قل لقومك إنه ليس من أهل قرية ولا أهل بيت يكونون على طاعة الله، فيتحولون منها إلى معصية الله، إلا تحول الله لهم مما يحبون إلى ما يكرهون. ثم قال: إن مصداق ذلك في كتاب الله إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِم.
وعن عمير بن عبد الملك قال: خطبنا على بن أبى طالب على منبر الكوفة فقال: كنت إذا سكت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدأنى، وإذا سألته عن الخبر أنبأنى، وإنه حدثني عن ربه -عز وجل- قال: “قال الرب: وعزتي وجلالي وارتفاعي فوق عرشي، ما من أهل قرية ولا أهل بيت كانوا على ما كرهت من معصيتي، ثم تحولوا عنها إلى ما أحببت من طاعتي، إلا تحولت لهم عما يكرهون من عذابي إلى ما يحبون من رحمتي” (2).
لا جرم أن الواحد منا لا تكون هاته السنة الهجرية سنة جديدة مباركة عليه، إلا بتغيير تام لما يخالف ما ينهانا الله عنه، فالتغيير سنة من سنن الله، ففي كل يوم وكل أسبوع بل في كل شهر من الأشهر، وفي كل سنة من السنون يجدد لنا الله فيها الزمن ويبارك لنا في الأعمار.
في كل يوم يتعاقب الليل والنهار، وفي كل أسبوع نحظى بيوم مبارك هو يوم الجمعة، يوم عيد للمؤمنين يوم خلق فيه آدم عليه السلام، ناهيك أن السنة تتجمل بأيام فضائل وأشهر حرم. وها هي السنة تنقضي والعمر يمر والدنيا تتناقص والناس ترحل، فابدأ سنتك الجديدة بما يرضي ربك ولاسعادة لك بدونه فالسعادة بيد اللهـ وهو جلّ وعلا ميسر الأمور وشارح الصدور سبحانه. قال تعالى: وأنه هو أضحك وأبكى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى (النجم: 43، 44، 45).
كل من أشرقت بدايته أشرقت نهايته، والبداية الناجحة تحتاج إلى تغيير وإلى صحبة تعين على التغيير للوصول إلى المعالي ولتكون سنة جديدة بحق، فالسعادة والنجاح عدوهما الركود والرضى بما أنت فيه، تاريخ أمتنا المجيدة الإسلامية يحكي كله عن هجرة وانتقال وبناء.. هو إذن حركة كونية يديرها صاحب الكون بما يشاء وكيف شاء سبحانه وتعالى. فبارك اللهم سنتكم هاته ولا يفوتنا الدعاء بدعاء النبي الكريم عند رؤيته لهلال السنة الجديدة، حيث قال عليه السلام: “اللهم أهله علينا باليمن والايمان وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّه” (رواه الترمذيُ).
اللهم آمين.
1-رواه البخاري في كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه 1/ 28 [52]، ومسلم في كتاب البيوع، باب أخذ الحلال وترك الشبهات 3/ 1219 [1599].
2-جامع العلوم والحكم، آخر شرح الحديث رقم [6] بتصرف يسير.