بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.
يقول الله سبحانه وتعالى: مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا.
أعزي نفسي وجميع المسلمين في هذا العالِم الجليل التقي الورع، الداعية إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة منذ عرفناه وتعرفنا عليه من خلال كتاباته الشهيرة ومحاضراته القيمة، ومجابهته لأهل الطغيان، الصادع بالحق في وجه الاستكبار .
ونقول: لله ما أعطى وله ما أخذ. نقول ما كان يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العين لتدمع وإن القلب ليخشع وإنا لفراقك يا عالمنا الجليل لمحزونون. وما نقول إلا ما يرضي الله: إنا لله وإنا إليه راجعون.
يحق لنا أن نحزن لموت عالمنا الجليل، ليس جزعا ولا اعتراضا على قضاء الله، ولكن لأنه بموت العلماء يقبض العلم، ونحن اليوم فقدنا داعية ربانيا من الدعاة الصادقين .
وفي الوقت نفسه نفرح لعالمنا أنه ارتحل من دار البلاء والابتلاء إلى دار البقاء، ارتحل إلى لقاء أرحم الراحمين، فالموت راحة المؤمن؛ أخرج البخاري ومسلم عن أبي قتادة – رضي الله عنه -: “أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مُرَّ عليه بجنازة، فقال: “مستريح أو مستراح منه”، قالوا: يا رسول الله، ما المستريح وما المستراح منه؟ قال: “العبد المؤمن يستريح من نصَب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب”. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “تُحْفَةُ الْمُؤْمِنِ: الْمَوْتُ”.
وعالمنا الجليل ترك علما نافعا ينتفع به، ومن المبشرات التي بشرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إذا مات ابن آدم؛ انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له” (رواه مسلم).
والموت موعظة؛ ورد في الأثر: “تركت فيكم واعظين، ناطقاً وصامتاً، فالناطق هو القرآن، والصامت هو الموت، وفيهما كفاية لكل متعظ”.
نعم أحبب من شئت فإنك مفارقه، وعش ما شئت فإنك ميت. فلهذا اليوم يجب أن نعد العدة؛ يقول الله سبحانه وتعالى: يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍۢ (الحشر، 18).
فاللهم ارحم فقيدنا رحمة واسعة، وارزقه صحبة النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله، واجعله ممن قلت فيهم: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي، واجعل هذا اليوم الذي يلقاك فيه خير أيامه. وارحمنا إذا صرنا إلى ما صار إليه، واجعلنا ممن يتعظ بمفارقة الأحباب ويعد الزاد ليوم الرحيل. آمين.