علماء الأمة وموقفهم مما يقع في غزة

Cover Image for علماء الأمة وموقفهم مما يقع في غزة
نشر بتاريخ

من أقوى خطابات أبي عبيدة وأشدها إيلاما تلك التي خاطب بها الحكام والقادة والعلماء قائلا: “أنتم خصومنا أمام الله عز وجل”.

أود في مقالتي هاته الحديث عن العلماء ملح البلد وأهل الخشية وصلتهم بما يجري في غزة من تجويع وتقتيل.

هل النقد للعلماء يعد حملة ممنهجة للنيل من مكانتهم في الأمة والإمعان في إضعاف مركزيتهم؟

وإذا كان العلماء يستندون في مواقفهم إلى الوحي وفهوم العلماء فلم انقسامهم تجاه قضية تعاطفت معها شعوب العالم المسلم وغير المسلم؟

إن ما يتعرض له أهلنا في غزة من تقتيل وتجويع لا ينبغي السكوت عليه، وأن الفئة العلمائية الراكنة إلى الذين ظلموا طوعا واختيارا، والمشرعة لحكامها التطبيع النكد، لا حجة لهم أمام الله تعالى سوى اتباع الهوى والحظوة والوجاهة.

وأما فئة الساكتين من العلماء ممن آثروا العافية ونأوا بأنفسهم عن معارضة أنظمتهم خشية بطش السلطان، مع تفطر قلوبهم لما يقع في غزة، وتعاطفهم المكبوت مع المقاومة، ينبغي عدم معاداتهم ولا مخاصمتهم، وإن كنا لا نقرهم على صمتهم هذا وحيادهم، ولا حتى على تعللهم بالخوف من التنكيل والإذاية، وهم التالون لقول الله تعالى: “ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا”. إن هؤلاء العلماء الساكتين تنظر إليهم السلطة على أنهم موظفون وخبراء شرعيون، ولا يحق لهم الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر إلا بالقدر الذي يأذن لهم به دين الانقياد والسلطة.

وقد اختار ناس من علمائنا الأفاضل مسلكا ثالثا، حيث نافحوا عن الدين وأحكام الشريعة، وتصدوا لتأويل الجاهلين والمغرضين، مما جعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وتثق في فتاويهم وتؤيد مواقفهم، وفي الآن ذاته دافعوا عن سياسة الدولة واختياراتها باستماتة، وبخاصة ما يتعلق بقضايا الشأن الديني، ولهم حججهم في ذلك وتأويلاتهم لنصوص الشريعة، وهذا أمر محل نظر واختلاف، لكن أن يصبح العالم بوقا للاستبداد، وذائدا عن اختيارات السلطة وقراراتها الخارجة عن الجادة والمعقول، فهذا ما لا يُقبل منه ولا يُقرّ عليه، إذ فيه استغلال العالم لمكانته بين الناس وتمريره ما لا ينبغي تمريره. وهذا مزلق خطير ومنزع غير بديع.

إن عددا من علمائنا درسوا الشريعة ورسخت أقدامهم فيها، ومنتهى أملهم تدريسها لمن بعدهم، ولم يضيفوا إلى ذلك المقصد الأسنى وهو مقصد إحياء الأمة بهذا العلم الشريف علم الشريعة. هؤلاء لهم فضل التعلم والتعليم، لكن فوتوا على أنفسهم مزية الإحياء والجهاد لتكون كلمة الله هي العليا.

لكن، هل من حق الناس انتقاد العلماء؟ إن من حق الناس انتقاد مسالك العلماء والاستدراك عليهم وتذكيرهم بوظيفتهم العظمى: وظيفة البيان والتبليغ والإرشاد بأدب واحترام، إذ الناس تبع لعلمائها وهم قدوتهم وأئمتهم، فينبغي عدم النكير على من ذكر وانتقد.

فهل يرعوي الراكنون ويتوبون؟

وهل يجهر الساكتون بالحق الأبلج ويبينون؟

وهل الذين اتخذوا مسلكا ثالثا وسطا من علمائنا قادرون على مراجعة مواقفهم واستثمار محبة الناس إليهم في الاتجاه الصحيح، دفاعا عن الدين، ووقوفا مع المستضعفين والمضطهدين، حتى يدخلوا التاريخ من بابه الواسع، ويكونوا قد بلغوا رسالات الله دون خشية أحد؟

لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.