منذ انطلاق طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 ومع بداية الهجمة الصهيونية الشرسة على غزة الأبية رَوَّج الكثيرون -كما فعل سابقوهم- أن مقاومة ومجابهة جيش مدجّج بالتكنولوجيا المتطورة وبأحدث الأسلحة، ومسنود بأقوى الاستخبارات العالمية، ومدعوم بالسلاح ليلا ونهارا سرا وجهارا، رَوَّجوا أنها عملية انتحارية ومخاطرة غير محسوبة العواقب.
كما تجندت ماكينة الإعلام الصهيوني والمتصهين جاهدة لِتُرَسِّخَ في عقول الناس ووعيهم أن غزة سَتُمْحى من الخارطة، وأن شعبها سيُباد في َرمْشَةِ عين بأقل جهد وأدنى تكلفة.
وأمام هول المذابح والمجازر الصهيونية التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث، احتار العقلاء وانقسم الناس بين ساكت متغافل ومؤيد مناصر ومعارض مجاهر.
وفي خضم هذه الأحداث الجسام، ومنذ الوهلة الأولى سجل المغاربة الأحرار عربا وأمازيغ – كما غيرهم من الفضلاء العرب والعجم- مواقف مشرفة ستبقى خالدة على مر الأزمان والعصور. نقشوا مواقفهم المؤيدة لإخوانهم في غزة الأبية بمداد الفخر كما كتبوها بدمائهم التي أسيلت في بعض الوقفات إثر قمعهم من قبل أجهزة مخزنية كان يفترض أن تحميهم.
ووفاء لهذه المبادرات الراقية وعرفانا بهذه المواقف البطولية استحقوا أن يناديهم أهل غزة الأبطال:
يا أهل المغرب الأحرار عربا وأمازيغ: لقد تتبعتم أحداث غزة الأبية وأبنتم بفطرتكم السليمة وبألسنتكم السليقة وبقلوبكم الطيبة وبأرواحكم الطاهرة أن شيئا مستقرا داخل قلوبكم وعقولكم يناديكم أن هلموا لنصرة إخوانكم.
لم تتقوقعوا داخل حيز جغرافي رسمه لكم المستعمر وطبل له معاونوه على مدى السنين والأعوام وقالوا لكم هذه حدودكم لا تتجاوزوها.
لم تسجنوا أنفسكم في شعارات جاهلية عِمِّيَّة وضعها لكم المستعمر الغاشم -الذي قتل ومَثَّل بأجدادكم وسبى نساءهم وذراريهن- لم تنضووا تحت راية رسمها وخطط لها منظروه ومفكروه، فزعموا أن لكل قوم حدودا وأن لكل شعب رمزا، كما وهموا الجميع أن للأمازيغ راية لا ينتسبون لغيرها ولا يلتفتون لأي راية مهما كان لونها وحجمها ووزنها.
لم تُخَنْدِقوا أنفسكم في مفهوم مُزَيَّفٍ للوطن، حدد المستعمر حدوده الجغرافية بدقة ومكر وخديعة، ووهموا الجميع أن هذه هي حدود الوطن لا ينبغي تجاوزها أبدا مهما طال الزمن.
أيها الأبطال لقد رفعتم أصواتكم وبحت حناجركم وقلتم بصوت مرتفع في المناسبات والكتابات والوقفات والمسيرات: نحن شعب واحد ولسنا شعبين.
لقد صححتم المفاهيم المغلوطة وأثبتتم أننا أمة واحدة لا نقبل أن يداس شبر من أرضها كيفما كان ولا نقبل بفطرتنا السليمة وعقولنا المتنورة بمنهج الله أن يمس واحد من أبنائها كيفما كان لونه أو جنسه أو لغته.
بهذا الموقف وبهذا السلوك وضعتم أصابعكم على موطن الداء الذي نخر عقول الأمة وشتت شملها يوم أن تخلت عن مفهوم الأمة الواحدة الذي نادى به المولى الكريم في قوله تعالى: وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون. فانقسمت تبعا لذلك شعوبا ودويلات ترفع شعارات التمزق والشتات تحت دثار الخصوصية والشعوبية، بل أصبحت متناحرة ينط بعضها على بعض، بل يستجدي بعضها بالعدو في كيد وحرب على الآخر.
وأن هذه أمتكم أمة واحدة: لحمة واحدة، جسد واحد، إذا اشتكىى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء تضامنا وتواسيا وتناصرا ودفعا للضرر واستجماعا للقوة اللازمة لمحاصرة الداء ودفع الوباء ومحو آثاره.
لقد تفوقتم وتملكتم قمة الوعي بمفهوم الأمة ومتطلباته وتبعاته الذي غاب عن تصورات الكثير من المسلمين – ومن هنا أوتينا – يوم أن غاب عنا هذا المفهوم واستبدلناه بمفاهيم ضيقة وضعها لنا الغرب المستعمر وزينها لنا إعلام التبعية المضلل، وبنت عليها الصهيونية المتوحشة مشروعها التخريبي.
