في حلقة جديدة من حلقات برنامج “سؤال في التزكية” استكمل الأستاذ عبد الكريم العلمي عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان حديثه عن تعريف التزكية وثمارها، وذلك بعد أن فصل في الحلقة السابقة عن جواب سؤال لماذا التزكية؟
وذكّر المتحدث بأنه استعمل عبارة “إذا افترضنا” وهو يتحدث عن معاني: الاستجابة والاتباع والترقية والبركة، إذا افترضنا أن هذه المعاني الأربعة متعلقة بذمة وهمة الفرد، متعمدا استعمال كلمة “افترضنا” لأمرين، أولا لأن حرص المؤمن والمؤمنة على تزكية نفسيهما أمر ممكن بل مطلوب في حد ذاته، والأمر الثاني، وهو الأهم، أن الاقتصار فقط على تزكية النفس، وعلى خويصة النفس، والأمة تعيش ما تعيش، وتشتكي مما تشتكيه، لا معنى له. بمعنى ينبغي أن تصب التزكية الخاصة الشخصية، في التزكية العامة لأمة رسول صلى الله عليه وسلم.
وأضاف العلمي بأنه لا معنى على الإطلاق لأن ينزوي المؤمن أو المؤمنة ويختلي للاشتغال على نفسه، والأمة تعيش هذه المآسي الكبرى فهي الآن مستباحة من قبل أعدائها، في عرضها وفي أرضها وفي دينها وفي مالها وفي كل شيء، واستبد بها حكامها، وفسادهم وإفسادهم يفتك بها. فأن يختلي الإنسان المؤمن والمؤمنة بنفسه للتزكية بعيدا عن اهتمام الأمة فهو مما لا ينبغي، ورحم الله الإمام المجدد عبد السلام ياسين عندما كتب في كتاب الإحسان: “من أوثق عرى الإحسان العدل“، بمعنى أن كمال الإحسان الذي يتوخاه الإنسان هو إقامة العدل، فسعي المؤمن وسعي المؤمنة لإقامة الإحسان في قلوبهما ينبغي ألا ينفك إطلاقا عن سعيهما وتطلعهما لإقامة العدل في أمتهما.
وأورد المتحدث حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يحفظه جل الناس، والذي أخرجه الإمامان البخاري ومسلم رحمهم الله عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى“، واليوم وفي المرحلة الشديدة من تاريخنا لا يشكو عضو واحد من جسد الأمة، بل جسدها كله يشكو ويشتكي.
وأكمل الأستاذ حديثه في هذه الحلقة بالجواب عن بعض آثار وثمار التزكية في الأمة، مقتصرا على أربعة ثمار منها: التوّاد، ثم النجاة من البلايا، ثم القوة، ثم النصر.
التوّاد من أعظم ثمار التزكية، لأن القلوب إذا يسّر لها الله سبحانه وتعالى الطريق والسبيل فتزكت، فإنها عند ذاك تقوم بأعظم أعمالها وهو أعظم أعمال القلوب وهو التواد والتحاب والتراحم والتآلف. وما أحوج الأمة إلى هذه المعاني فبها تكون قوتها وغلبتها وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ.
ثم التزكية سبيل وسبب في النجاة من البلايا. والقرآن العظيم يقص علينا قصص الأمم السابقة، وتخبر السنة بأحوال الأمم التي سبقتنا من أجل الاقتداء ومن أجل الاعتبار، نجاهم الله عز وجل من البلايا ومن المصائب بما وفقهم إليه من تزكية، ومن تقوى، بل حتى ما يسمى الآن بالظواهر الطبيعية النجاة منها يكون بهذه التزكية. فعلى سبيل المثال عندما يصيب الأمة الجفاف فالاستغاثة وصلاة الاستسقاء كما علمنا الرسول عليه الصلاة والسلام، والأحوال التي يكون عليها المسلم هي اظهار العبودية، والتوبة، وتطهير النفوس بهذه التوبة، التحوج إلى الله سبحانه وتعالى، وكذا صلاة الخسوف. وقد بين لنا الصحابة رضوان الله عليهم أحوال رسول الله عليه الصلاة والسلام عند صلاة الكسوف، وما ينبغي أن نتشبه به عليه الصلاة والسلام في أحواله الشريفة تلك، من إظهار للعبودية، ومن إخبات ومن خضوع لجلال الله سبحانه وتعالى حتى تكشف الغمة ويذهب الله سبحانه وتعالى بالبلاء وبالمصيبة.
من ثمار هذه التزكية القوة، فالله سبحانه وتعالى يمد عباده الضعفاء بما يظهرون من تحوجهم وبما يظهرون من فاقتهم وافتقارهم إلى الغني القوي، سبحانه يمدهم بالقوة وَيَٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُم.