علاقة السيدة فاطمة برسول الله ﷺ .. درر ومفاتيح

Cover Image for علاقة السيدة فاطمة برسول الله ﷺ .. درر ومفاتيح
نشر بتاريخ

استحقت سيدتنا فاطمة الزهراء أن تكون سيدة نساء أهل الجنة بما قدمت للرسالة والرسول، وبما جاهدت في سبيل الله وصبرت، وبما علمت وربت رضي الله عنها وصلى وسلم وبارك على أبيها.

عاشت رضي الله عنها حياتها كلها لله؛ ابنة وزوجة وأما، ووصلت أعلى درجات الكمال بفضل صحبتها اللصيقة برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ المعلم والمربي الأعظم، والأسوة الحسنة في تربية الأبناء. إن في سيرته صلى الله عليه وسلم في علاقته بابنته فاطمة درر ومفاتيح تكون لنا خير معين بعد توفيق الله تعالى في تربية فلذات أكبادنا.

أول هذه المفاتيح صلاح الآباء. وكان أبوهما صالحا (الكهف، 82).

إن صلاح الأبناء يكون أول ما يكون منا نحن الآباء، إن حفظنا الله في أنفسنا وأطعناه وعملنا صالحا يحفظنا الله تعالى في أنفسنا وأهلينا وأولادنا، مصداقا لكلمات النبي صلى الله عليه وسلم التي علمها لابن عباس رضي الله عنهما: “احفظ الله يحفظك” (1).

إن الإقبال على الله تعالى بالطاعات، والتزود من الباقيات الصالحات، واجتناب المحرمات، لمن خير العطايا التي نهديها إلى أبنائنا وذرياتنا، ولقد فهم الصالحون قبلنا هذه المعاني، فزادوا في أعمالهم الصالحة رجاء أن يحفظهم الله في ذرياتهم، وقد روي عن بعضهم أنه قال لابنه: إني لأزيد في صلاتي من أجلك يا بني.

ومن الأمور المهمة أيضا في تربية الأبناء الحرص على آخرتهم .يقول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون (التحريم، 6). ولما نزل قوله تعالى: وأنذر عشيرتك الأقربين (الشعراء، 214) قام رسول الله وقال: يا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا (2).

إن الحرص على آخرة أبنائنا هو من صميم حرصنا على آخرتنا. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، وعدّ الولد الصالح من هذه الثلاث، قال عليه الصلاة والسلام: وولد صالح يدعو له (3). نسأل الله تعالى عز و جل أن يصلحنا لأولادنا ويصلح أولادنا لنا، آمين .

ومن المفاتيح المهمة في إنجاح العلاقة بالأبناء؛ المحبة والمودة، ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة في حبه لأولاده، فلقد حرمت ابنته فاطمة حنان الأم ولم تتجاوز بعد خمس سنين، وامتلأت نفسها حزنا وألما، فكانت تلوذ بأبيها المصطفى صلى الله عليه وسلم، فوجدت عنده ما تحتاجه من العطف والحب والحنان، فلئن كانت فاطمة أم أبيها ففي المقابل صلى الله عليه وسلم قد بادلها أكثر من ذلك؛ كان يقوم لها إذا دخلت، ويقبلها ويجلسها في مجلسه، ويسمع شكواها، ويسرّ لها الكلام.. وغير ذلك من مظاهر الحب التي أوردتها كتب السيرة .

إن إظهار الحب عنصر حاسم في بناء الثقة بين الآباء والأبناء، فرأي الأبناء في آبائهم حاسم في تلقي التربية، كما ثقة المريض في الطبيب حاسمة في تقبله العلاج، لذلك وجب التعبير عن هذا الحب بشتى الأشكال والوسائل، وأهمها الاهتمام بالأبناء ذكورا وإناثا، وبالقضايا التي تشغلهم، والانفتاح على عالمهم مهما كانت الشواغل، كما كان يفعل حبيب الله صلى الله عليه وسلم مع فاطمة، كان يهتم بها ويسأل عنها حتى وهو في أصعب الظروف.

إلى جانب الاهتمام لا ننسى الوسائل المهمة الأخرى التي تفتل في حبل الود ومنها: المداعبة والملاعبة والكلمة الطيبة والعناق والهدية والتشجيع والمشاورة وحسن الاستماع …

وأختم بأهم ما يعمق هذا الحب؛ وهو تخلق الآباء بخلق الرفق، فالرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه (4). يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرمِ الخيْرَ كُلَّهُ (5).

الرفق خير سلاح يحمله الأبوين في علاقتهما بأبنائهما فله مفعول السحر على القلوب، والله تعالى عز وجل يعطي عليه ما لا يعطي على غيره (6)، ويعين عليه ما لا يعين على غيره .

نسأل الله تعالى الكريم أن يجعل لنا من ذلك كله الحظ الأوفر، وأن يصلحنا ويصلح ذرياتنا وذرية المسلمين، آمين .


(1) عن أبي العباس عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال: ((يا غلام، إني أعلمك كلماتٍ: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعـوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام، وجفَّت الصحف))؛ رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيحٌ.

(2) قَامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ أنْزَلَ اللَّهُ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ} قالَ: يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ – أوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا – اشْتَرُوا أنْفُسَكُمْ لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شيئًا، يا بَنِي عبدِ مَنَافٍ لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شيئًا، يا عَبَّاسُ بنَ عبدِ المُطَّلِبِ لا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شيئًا، ويَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسولِ اللَّهِ لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شيئًا، ويَا فَاطِمَةُ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي ما شِئْتِ مِن مَالِي لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شيئًا. أخرجه البخاري (4771) واللفظ له، ومسلم (206).

(3) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

(4) عن عائشة رضي الله تعالى عنها أَنَّ النبيَّ ﷺ قَالَ  إِنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ في شيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ. رواه مسلم.

(5) عن جرير بن عبد اللَّه رضي الله عنهما  قالَ: سمعتُ رَسُولَ اللَّه ﷺ يقُولُ: مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرمِ الخيْرَ كُلَّهُ. رواه مسلم.

(6) عن عائشة رضي الله عنها: أَن النبيَّ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطِي على الرِّفق ما لا يُعطي عَلى العُنفِ، وَما لا يُعْطِي عَلى مَا سِوَاهُ. رواه مسلم.