لقد تعاليتم أيها الشرفاء الأحرار فوق مفاهيم ضالة ومضللة تحدد الهوية في جنس أو لون أو لسان أو حدود أو تاريخ أو أرض دون نظرة ثاقبة للأفق السامق ولا ارتباط بالسماء ولا بخالق الأرض والبشر والسماء، وبَيَّنْتُم أن الهوية الحقيقية أسمى وأعلى وأرقى من ذلك كله.
لم تضللكم وسائل الإعلام التي تسوق أن الأمر لا يعدو أن يكون نزاعا حدوديا بين ثلة من الفلسطينيين ومجموعة من اليهود على شبر أرض لا تساوي شيئا.
لقد عبرتم بمواقفكم عن أن الصراع ليس صراع حدود بل صراع وجود.
لقد أدركتم أن الصراع ليس صراع سياسة بل صراع عقيدة، في وقت قالت شرذمة من المرجفين: لا يهمنا ذلك.
لم تدنسوا عقولكم ولا ألسنتكم ولا قلوبكم بأفكار التطبيع والصهينة في وقت بادر البعض ممن في قلوبهم مرض إلى المسارعة في تمجيد كل سلوك يرضي بني صهيون.
يا أحفاد طارق بن زياد ويوسف بن تاشفين وعبد الكريم الخطابي والمختار السوسي وموحى وحمو الزياني وغيرهم من الأجداد الأشراف النبلاء الكرام:
لقد أبَنْتُم عن نبل أخلاقكم وسمو ذوقكم وعلو كعبكم فاخترتم الموقف الصحيح واتخذتم القرار السليم، لقد صنعتم المجد والتاريخ ودخلتموه من بابه الواسع كما دخله الأسلاف الكرام.
أيها الأبطال المغاربة عربا وأمازيغ: لقد دفعتكم نخوتكم ومجد آبائكم، كما حفزتكم أنفتكم التي لا تقبل الظلم ولا تسالم الظالمين إلى تحمل كل المشاق والصعاب.
لم تشتكوا من حر الشمس صيفا ولا من قساوة البرد شتاء.
لم تستسلموا لسطات قمع واجهتكم أحيانا بضراوة ولم تبالوا بقمعها ولم تردوا عليها إلا بالمزيد من الصبر والتحمل.
هددوكم خوفوكم خونوكم، قالوا لكم لا تقفوا ويحكم ستصنفون وسيتم ضبطكم.
استفزوكم بأعوان لا خلاق لهم واقفين أمام وجوهكم لتصويركم بطريقة فجة، وأرهبوكم وقالوا لا تتكلموا سيتم إسكاتكم وستتم متابعتكم.
قالوا لكم: ويحكم لا تشاركوا في وقفة ولا في مسيرة إذ سيتم قمعكم، فأبيتم أيها الأحرار إلا المشاركة القوية السلمية الإيجابية في لين بلا ذل وقوة بلا عنف.
يا كتاب التاريخ ويا صناع الحاضر وبناة المستقبل:
نعم دفعتكم الحمية، لكن ليست حمية الجاهلية، بل حمية الدين والشرف، حمية العز والإباء والنخوة المتجذرة في القلوب والأرواح بشكل تلقائي لا تصنع فيه ولا تنطع.
لم تدخروا جهدا ولم تخافوا أحدا.
لم ترعبكم أحكام قاسية صدرت في حق رجال أحرار ونساء حرائر كتبوا عن فلسطين وعبروا عن مواقفهم من التطبيع مع كيان لا أخلاق له ولا عهد له ولا ميثاق.
حاول البعض تضليلكم فقالوا لكم: تازة قبل غزة. فأجبتم بحكمة وتوفيق: نعم تازة وغزة، فحملتم تازة على كتف وغزة على الأخرى دون كلل ولا ضجر ولا ملل، ولم تشغلكم واحدة منهما عن الأخرى وأكدتم في الميدان أن لا فرق بين تازة وغزة فلا ضير سنحررهما معا من كل ظلم واستبداد.
حاولوا تثبيطكم فخابوا وخسروا، حاولوا استغباءكم واستغفالكم فقلتم قولا وفعلا في ذروة معمعان السجال: نحن الرجال، لا نستخف ولا نستخف.
تحررتم من الوهن فتحررت أفكاركم، تمردتم على الخوف، فصار الخوف يهابكم، فصفت عقولكم وضمائركم، رفضتم العبودية لغير الله فتطهرت قلوبكم وسمت أرواحكم.
قلتم كلمة واضحة سمع صداها في مختلف ربوع العالم وفي أرض فلسطين الأبية: نحن المغاربة الأباة الأحرار عربا وأمازيغ: لا نقبل الظلم ولا نسكت عن الحق.
فتزينت صدوركم بأوسمة الشرف، وتزينت أكتافكم بنياشين العز والفخر والكبرياء.
فهنيئا لكم أن حق قول الله الكريم فيكم: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) (سورة آل عمران).
وأبشروا، فقد فزتم بمثل الأجر الذي فاز به الواقفون على الثغور في المسجد الأقصى وفي غزة الأبية وفي غيرهما. فقد بشرنا الخالق العظيم جل جلاله: وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(121)(سورة التوية).